بلاغ عن فساد أو شبهة فساد إلى السيد/ رئيس هيئة مكافحة الفساد

بقلم: أيوب عثمان

السيد/ رئيس "هيئة مكافحة الفساد" في فلسطين (رام الله) قوى الله بالحق والعدل سيفه

سلام من الله عليكم، ورحمة منه، وبركات، وبعد:

فحيث قضت المادة (1) من "قانون مكافحة الفساد" (المعدل) رقم (1) لسنة 2005، والصادر في 23/8/2010، في تعريفها للفساد نصاً بأنه " تعتبر فساداً لغايات تطبيق هذا القانون: الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والجرائم المخلة بالثقة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات// إساءة استعمال السلطة خلافاً للقانون// قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً وتحق باطلاً// جميع الأفعال المجرمة الواردة في الاتفاقيات العربية والدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها أو انضمت إليها السلطة الوطنية"،

وحيث إن "هيئة مكافحة الفساد" التي ترأسونها سيادتكم تتمتع بصلاحيات واسعة كفلتها المادة (3) من "قانون مكافحة الفساد"،

وحيث إن رئيس "هيئة مكافحة الفساد"، وبموجب البند (4) من المادة (3) من "قانون مكافحة الفساد"، يؤدي قبل مباشرته مهامه قسماً يقول نصاً:" أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لله ثم للوطن وأن أحترم النظام الدستوري والقوانين والأنظمة.... والله على ما أقول شهيد"،

وحيث إن التحقيق في الشكاوى التي تقدم عن جرائم الفساد، كما التحقق من شبهات الفساد هو من بين اختصاصات الهيئة التي ترأسونها سيادتكم، طبقاً لما تقضي به المادة (8 /3+4) من "قانون مكافحة الفساد"،

وحيث إن "طلب أي ملفات أو بيانات أو أوراق أو مستندات أو معلومات....." هو من بين صلاحيات هيئتكم، طبقاً لما تقضي به المادة (9/4) من "قانون مكافحة الفساد"،

وحيث إن البند (6) من المادة (9) من "قانون مكافحة الفساد" يقضي نصاً بأن "للهيئة أن تباشر التحريات والتحقيقات اللازمة لمتابعة أي من قضايا الفساد من تلقاء نفسها...."،

وحيث إن سيادة الرئيس/ محمود عباس قد أصدر – خلافاً للقانون – مرسومه الرئاسي القاضي بتشكيل المحكمة الدستورية، ثم أتبع ذلك بحلف اليمين، خلافاً للقانون أيضاً، وانتهاكاً واضحاً وفاضحاً لأحكام العدل والعدالة، وابتعاداً عن الفطر القويمة والطبائع السليمة،

وحيث إن مخالفة القانون فساد، فيما انتهاك نصوصه وأحكامه عن إصرار هو أكبر فساد،

وحيث إن سوء استعمال السلطة هو أخطر الفساد،

وحيث إن أسوأ الفساد هو إصرار صاحب السلطة على كف بصر نفسه وصم سمعه عن فساد طافح هو للعامة واضح وللخاصة صارخ وفاضح، لا سيما إذا كان هذا النوع من الفساد قد أصاب – في مقتل – قضاءنا عبر اختيار غير راشد لبعض قضاتنا، كما أصاب تعليمنا العالي حيث في علوم القانون والقضاء بنوعيه - الجالس منه والواقف - خيانة علمية كبيرة وواضحة، وسرقات كتب خطيرة وفاضحة،

وحيث إن لهذه الهيئة التي ترأسونها سيادتكم "أن تباشر" – طبقاً لقانون مكافحة الفساد – "التحريات والتحقيقات اللازمة لمتابعة أي من قضايا الفساد من تلقاء نفسها....."، وهو ما لم تفعلوه حتى اللحظة، حيث لم تباشر هيئتكم حتى اللحظة، من تلقاء نفسها، كما يقضي نص المادة (9/6) من "قانون مكافحة الفساد"، على الرغم من توفر الفساد أو شبهة الفساد في شأن المحكمة الدستورية وما أحاط بها سواء من حيث الفساد القانوني في المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيلها، أو من حيث الفساد الواضح في اختيار بعض قضاتها الذين يتعارض وجودهم بصفاتهم ومسمياتهم فيها مع ممارساتهم الثابت فيها خطير فسادها،

وحيث إن على "هيئة مكافحة الفساد" أن تلاحق الفساد أينما حل وأينما هرب "من تلقاء نفسها" كما قضى القانون نصاً،

وحيث إن الفساد الذي نعنيه في شأن المحكمة الدستورية وأسس تشكيلها واختيار قضاتها قد لفتنا الانتباه إليه في مقالات ثلاثة: سؤال على هامش تشكيل أول محكمة دستورية في بلادنا: كيف لبعضهم أن يحكم بالعدل يا سيادة الرئيس؟! بتاريخ 4/4/2016// سؤال إلى الرئيس عن المحكمة الدستورية: أليس الرجوع إلى العمار خير من التمادي في العوار والبوار؟! بتاريخ 7/4/2016// الفساد مؤهلات: أليس ما أحاط بالمحكمة الدستورية هو الفساد والاستبداد؟! بتاريخ 11/4/2016، دون ساكن يتحرك على درب التصحيح، حتى اللحظة،

وحيث إن ما يتصل بتشكيل المحكمة الدستورية من فساد في اختيار بعض قضاتها، إنما تتوفر مستنداته ومسوغاته الدالة عليه حتى في شبكة الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي،

"وحيث إن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان"، والمنشأة بمرسوم رئاسي صدر في 30/9/1993، قد أصدرت – ومعها 18 مؤسسة حقوقية – بياناً اعترضت فيه على المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيل المحكمة الدستورية، معبرة عن رفضها لتشكيل هذه المحكمة (في هذه الأوقات!)،

فإن اختيار سيادة الرئيس لقضاة المحكمة الدستورية – إن كان تشكيلها الآن الآن واجباً وضرورة واستحقاقاً مع أنه ليس كذلك – كان ينبغي له أن يكون بعد بحث استقصائي تفصيلي معمق لا يستثنى –

أبداً - الاستئناس برأي المكان الذي كان يعمل فيه هؤلاء القضاة المرشحون لاعتلاء كراسي المحكمة الدستورية، حيث يُستجلب – بغية فحص استقصائي معمق ودقيق – ملف كل منهم من المكان الذي كان يعمل فيه، إنْ مؤسسةً حكومية أو أهلية أو دولية محلية أو خارجية، وإن كان عمله مستشاراً قانونيا، أو أستاذاً جامعياً، سواء في فلسطين أو خارجها،

وحيث إن هذا المطلب الأصولي (الذي لا غنى عنه من البحث الاستقصائي التفصيلي الوجوبي عن قضاة إنما جيء بهم – انتقاءً من بين العشرات باعتبارهم الصفوة من رجال القانون - ليحترموا الدستور والقانون وليحكموا بالعدل)، لم يقم به سيادة الرئيس، ولم يُشر به أحد من مستشاريه أو أزلامه أومساعديه عليه،

فإننا إذ نُوْدع، الآن، بلاغنا هذا – عن فساد أو عن شبهة فساد يتصل بالمحكمة الدستورية من حيث تشكيلها ومن حيث اختيار قضاتها – إلى مقام "هيئة مكافحة الفساد" التي "تتمتع" – كنص المادة (3/1) – "بالشخصية الاعتبارية....... إلخ"، لنثق إن شاء الله أنكم – وأنتم على رأسها - ستكونون على مستوى ما كنتم قد أديتم من قسم بالله العظيم أن تكون مخلصاً لله ثم للوطن وأن تحترم النظام الدستوري والقوانين والأنظمة وأن تقوم بالمهام الموكلة إليك بصدق وأمانة"، ثم أشهدت الله العظيم على ما أقسمت عليه.

وبعد، فإنك أنت الأعلم، سيدي - وقد قبلت هذه المَهمة المُهمة الكبيرة والخطيرة - بأن أهم عناصر قوة الأمة جودة تعليمها ونزاهة قضائها وحسن اختيار قادتها ومحاربة الفساد على كل مستوى وفي كل مناحي حياتها، وأن الفاسد إنْ أمِن العقاب زاد في الفساد وسام الضعفاء سوء العذاب، وأن الأساس لمن مهمته البناء والإصلاح أن يهدم الفساد ويعاقب المفسد، وأن الشعب الذي يمتطي صهوة الحق ليهجم على الباطل ويهاجمه فيكشف أسراره ويفضح أستاره تمتنع أسباب الفساد فيه، فيما السكوت عن الفساد يساعده ويرسخ جذوره ويقويه، وترفيع الفاسد وترقيته وإعلاء منزلته يشجع الفساد ويحفزه ويُسمِنه ويضاعف تغوله ويزيد في تمكين الفاسد ويكافئه.

أما آخر الكلام، فإن القسم الذي أداه بعض قضاة المحكمة الدستورية، وهو قسم غليظ وبالله عظيم على احترام الدستور والقانون وعلى الحكم بالعدل، إنما هو شاهد على جريمة تجري الآن مجريات لإتمام اقترافها ضد شعبنا وقضيته، ممثلتةً في تعليمه وجامعاته وقضائه ومحاكمه وقضاته. وعليه، فهل من خطوة – وأنت بقوة القانون تملك – لتجميد هذا الفساد الداهم على تعليمنا الجامعي وقضائنا العالي ووقفه ومساءلة مرتكبيه ومحاسبة أربابه ومعاقبتهم؟! ها هو الفساد الذي طال بالأمس الكتب فتمكن من أساتذة جامعات خانوا الأمانة العلمية والبحثية، علماً أن جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم، طبقاً لنص المادة (33) من "قانون مكافحة الفساد"، ها هو الفساد اليوم يصل إلى محاكمنا فيعلو هامات البعض من قضاتنا، إذ ينشر جناحيه، محاولاً الاستبداد بقضائنا، حيث يتربع على قمته ويركب صهوته، فيصبح من بين حماته وسدنته من خانوا الأمانة العلمية والتربوية والأخلاقية والوطنية فسطوا على مؤلفات غيرهم بأكملها من ألفها إلى يائها، وحتى دون أن تسلم من أياديهم الآثمة وعقولهم الفاسدة وضمائرهم الخربة الميتة نقطة أو فاصلة أو هامش أو حاشية!!!

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة