ـ دون الوقوف عند الجدل الدائر حول ملكية مصر أو المملكة السعودية لجزيرتى ثيران وصنافير، وفرسان أيضاً، ذلك الجدل الذى دفع إليه التناول المفاجئ والسئ للموقف من جانب الحكومة المصرية، التى ظهرت فى صورة "المسئول التنفيذى" لقرارات ومراسيم دولة أخرى، الأمر غير المسبوق على ظهر الكوكب منذ ظهور مفهوم الدولة، اللهم إلا إن صَحّت توقعاتى!!
فالقراءة المتأنية للدور السعودى فى منطقتنا الإقليمية، تدفعنا الى طرح وبحث وجهة نظر أخرى ربما تقترب من التبرير، أو التوقع لما قد تحمله الأيام القادمة.
ـ فالتدخل، أو التورط، أو المساندة ـ أو أياً كانت الصفة التى يحملها السعوديون أو يراها البعض فى الدور السعودى، من ليبيا، أو ما بقى منها، الى سوريا، أو ما بقى منها، الى العراق، أو ما بقى منه، الى اليمن الى لبنان، بل والى مصر أيضا ـ دفع بالسعوديين الى البحث عن حليف قوى يدعم طموحاتهم أو رؤاهم، خاصة مع تحفظ مصر على التورط فى المستنقع السورى، أو اليمنى نسبياً، ثم خروج الحليف التركى من الملعب بعد تورطه فى إسقاط الطائرة الروسية بتحريض أمريكى، كما يرى البعض، ذلك الذى تلاه نقل زخم "داعش" الى ليبيا قرب الهدف الأصلى مصر، الى جانب ما قد تفرضه الإملاءات الإمريكية، التى أرى أن أحد أهدافها ضم الكيان الصهيونى للجولان بطريقة تتفق مع القانون الدولى العام بعد إعلان وفاة الدولة السورية الرسمية بأيدينا، كما كتبت فى مقال سابق بعنوان " قبل نكبة جديدة .. الجولان إسرائيلية ".
ثم وهم ما يسمى بـ "التحالف الإسلامى لمكافحة الإرهاب"، ذلك التحالف الذى أراه إستهلاكا لمشاعر البسطاء ، والذى من الغريب أنه لم يوجه لتحرير القدس عسكرياً ولا حتى بإعلان نوايا !! والذى لا يمكنه، حسب فهمى البسيط، التدخل فى شئون دولة أخرى، تحت أى مبرر، إلا بطلب الدولة أو تحت مظلة الأمم المتحدة، الأمر الذى لم يحدث حتى الآن على الأقل، حتى لو أغضب كلامى أصدقائنا المتحمسين.
ـ بمعنى، حسب رؤيتى المتواضعة، أن المملكة أصبحت فى أمس الحاجة للدعم السياسى الأمريكى، الذى من البديهى أن يستغل الفرصة فيشترط إقامة إتفاقيات سلام بين المملكة وبين الكيان الصهيونى، مستغلاً ذلك الإحتياج السعودى وفقا لتطورات، أو تداعيات، موقفه المتشعب فى كل الإتجاهات.
ـ هنا، يجب تذكر المبادرتين السعوديتين التين رفضتهما إسرائيل وقتها كنوع من طبيعتها التفاوضية، رغم رغبتها فى إقامة سلام مع السعودية بما لها من تأثير روحى، على الأقل فى الأمة الإسلامية، مبادرة قمة فاس العربية 1982 التي كانت الأساس لمؤتمر مدريد للسلام 1991، ثم مبادرة قمة بيروت 2002 .
ـ إذاً، فمسألة السلام السعودى ـ الإسرائيلى، إن صحت رؤيتى، تحتاج لمبرر قوى أمام الرأى العام الشعبى العربى والإسلامى، ذلك الذى سيظل يرى إسرائيل هى العدو الأول، فهو نفسه الذى تعجب من قبل حين عقدت المغرب وقطر وتونس وجيبوتى "إرتباطات" سلام وتطبيع مع إسرائيل 1994-1995، رغم أن جميعها ليست دول مواجهة كحالتى مصر والأردن، ومن ثم فلا شئ مُلِّح يدعوها الى العجلة بالسلام مع التعنت الإسرائيلى حيال القضية الفلسطينية، مفقدةً القضية الكثير من أوراق الضغط.
ـ هذا المبرر القوى، أيضاً حسب وجهة نظرى، وربما أكون مخطئا، هو أن تتحول السعودية الى دولة مواجهة مع العدو الإسرائيلى بعد إعلان ضمها لجزيرتى ثيران وصنافير بما لهما من أهمية بالغة فى مواجهة الملاحة الإسرائيلية فى البحر الأحمر، وبما تمثلانه من خطورة شديدة على الأمن القومى للجانب الصهيونى وهواجسه إن لم يضمن تأمينهما بكل الطرق القانونية، وغير القانونية أيضاً.
ـ إذاً وبإختصار، نحن أمام إحتمالين لا تغيب هيمنة القطب الأمريكى عن كليهما تحت أية حال:
الأول: إما أن تعتبر مصر تسليم الجزيرتين لا يخضع للإتفاقات الدولية، ومن ثم فلا يستوجب الدستور موافقة البرلمان المصرى ولا إجراء إستفتاء شعبى، ومن ثم تصبح الجزيرتين مبرراً يسوغ للسعودين الجلوس مع الإسرائيليين بطريقة معلنة كدولة مواجهة، والإعتراف والتفاوض الذى يتبعه السلام المستجلب للدعم السياسى الأمريكى.
الثانى: أن تعتبر مصر تسليم الجزيرتين يخضع للإتفاقات الدولية، ومن ثم يستوجب الدستور موافقة البرلمان المصرى .. الذى "سيرفض"، ومن ثم تخضع السلطة التنفيذية لقراره، مع الأسف للسعوديين على أنها ضريبة نظام الحكم الديمقراطى الذى أرتضاه شعب مصر.
ـ إن صحّت قرائتى المتواضعة للمشهد .. تُرى أى الإحتمالين ستكشف عنه الأيام القادمة ؟ دعونا ننتظر، داعينه سبحانه، كمواطنين صالحين، أن يوفق "قادة الأمة" ويلهمهم ما فيه خير البلاد وصلاح العباد.
ضمير مستتر:
وناطقٍ بصوابٍ ما عليه سوى ما قال، إن أخطأوا ظناً وتأويلا
إبن شرف
بقلم/ علاء الدين حمدى شوَّالى