يعد تسييس التعليم في بلدنا إشكالية كبرى، فقد أصبح لكل تنظيم جامعة أو أكثر لاسيما التنظيمات الكبيرة. ولا يمكن الحديث عن تعليم أكاديمي مهني في ظل تفريخ جامعات وكليات استغلت حالة الانقسام، لتؤسس لحالة إحلال واستبدال لجامعات أخرى على أسس حزبية. حيث نسمع كل يوم عن جامعة أو كلية جديدة. فأصبح هناك تسليع للتعليم. حيث التنافس على استقطاب الطلبة، وتخريجهم بشهادات غير معترف بها دولياً. فيكون الطالب قد خسر سنوات عمره، وخسر مدخرات والديه دون فائدة. ومن الجدير بالذكر أن هناك آلاف الخريجين الذين تخرجوا من جامعات معترف بها ومع ذلك لا يوجد لهم سوى فرص ضئيلة في سوق العمل المحلي الذي يتسم بضيق الحال في ظل الانقسام والحصار. فكيف الحال بجامعات وكليات ذات ترخيص محلي أولاً، وبدون ترخيص وإجازة للكثير من البرامج. فحصول الجامعة أو الكلية على الترخيص كمؤسسة تعليمية لا يعني أن برامجها أو كل برامجها قد تم أجازتها من قبل الوزارة هنا أو هناك. وما يحدث هو بالفعل محاولة احتكار للتعليم والسيطرة عليه ضمن الإطار الحزبي السياسي. فهناك المحاولات جادة للسيطرة على الإرث التعليمي الحكومي. وتم تسييس مجالس إدارة الجامعات والكليات الحكومية. في المقابل هناك محاولات حثيثة ومستمرة للتدخل في الجامعات العامة، ومحاولة فرض المشاركة في مجالس إدارتها بالقوة. واستغلال الكتل الطلابية لتمرير سياسات حزبية.
إن سيطرة السياسة والحزبية الضيقة على التعليم يفقد الحريات الجامعية وجودها سواء للهيئة التدريسية أو الفئات الطلابية. ويجعل الحياة الجامعية أسيرة حالة حزبية أمنية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية. وهذا يبرز أثر الانقسام على الحياة التعليمية الجامعية. بحيث إن كتل طلابية محسوبة على تنظيم تأخذ حريتها في النشاطات الطلابية على حساب كتل أخرى. وكل فئة هنا تستقوي بالواقع السياسي هنا وهناك. وكما حدث من احتكار للقطاعات الاقتصادية من قبل الحكم القائم الحزبي، بحيث أصبح هناك تزاوج بين رأس المال والسلطة وهذا بحد ذاته مؤشر من مؤشرات الفساد. حيث يتم توظف النفوذ والسطوة السياسية في الاقتصاد، ويتم من خلال القوة والنفوذ باستبدال شرائح اقتصادية بشرائح اقتصادية أخرى. وقد يتم تدجين القطاعات الاقتصادية واحتوائها من خلال استخدام نظام العصا والجزرة. والاستقواء بالمرحلة. وللأسف حدث ذلك في التعليم فهناك حالات احتواء وتدجين، وهناك حالات استبدال وإحلال واستقطاب حزبي قائم على استغلال النفوذ والسطوة والتفرد. وكل ذلك له تأثير سلبي على جودة التعليم. فالتوظيف لا يكون على أسس مهنية علمية بل على أسس حزبية بالدرجة الأولى. وهذا ينعكس بالطبع على جودة التدريس وعلى جودة البحث العلمي. فالعديد من هذه الجامعات والكليات الاستنساخية " كفاقسة البيض"، أو "مكينة التفريخ" لديها إشكالات في الهيئة التدريسية وجودتها، وإشكاليات في البرامج غير المرخصة، وإشكاليات في البنية التحتية لاسيما المختبرات والمكتبات. وهناك منها من لديه برامج ماجستير بالرغم من أن المكتبة لديه قد تكون أقل جودة من مكتبات خاصة كثيرة. وأصبح فتح البرامج حتى في الماجستير والدكتوراه لأغراض تجارية بحته، وليس لخبرة أو تطور علمي تراكمي طبيعي.بل حالة تنافسية حزبية تأخذ في أحد لأبعادها التنافس التعليمي. وهذا بالطبع ينعكس على أفق التعاون والتنسيق بين الجامعات. فالتنسيق والتعاون يكون بين الجامعات والكليات ذات اللون الحزبي الواحد، فيما يقل وقد ينعدم بين الجامعات ذات اللون الحزبي المختلف سواء في التنسيق في العملية التدريسية أو الإشراف والمناقشة في برامج الماجستير. فكل قوم بما لديهم فرحون.
إن جودة التعليم تقوم على المهنية وليس على الحزبية. وأن تدخل السياسة في العملية التعليمية قد انعكس سلبا على نوعية التعليم وكذلك البحث العلمي. فالجامعة الحزبية هي جامعة ذات أفق سياسي ضيق سواء على صعيد المناهج أو الهيئة التدريسية، وهذا الأفق الحزبي الضيق يقيد حرية التفكير والإبداع داخل المؤسسة. فالهيئة التدريسية تكون ذات لون وافق سياسي واحد مما يحرم الطلبة من التنوع وحرية التفكير وحرية النقد. فالنقد محرم ويتعرض القائم عليه سواء كان عضو هيئة تدريس أو طالب للملاحقة الحزبية حتى لو تم تغليف ذلك بغلاف قانوني. ولا يمكن أن تكون حياة جامعية سليمة في ظل الاستقطاب والاحتكار الحزبي لمصدر القرار في الجامعات والكليات الجامعية وحتى المتوسطة منها
بقلم أ.د خالد محمد صافي