لا استراتيجية فلسطينية ولا إسرائيلية

بقلم: ماجد الشيخ

الهبّة الفلسطينية الراهنة أو الانتفاضة أو العمليات الفردية، أو ثورة السكاكين، تسميات لمعنى واحد، يعكس ردوداً مباشرة على غياب استراتيجية إسرائيلية قابلة للتحقق. وفي المقابل، ففي ثنايا الموقف الفلسطيني واستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال، والموقف السلبي من تلك العمليات، وغيرها من الأدوات الكفاحية، يكمن غياب استراتيجية فلسطينية ثابتة على أهداف محدّدة للآن أو للغد، وهذا هو المأزق الذي تعيشه القضية الوطنية الفلسطينية التي لم تعد أولوية الأولويات، لا للوضع الفلسطيني الداخلي نفسه، عبر تحولات السلطة والحركة الوطنية بعامة، وسلسلة علاقاتهما المصلحية والزبائنية، ولا بالنسبة للوضع الإقليمي أو الدولي، المشغولين بهموم وقضايا أخرى، تشكّل لهما عنواناً عريضاً لما يختص بواقع الهيمنة وتقاسم النفوذ، في قلب "مسألة شرقية" جديدة، باتت تشكّلها الأزمة السورية، بتعقيداتها وتوليداتها المستمرة والمتواصلة.
هذا في ظل مراوحةٍ متواصلةٍ لواقع الانقسام السياسي والجغرافي الذي بات الوضع الوطني الفلسطيني برمته، ينحكم إليه، ويتردّى في ظله حال السلطة والنظام السياسي، ليس في مواجهة الاحتلال فحسب، بل وفي مواجهة الذات الوطنية وانقساماتها، في مواجهة مكوّناتها المختلفة فصائلياً وفئوياً، حتى باتت الوحدة الوطنية أبرز الغائبين، في ظل الحضور الطاغي لكل المستفيدين من هذه الوضعية الشاذّة التي تتردّى، في ظلها، حركة تحرّر وطني، المفترض أنها بلغت سن الرشد السياسي، في ظل خبراتٍ كفاحيةٍ، جرى تبديدها باجترار الأنماط نفسها التي انحكمت لها وانحازت إليها، وعلى أيدي الشخوص القيادية نفسها التي تعيش شتى صنوف المراوحة، وهي تتصدّى، أو لا تتصدّى، لقيادة وضع وطني أكثر احتياجاً لدماء جديدة، تواصل تجدّدها كلما مرّت الحركة الوطنية والتجربة الكفاحية بأزمات جديدة، وما أكثرها في واقعٍ من تعقيدات وتشابكات لا حصر لها.
ولئن كان اليمين العقائدي والاستيطاني الحاكم قد رفع من منسوب مماطلاته، وتهرّبه من استحقاقات المفاوضات، فهو، في النهاية، سوف يظل يرتع في المنطقة التي لن تتيح له أن يقدّم، ولو في الحد الأدنى، ما يدفع سبل المفاوضات إلى الأمام. ما يعني أن المفاوضات ستبقى تفشل قبل أن تبدأ، وحتى انتهاء جولاتها واحدة بعد أخرى، وهذا حالها، منذ بدء تطبيق اتفاق أوسلو، منذ أكثر من عقدين، مرّت خلالهما متغيّرات عديدة، "سلبية" فلسطينياً و"إيجابية" إسرائيلياً، وهذا ما يناسب عملياً وضع اليمين الإسرائيلي، في السلطة وفي المعارضة، طالما أن "الستاتيك" التفاوضي، وبناء مزيد من الجدران، لا يفسح لأي تقدم نحو "حل الدولتين"، أو حتى "الدولة الواحدة ثنائية القومية"، على الرغم من وجودها أمراً واقعاً، وذلك جرّاء رفض اليمين الحاكم، ومعه أغلبية الإٌسرائيليين، القاطع لهذه الدولة، وكل ما في الأمر أن إدارة الصراع باتت البديل الواقعي الممكن والمتحقق.
في ظل وضعٍ كهذا، تغيب استراتيجية السلام والمفاوضات من على أجندة حكومات الائتلاف اليميني، منذ صعود حزب الليكود وما يمثله إلى السلطة في السبعينيات، في وصف شبّه يومها بالانقلاب اليميني التاريخي على حكومات الوسط ويسار الوسط، ممثلةً بحزب العمل وائتلافاته التي كانت تتشكّل منه، ومن بعض قوى يسار الوسط، من دون أن تنجرّ إلى تسويةٍ تفاوضية، لعب اليمين العقائدي والاستيطاني الأدوار الأبرز في إفشالها قبل أن تبدأ، إلى أن أنجز إسحاق رابين اتفاق أوسلو، ليُصار بعده العودة إلى "ستاتيك" التفاوض من جديد، من دون أن تكون هناك استراتيجية إسرائيلية معلنة ومفهومة، وإلى أي مآل يمكن أن تفضي.
وإذ غيّب الفلسطينيون، بفعل "أوسلو"، استراتيجيتهم الكفاحية، بثوابتها المعروفة وبتكتيكاتها المتقلبة والانقلابية، فقد باتوا يفتقدون أي استراتيجية غير التي تنادي بـ "حل الدولتين"، وهي التي أضحت تفتقد مقومات قيام دولة سيادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليس بفعل المعوقات والوقائع الإسرائيلية المرّة، وكذلك جرّاء الانقسام السياسي والجغرافي، كما جرّاء الكتل الاستيطانية والجدران ومصادرة الأراضي، وهي السياسة التي باتت معلماً بارزاً لافتقاد الإسرائيليين أي سياسةٍ جديةٍ وحقيقية، يمكن أن تقود إلى تسويةٍ ممكنة، ترضي الفلسطينيين، وتمنحهم بعض حقوقهم في أرضهم التاريخية.

2016-03-26 | ماجد الشيخ