غياب البرنامج الوطني الفلسطيني الجامع ,الذي يحقق الإلتفاف الجماهيري حول الخيارات الإستراتيجية لمواجهة الإحتلال , يشكل عائقاً كبيراً أمام مسيرة التحرر الوطني, وللأسف الشديد مضى وقتاً طويلاً من عمر القضية الفلسطينية , دونما تحقيق أي نجاح على صعيد إنجاز البرنامج الوطني الوحدوي , الذي يجمع كل الرؤى السياسية الفلسطينية ويمنح الإعتبار لكافة الأدوات والوسائل النضالية , وإن جمعت في طياتها بالمقاومة والتفاوض فلا بأس في ذلك , حيث أن ميدان العمل السياسي يتسع لكافة الخيارات الهادفة لإنجاح مشروع التحرر من الإحتلال , الا أن خطف القرار السياسي الفلسطيني من قبل جماعة بعينها والتوجه بلا إجماع نحو عملية التسوية , قد أوجد التنافر والتضاد بين فريقين في الشعب الفلسطيني أحدهما يتبنى المقاومة كخيار لمواجهة الإحتلال وتحرير الأرض ولا يعترف بوجود كيان الإحتلال الباطل على أرضنا , والفريق الأخر لا يؤمن الا بالمفاوضات مع الإحتلال ويعلن تمسكه بتلك الطريق ولو لم تحقق شيئاً على صعيد المشروع الوطني , أو تلبية طموحات الأحيال الفلسطينية بالحرية والإستقلال.
وهذا المشهد المؤسف كان له الأثر الكبير في قمع أي تحرك جماهيري تحت شعار المقاومة والإنتفاضة في مدن الضفة المحتلة , ومما لاشك فيه أن الإنقسام السياسي الحاصل كان ذريعة البعض لتبرير تلك المواقف , الا أن الأمر أكبر من ذلك ويدخل في إطار التبني لمسار التسوية كإستراتيجية لابديل عنها , وأن العلاقة مع الإحتلال عند هذا الفريق ليس لها الا ميدان واحدة وهو طاولة المفاوضات , فلن يسمح بخروج مظاهرات شعبية تساند المقاومة أو الخروج الشعبي نحو هبة أو إنتفاضة في وجه الإحتلال ومستوطنيه.
ولعل الملاحظ لتعامل السلطة ورئاستها مع إنتفاضة القدس , يأتي في سياق الإحتواء والتخفيف من حدتها تدريجياً , لأن الصدام المباشر مع الجماهير ليس في صالح السلطة خاصة أن عنوان التحرك في هذه الجولة عنوان مقدس متمثل بالمسجد الأقصى المبارك , ومحاولات الإحتلال تقسيمه , وبالرغم من تصاعد القمع الصهيوني بالإعتداء على الحرائر وإعدام الشبان ميدانيا , ليزيد من حدة العمليات الثأرية ضد جنود الإحتلال ومستوطنيه , الا أن السلطة واصلت سياسة الإحتواء والتقليل من أهمية إنتفاضة القدس في المعركة ضد الإحتلال , ولا عجب أن ترى فريق السلطة منتشياً حول ما يروج إعلامياً على أنه تلاشي للموجة الإنتفاضية التي تعيشها مدن الضفة المحتلة , فلقد عملت أجهزته الأمنية بكل قوة للوصول لهكذا نتيجة مزعومة , والتي كلفت تلك الأجهزة القيام بتفتيش حقائب طلاب المدارس ,وحرص قادتها على إستمرار اللقاءات الأمنية مع قادة جيش الإحتلال , والتأكيد في كل مناسبة على أهمية التنسيق الأمني , وتفاخر قادة الأجهزة الأمنية بإحباطهم للكثير من العمليات الفدائية ضد الإحتلال .
ولا يخفى على أحد أن عوامل ومسببات الإنتفاضة والثورة الشعبية قائمة , بتواصل الإحتلال وإستمرار الإستيطان وتزايد الحواجز الصهيونية , والإمعان بالقتل اليومي للفلسطينيين وصولاً للإعدام الميداني أمام عدسات الصحافة كما حدث في الخليل مع الشهيد عبد الفتاح الشريف , ولذلك فأن الرهان على توقف وإجهاض الحراك الشعبي الثوري عبر مسميات المتعددة " هبة او إنتفاضة" رهان خاسر وأن العمل الإنتفاضي سيتواصل ويتطور ما بقى الإحتلال على هذه الأرض , وأن الإنتفاضة هي الخيار الأقوى أمام حالة إستجداء التسوية التي تمارسها قيادة السلطة لذا الإحتلال وقيادته .
وبنظرة سريعة على أحداث إنتفاضة القدس وهي تدخل شهرها السابع , فأن حصيلة أحداث الشهر الماضي مارس /أذار وهو الشهر السادس من عمر الإنتفاضة , تؤكد أن المشهد الدامي والذي يتسبب به وجود الإحتلال على أرضنا قد تواصل , فلقد إرتقى 22 شهيدًا ليرتفع عدد شهداء الانتفاضة منذ بدايتها إلى 209 وكما نفذ المنتفضين ما يزيد عن 36 عملية حسب إحصائيات فلسطينية كانت على هذا النحو" 12 عملية طعن، 14 عملية إطلاق نار، إلقاء 8 عبوات ناسفة، وعمليتي دهس ، فيما نفذت 18 محاولة طعن غير ناجحة ، ووصل عدد الهجمات بالزجاجات الحارقة إلى 53 إستهدفت قوات الإحتلال والمستوطنين في شوارع الضفة المحتلة" .
ومن أجل إستمرار إنتفاضة القدس , وهي تواجه كل هذا الكيد والقمع والتآمر يجب الإسراع في تشكيل إطار قيادي وطني لقيادة الإنتفاضة , بإعتبارها خطوة مهمة في إدارة وتحريك فعاليات الإنتفاضة والحفاظ على جذوتها وإستمرار فعلها الشعبي في مواجهة الإحتلال , وأن تأخرها يعرض الإنتفاضة لمخاطر جمة , وكما يجب التوجه فعليا نحو الإعلان عن أهداف الإنتفاضة السياسية وفي مقدمتها إنهاء الإحتلال عن كامل الضفة بما فيها مدينة القدس المحتلة ورفع اليد الصهيونية عن المقدسات , ودماء الشهداء الطاهرة خلال إنتفاضة القدس ستنبت نصراً مؤزرا رغم أنف الإحتلال على شكل إنسحاباً ذليلاّ من أرضنا الحبيبة , والشباب الثائر بإنتفاضته قادر على تحقيق هذا الإنجاز الوطني على طريق التحرير الشامل .
بقلم/ جبريل عوده