الجهل والتجاهل في العمل التنظيمي (1-2)

بقلم: مازن صافي

لطالما كتبنا وقرأنا ومارسنا أدبيات العمل التنظيمي، وأسهبنا بتشريح معيقاته، وأسباب نجاحه، وتعمقنا في واقعية ومجالات العمل التنظيمي وقدرات الأعضاء (العضو=حقوق وواجبات) وأهمية القيام بمهامهم (التنظيم=مهمة)، والإحاطة بعوامل القوة في بناء الشخصية التنظيمية والمعرفة المحصنَّة والمكتسبة بالخبرات والاحتكاك اليومي، و الثقافة والوعي، ولاحظنا أن التشخيص "المجرد" لا يمكن أن يؤدي إلى العلاج الناجح والسليم، بل يجب التفكير في مفهوم (الجهل والتجاهل) الذي يعتبر من عوامل الضعف التنظيمي في نفس الوقت.

إن الجهل هو عدم العلم بالشيء سواء بعدم تعلمه أو إهمال التطور فيه، والتجاهل يؤدي الى نفس النتيجة، فالتجاهل يؤدي إلى الجهل، والتجاهل هو المفهوم الآخر لــ"الغفلة"، والتجاهل يعني عدم الرغبة بالمعرفة، وعلينا أن نقف طويلا عند المقصود بــ (عدم الرغبة) ويمكن تسميتها بـ (العزوف، الاستهتار، الإهمال، التواكل، المرض، الإحباط ..الخ)، وإن كنا نتحدث دائما أن العمل الارتجالي والشخصنة في المهام التنظيمية يقود الى الأنانية والتخريب، والإنفلاش، والنتيجة فشل المهمة التنظيمية وعدم استطاعة العضو على تأدية المطلوب منه وبالتالي وقوع الخلل في جزء من فريق العمل مما سيؤثر حتما على سائر المهام والفريق معاً.

نسمع كثيرا عبارات "لا أرغب بالعمل، مَن سامعنا، الذي يعمل والذي من لا يعمل سيَّان، كله على الفاضي، لا يوجد فائدة"، وكأنني أقف على حافة الفرق بين الطبيب الماهر القادر على التشخيص ووصف العلاج المطلوب ودعم الحالة نفسيا، ومتابعته لاحقا، وبين ذاك الطبيب المتعالي الذي يمكنه أن يشخص الحالة، لكنه يتردد في وصف العلاج المناسب، أو يجرب غيره، أو حتى يفشل فيه، بالتالي تسوء الحالة النفسية، مما يضاعف أعباء المتابعة لاحقا، فلا فائدة  هنا من التشخيص، لأن لكل نجاح عوامل تقود إليه وتحفظه، وهذا ما يمكن أن نسميه نجاح عملية الاتصال والتواصل ووصول الرسالة إلى جهتها وقراءة محتواها بدقة ووضوح، هذا هو التنظيم الناجح.

إن عدم الرغبة نتيجة "العزوف" الذاتي هو شكل من أشكال التكبر والجهل والضعف وتضخيم الأنا السلبية،  ومع الوقت يصاب العضو بــ"التكلس" وكثيرا ما يلزم إعادة "الكسر" –إعادة كسر الملتحم معوجاَ- لكي نزيل تراكم التكلس المتراكم الضار بالحالة السليمة، لأن العضو هنا تنطبق عليه الآية الكريمة {عتل بعد ذلك زنيم} ، أي أن التفاهم معه صعب، فقد تحول الى حالة سلبية تؤثر على الآخرين داخل الإطار وخارجه وتنقل الرسالة مغلوطة ومشوهة، مما يتسبب في التشويش و الإرباك و عدم وصول الرسالة التنظيمية كما هو مطلوب.

بقلم/ د. مازن صافي