أم الرشراش (إيلات) ليست مصرية

بقلم: فايز أبو شمالة

في حمأة الحديث عن الجزر المصرية التي تنازلت عنها للعربية السعودية، وبهدف القفز عن الجسر الواصل بين السعودية ومصر، والذي يقطع مسافة 50 كليو متر فوق البحر، حاول بعض الكتاب المصريين تقليب كتب التاريخ، ليثبتوا حق مصر في قرية" أم الرشراش" التي تقام عليها حالياً الميناء الإسرائيلي على البحر الميت "إيلات"، وطالب الكتاب باللجوء إلى التحكيم الدولي لإثبات حق مصر في "أم الرشراش"، القرية التي ظلت تحت الحكم المصري حتى نهاية القرن التاسع عشر؛ وفى عام 1906، حين كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني، قامت القوات العثمانية باحتلالها، ووقعت أزمة عالمية وقتها، قامت على إثرها بريطانيا بالضغط على اسطنبول، فانسحبت القوات العثمانية، وعادت "أم الرشراش" لمصر بفرمان عثماني.
ومع تفهمي لحرص الكتاب المصريين على إثبات الحق في الأرض العربية، والذي جاء في موقع (المصريون) تحت عنوان (أم الرشراش) المنزوعة من الجسد المصري، إلا أن المفكرين والسياسيين المصريين الذين اعتمدوا على الفرمان العثماني الذي يثبت ملكية قرية "أم الرشراش" لمصر العربية، قد نسوا أن الفرمان العثماني نفسه قد اعتمد أرض فلسطين بكاملها أرض إسلامية يمتلكها العرب، ولا حق فيها لليهود، فكيف نأخذ بجزء من الفرمان العثماني ونترك الكل؟ وكيف ننسى كعرب أن أرض فلسطين التي تقوم عليها دولة إسرائيل، هي أرض عربية لا تعود ملكيتها لليهود إطلاقاً، وإذا نجح اليهود في اغتصاب بعض أرض فلسطين، فلا يعني ذلك أن لهم الحق في اغتصاب كل شبر من أرض فلسطين التي تم تحديدها وفق وثائق 1906؟
لقد اعترفت الوثائق الإسرائيلية بأن كل أرض النقب كانت تقع تحت حماية الجيش المصري الذي كان يسيطر على جنوب الضفة الغربية والقدس، وحتى منقطة أسدود على الساحل الفلسطيني، وقد اخترقت العصابات اليهودية الهدنة الموقعة مع الجيش المصري في شهر اكتوبر من العام 1948، وقاموا بعملية عسكرية تحت مسمى "يوآف" تمكنوا خلالها من دحر الجيش المصري واحتلال كل القرى والمدن الفلسطينية الواقعة جنوب الخليل في الشرق وحتى مدينة أسدود على ساحل البحر، وسط شجب الأمم المتحدة لإسرائيل التي خرقت الهدنة، في الوقت الذي اقتصرت فيه ردة فعل المصريين والعرب على وقف محادثات إطلاق النار.
ونجحت إسرائيل في مطلع عام 1949، بتنفيذ عملة هجومية أخرى باسم "هحورب" ومعناها بالعربية السيف، حيث دخل الجيش الإسرائيلي إلى سيناء واستولى على طريق بئر السبع عوصلج، وذلك ما أجبر الحكومة المصرية على الاستجابة لضغوط الأمم المتحدة، والموافقة في 12/1/1949 على وقف إطلاق النار ثانية، والبدء بمحادثات التهدئة على الجبهات القتالية بين الطرفين المصري والإسرائيلي والأردني الذي انظم بعد ذلك إلى طاولة المفاوضات لتحديد خطوط الهدنة بين الدول الثلاثة بشكل نهائي
وقبل أن يتم تحديد حدود دولة إسرائيل على طاولة المفاوضات، قرر اليهود تنفيذ عملية "عوبداه" ومعناها بالعربية "فرض الأمر الواقع"، والهدف هو الوصول إلى البحر الأحمر، ورفع العلم الإسرائيلي هنالك كدليل على سيادة إسرائيل، وقد نجح اليهود في مفاجأة الضباط والجنود المصريين، الذين كانوا يتواجدون في قرية "أم الرشراش" وكانوا يلتزمون بوقف إطلاق النار، فقتلوهم جميعهم بشكل متعمد ومرعب، بعد أن أنزلوا العلم المصري، ليرفعوا بعد ذلك علم إسرائيل فوق السارية ، بتاريخ 10/ مارس 1949.
بعد كل ما سبق من سرد تاريخي مؤلم ومزعج، ترجمته عن الوثائق العبرية، أتساءل:
لماذا يكتفي بعض الكتاب بتقديم الأدلة على امتلاك مصر "أم الرشراش" فقط؟ وفي هذا التأكيد على أن قرية أم الرشراش مصرية؛ تأكيد على أن باقي أرض فلسطين يهودية.
إن دعوة الكتاب المصريين لاستعادة "أم الرشراش" تعني التسليم بأن أرض النقب قد صارت وطناً لليهود، ولا يحق لمصر أن تنازعهم في ملكيتها، وهذا مضمون حديث وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد أبو الغيط، الذي قال في عام 2008، إن قرية " أم الرشراش" ليست أرضا مصرية، وفقا لاتفاقيتي عامي 1906 و1922، إنها تقع ضمن الأراضي المعطاة للدولة الفلسطينية، وفقا لقرار الأمم المتحدة 181 في نوفمبر عام 1947، وأوضح أبو الغيط، أن إسرائيل دخلت إلى هذه القرية بالعدوان على حقوق الفلسطينيين، وكل ما يثار من مطالب مصرية في هذا الشأن هدفها إثارة المشاكل بين مصر وإسرائيل!!.
إذن لا داعي للمشاكل بين مصر وإسرائيل، ولتكن أم الرشراش أرضا ًفلسطينية، تم الاعتراف بأنها أرض إسرائيلية وفق الاتفاقيات الموقعة معها، ولذا أزعم أن أرض قرية أم الرشراش لن تكون أعز من أرض القدس، ولا هي أغلى من مدن ساحل المتوسط، ولا من جبل الكرمل، ولا هي أعز من 27 ألف كيلو متر مربع اغتصبتها إسرائيل من الأمة العربية التي ما زالت تقدس الهدنة، ووقف إطلاق النار، واتفاقيات السلام غير المقدسة من قبل الإسرائيليين.
هنالك مثل عربي يقول: إذا ضاع الجمل، ما جدوى البحث عن الرسن؟!!

د. فايز أبو شمالة