لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي ,كلمات من خطاب زعيم الشعب الفلسطيني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقائد حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح , خطاب صفق له بحرارة زعماء وممثلي دول العالم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة , لأن الأمم المتحضرة تجل وتكرم كل من يدافع عن حقه ووطنه في مواجهة الإحتلال , خطاب يحمل في حروفه إستراتيجية واضحة المعالم يعرضها الزعيم الراحل ياسر عرفات رحمه الله أمام العالم أجمع , يقول لهم أما الإعتراف بالحقوق الفلسطينية أو أن خيار المقاومة لازال قائم والبندقية في اليد , فهو لم يتخلى عن خياراته النضالية وفي مقدمتها الكفاح المسلح , أمام وعود فارغة المضون لا تلبي الطموح الوطني الفلسطيني بإسترداد الأرض والمقدسات وعودة اللاجئين إلى ديارهم, ولأكثر من عشرون عاما يستمر الزيف والخداع رغم إنفضاح حقيقة مشروع التسوية , ويتواصل التراجع في المشروع الوطني الفلسطيني , ومع ذلك يحاول البعض الإصرار على المضي في هذا الطريق المسدود, والذي يقزم القضية الفلسطينية ويزج بها خارج منظومة قضايا التحرر الوطني العالمية , والتي يقف إلى جانب عدالتها كل أحرار العالم والقوي الحية التي تؤمن بمفاهيم الحرية والإنعتاق من الإحتلال البغيض .
لا يختلف إثنان من الشعب الفلسطيني حول فشل وعقم الخيارات السياسية التي تتبناها قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية , بل هنا إجماع حول الأثر التدميري الذي تركته تلك السياسات على مسار القضية الوطنية ,فلا يمكن أن نغفل أن ولوج المسار التفاوضي لم يحظى بالإجماع الفلسطيني منذ اليوم الأول لإنطلاقته , بل زاد الرفض لذلك المسار العبثي الذي أوجد في الواقع الفلسطينية منظومة أمنية ممثلة بالأجهزة الأمنية التابعة للسلطة , لتكون بمثابة الوكيل الأمني للإحتلال في المدن الفلسطينية , ولم يعد هذا الأمر مجرد إتهامات بل هناك من أقطاب السلطة وقادتها من يشهد بالصوت والصورة على حقيقة الدور الأمني للسلطة , تحت لافتة التنسيق الأمني مع الإحتلال الصهيوني , حيث يتم من خلال ذلك توفير قناة أمنية تمد الإحتلال بالمعلومات القيمة , وتتحرك قوى الأمن التابعة للسلطة لو لزم الأمر من أجل قمع أي حراك ثوري ضد الإحتلال, تحت هواجس إنهيار السلطة أو توقف الدعم المالي المشروط بتنفيذ الإلتزامات الأمنية .
الوظيفة الأمنية للسلطة تقف في جانب الخصم لإنتفاضة الشباب الفلسطيني, وتفرض إلتزامات السلطة الأمنية عليها محاربة أي خلايا لمقاومة الإحتلال ومستوطنيه , تحت عناوين براقة مثل توحيد السلاح الشرعي , فهل يحفظ سلاح السلطة أمن الفلسطينيين من عمليات القتل التي ينفذها جنود الإحتلال ومستوطنيه ؟ , بكل تأكيد لا بل أن هذا السلاح يسعى بالدرجة الأولى لتحقيق أمن الإحتلال , والا ما سمحت قوات الإحتلال بوجوده على أرض الضفة المحتلة , وهذه هي الحقيقة التي لا مراء فيها , ومما لاشك فيه فأن التصادم الحاصل بين السلطة الفلسطينية وتيار المقاومة العريض في الشعب الفلسطيني , يخدم الإحتلال ومصالحه, بأن يجعل من الإنتفاضة ضد المحتل محل خلاف فلسطيني , حيث ينقسم الشعب الفلسطيني للأسف حول خيارته الطبيعية وحق المشروع في مقاومة المحتل بكل وسائل المقاومة الفاعلة , ولعل هذا الأمر كان له الأثر الكبير في تراجع حدة إنتفاضة القدس الحالية , الا أن تصاعد القمع الصهيوني وتواصل الإعدامات الميدانية قد يجعل بالإنفجار الكبير , ومن الممكن أن تنال السلطة حصتها من هذا الإنفجار , فلا يعقل أن تستمر السلطة بالوقوف في وجه التطور الطبيعي للمقاومة الشعبية في الضفة المحتلة .
وهنا نخلص إلى نتيجة واضحة للعيان بأن مكونات السلطة الفلسطينية السياسي والأمني والإعلامي هي خارج دائرة الثورة الحقيقية , ضد الإحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية ولا يقتلعه الا الفعل المقاوم المؤثر ,وهذا ليس تجني على السلطة فإن قمة الهرم السياسي والأمني لتلك السلطة يعلن بلا خجل عدم إيمانها بالكفاح المسلح ضد الإحتلال , ويتفاخر بإستمرار التنسيق الأمني مع جيش الإحتلال , ويقمع كل من يحاول التفكير بمقاومة الإحتلال بالضفة.
التصريحات الأخير للرئيس محمود عباس للقناة الثانية في تلفزيون الإحتلال , تسرد لنا حكاية السلطة من ألفها إلى يائها , وكأنه يقدم كشف حساب عن وظيفة السلطة الأمنية أمام الجمهور الصهيوني , ويسهب في تفاصيل عمليات أجهزته الأمنية التي تفتش حقائب الطلاب بحثاً عن السكاكين , ويصف حالة الحزن الذي يشعر بها عندما يتعرض المستوطن للطعن والقتل , وشعوره بالأسى والألم على مقتل إمرأة من المستوطنين , فلماذا لم تستعرض سيدي الرئيس كم إمرأة فلسطينية قتلت برصاص الجنود على الحواجز بالضفة , ألم يصلك نبأ المواطنة ثروت الشعراوي ( 72 عاماً ) جراء إطلاق جنود الاحتلال النار صوب سيارة مدنية في منطقة رأس الجورة بالخليل , والمواطنة مهدية محمد ابراهيم حمّاد (40 عاماً)، استشهدت بعد إطلاق جنود الاحتلال المتمركزين على المدخل الغربي لبلدة سلواد برام الله , وكذلك المواطنة أماني حسني جواد سباتين (34عاما) التي أعدمها جنود الإحتلال على دوار عصيون جنوب بيت لحم , وغيرهم من الشهداء الفتيات والأطفال والشبان , والذين إعدموا بدما بارد فقط لأنهم فلسطينيون , فأليس أقل من أن تنقل مظلوميتهم ,وأن تحفظ أسمائهم في أي حوار أو مقابلة تلفزيونية يا سيادة الرئيس !! .
لن أستمر في تفنيد مقابلة الرئيس عباس فهي أمامكم بالصوت والصورة , ويكفي أن يشاهدها أي فلسطيني حتى يخرج بإنطباع سلبي وسيء عن الأداء السياسي للسلطة ورئاستها , إلا أنني أريد أن أعرج على نقطة مهمة جداً , وهي أن الرئيس عباس يتحدث للعالم أجمع من خلال أي لقاء يجريه , بل يزداد ذلك اللقاء أهمية عندما يكون خلال قناة إعلامية تتبع للإحتلال , فليس من السهل القول بأن الخطاب أو المقابلة الصحفية موجة للمجتمع الصهيوني فقط , فالعالم اليوم أصبح قرية واحدة فبكل تأكيد لقد سمع العالم كلام الرئيس عباس , والذي كان في معظم حديثه يصف الحالة بالشكل الذي يرغبها الإحتلال , بأن الجاني هو الفلسطيني المتعطش للدماء والطعن والقتل , وهنا يجري الإستغلال الصهيوني لهذا الحديث والذي سيوظف أمام كافة المحافل الدولية , قائلين لهم هذا هو الرئيس الفلسطيني يكشف لنا حجم (الإرهاب) الفلسطيني وأن السكاكين موجودة إلى جانب الأقلام في حقائب الطلاب الفلسطينيين, ليعطي ذريعة لكافة عملية الإعدام التي تعرض لها طلابنا وطالباتنا على الحواجز الصهيوني في الضفة المحتلة ,ولا ننسى أن تلك الإعدامات الميدانية قد أثارت حفيظة وإعتراض كثير من الدول الغربية وعبروا عن ذلك بشكل علني وشكل مشهد الإعدام الميداني وترك الجرحى الفلسطينيون دون إسعاف وصمة عار في جبين الصهاينة أمام العالم , فهل منح الرئيس عباس الشرعية لكافة أعمال القمع الدموي التي تمارسها حكومة نتانياهو الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ؟! , كلي أمل أن يتم مراجعة خطاب السلطة وقيادتها ومراجعة ممارستها الميدانية , والعودة إلى المسار الواضح الجلي بالإلتزام بدعم الإنتفاضة والمقاومة بكافة وسائلها بلا استثناء, وتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده , وتقع المسؤولية التاريخية على كاهل قيادات وكوادر حركة فتح التي يجب عليها أن تبذل بمشاركة الكل الفلسطيني مزيداً من الجهد في تصويب البوصلة الفلسطينية نحو تبني خيار المقاومة كإستراتيجية مواجهة للإحتلال والوحدة الفلسطينية كركيزة أساسية لا يمكن الإستغناء عنها في مشروع التحرير .
بقلم/ جبريل عوده