وزارة السعادة العربية

بقلم: سعيد المسحال

أعلنت دولة خليجية مؤخراً عن اضافة وزارة أسمتها "وزارة السعادة" وأسندتها لامرأة، واعتبرت ذلك انجازاً عظيماً وأكثر من طبلوا وزمروا لهذا الانجاز العظيم خارج تلك الدولة كان مجموعة من أبطال "التوك شوز" في أجهزة الإعلام المصرية.

جاء هذا النبأ في أسوأ الظروف التي يمر بها الوطن العربي بكامله على الاطلاق.

لقد اختفت السعادة من كافة أرجاء البلاد العربية، واشترك في تدميرها جهات خليجية كثيرة، واشتركوا في ذلك التدمير مع عتاولة "الإسلام السياسي" والإسلام التكفيري الجهادي وتغوُّل الصهيونية.

وهنا نتساءل ماهي السعادة؟ وماهي دواعيها ومسبباتها؟ ولكي نعتبر أن السعادة موجودة لدى أفراد مجتمع ما فإنه يجب أن ننظر إلى حزمة من العوامل التي تشترك في إشاعة السعادة بين أفراد المجتمع أو هي تسببها، حيث أن السعادة هي حالة نفسية تتميز بالقناعة والهناء والاستقرار بكل نواحيه.

فمن عوامل توفر السعادة الوضع المادي والاقتصادي ممثلا بالدخل القومي، ولكي يكون الدخل القومي عاملاً حقيقياً في هذا المجال فإنه يجب ألا يكون حاصلاُ من تعاظم للدخل من المصادر الطبيعية كالبترول والغاز والمناجم وغيرها من الثروات التي لا فضل للإنسان في وجودها، فإن لم يكن ارتفاع الدخل القومي ناتج عن العمل والإنتاج في غير مجالات  الثروات الطبيعية فإنه لن يكون جالباً للسعادة في حد ذاته على الاطلاق، أما الثروات الطبيعية فإنها تتسبب في إشاعة الشعور بالنعيم والسعادة في أوساط العقول الخاملة كما يقول الشاعر:

ذو العقل يشقي في النعيم بعقله       وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

ومن عوامل السعادة أيضاً الصحة والاستقرار الوظيفي كي يكون الإنسان بعيداً عن القلق حيث لا تتواجد السعادة مع القلق والمرض والشعور بالتهديد الدائم بفقد الوظيفة أو مصدر العيش الكريم.

والمسبب الثالث المشارك في تواجد السعادة هو الدفيء العائلي والعلاقة السوية الحميمة بين أفراد العائلة والشعور بالتآزر والتعاون، وكذلك دفئ الصداقة وأن تكون محاطاً بجيران مخلصين أوفياء ومراعين لحقوق الجوار، ومن ثم الانتساب إلى مجتمع مستقر متجانس ومتمسك بالأخلاق الحميدة.

ثم يأتي العامل الأمني حيث أن الأمن والأمان و الاستقرار هي من أهم متطلبات السعادة.

وبالتوازي والتلاصق مع كل العوامل السابقة تأتي الحرية والعدالة والديموقراطية، أما في غياب كل أو بعض العوامل التي ذكرنا فإن التشاؤم الدائم والقلق الدائم يولدان عدم الاستقرار بجميع نواحيه المادية والمعنوية والنفسية مما يتسبب بألا يكون للسعادة الحقيقية فرصة للتواجد.

واذا نظرنا على ضوء كل ما تقدم إلى فرص السعادة في تلك الدولة نجد أنه من الصعب بل من المستحيل أن تتوفر السعادة بمجرد وجود وزارة ووزيرة.

فالمجتمع في تلك الدولة مجتمع مصنوع وغير طبيعي حيث أنه يتكون مما لا يقل عن أربعة غرباء لكل مواطن، أي أن ثلاثة أرباع أو أربعة أخماس المجتمع هم من الغرباء من خلفيات عرقية ودينية وقومية غير متجانسة أو متقاربة وعادات اجتماعية متفاوتة أو متناقضة.

ثم أن هذه المجموعة من الغرباء معظمها لا يشعر بالاستقرار أو الأمان فكل واحد معرض لفقد عمله وإلغاء إقامته في أي وقت، كما أن معظمهم يتقاضون رواتب بالكاد تكفي لمعيشتهم والتزاماتهم في بلادهم، وعندما يعاد أحدهم إلى بلده أو يخرج من البلاد لأي سبب من الأسباب فانه يصبح وبسرعة في أشد الاحتياج إلى عمل قد لا يجده إلا بصعوبة... هذا إن وجده.

فكيف هي أخبار "السعادة" عند هؤلاء؟

أما المواطنون إن كانوا سعداء فإن نسبة كبيرة منهم سعادتهم ظاهرية وليست حقيقية فهم أيضاَ لا يشعرون بالراحة والاستقرار وهم يعتمدون في أمورهم الحياتية على الغرباء، فالبقال والجزار والنجار والحداد والمهندس والطبيب والممرض والحلاق والسائق وعامل النظافة في البيت أو في الشارع وغير هؤلاء كثير في كل مناحي الحياة... هم كلهم من الغرباء!!

هذا من ناحية... ومن ناحية أخرى فأصحاب العقول منهم يعرفون بأن حياتهم تخلو من الاستقرار الحريات الأساسية ومن الديمقراطية والعدالة وكذلك من عوامل ضمان الأمن والأمان.

فماذا يا ترى سيكون دور وزارة السعادة، ولو أننا قررنا تأسيس مثل هذه الوزارة في كل بلد عربي فتصوروا معي نشاط هذه الوزارات السعيدة... سوى أن تركب الوزيرة صاحبة المعالي سيارة مكشوفة وفي يدها ميكروفون وتدور في شوارع المدن والقرى تنادي:

اضحك كركر      اضحك كركر

عاشت داعش       عاش العسكر

أو ربما:

سقطت داعش       سقط العسكر

عاش المالك         عاش الأجْوَر

اضحك كركر        اضحك كركر

سعيد المسحال

31/3/2016