نقف في شهر نيسان من كل عام ليس كغيره من الأشهر الأخرى، ففي هذا الشهر كتب التاريخ فصولاً كبيرة من مأساة حرب إمتدت من العام 1975 واستمرت 15 عامًا ، حتى بعد مضي 41 عامًا عليها، نيسان كان يحمل الألم لمعظم اللبنانيين والفلسطينيين الذين عايشوا فترة اندلاع الحرب الاهلية في لبنان، مشاهد تبقى في الذاكرة على الرغم من مرور الايام والسنوات، علّنا من خلالها نترحم على ماضٍ ونتمنى ألا يعود ،عندما اردت ان اكتب عن الحرب الاهلية اللبنانية توقفت قليلا ، لأن هذه الحرب لم تأت من نقطة فراغ ، فهي اتت في سياق مؤامرة امبريالية هدفها الاساسي اشعال نار الفتنة ، واذا اردنا الوقوف امام ما جرى في اسباب هذه الحرب ننظر الى مجزرة الباص في عين الرمانة ضد الفلسطينيين في 13/4/1975 بعد ان أطلقت عناصر تنتمي إلى حزب الوطنيين الأحرار النار على الباص العائد من احتفال في الذكرى السنوية الاولى لعملية الخالصة البطولية حيث استشهد داخله عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين، وهنا حتى نعطي شهادة حق للرئيس الشهيد ياسر عرفات بأنه كان يخشى انفجار التناقضات اللبنانية في وجه الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان وثورته ، وفي خضم التعقيدات السياسية والعسكرية التي خلقتها الحرب الأهلية، وهو الأمر الذي كان الشهيد ياسر عرفات وقادة الفصائل لم يريدنه ،بل وجدوا انفسهم مطرين للدفاع عن شعبهم ،وفي معمعان هذه الحرب سقط العديد من المخيمات الفلسطينية وجرى تدميرها والتمثيل بساكنيها مثل تل الزعتر وجسر الباشا وضبيه، وتشابكت خيوط هذه الحرب حتى صار من غير الممكن الخروج منها بتاتا، بل إن حماية منظمة التحرير الفلسطينية باتت تستوجب الانخراط في الحرب نفسها، وفي ظل هذه الحرب كان الكيان الصهيوني يحتل جزءاً من جنوب لبنان، وينشئ ما أسماه "الحزام الأمني" ، وهنا نقول بعد المساعي الحثيثة لوقف هذه الحرب المؤلمة تهتكت الأوضاع اللبنانية كثيراً، وأُنهك المجتمع اللبناني والمقاومة الفلسطينية معا.
ومن هنا اتت هذه الحرب بعد خمسة سنوات على انهاء ظاهرة العمل الفدائي العلني في الأردن، حيث احتلت جبهة العمل الفدائي في لبنان أهمية متزايدة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، وكانت معركة العرقوب الأولى عام 1970، و1972 بمواجهة العدو الصهيوني ، ورغم الاحداث المؤسفة التي حصلت بين المقاومة والجيش اللبناني عام 1973 ، كانت بوصلة الفصائل الفلسطينية فلسطين .
لذلك بعد واحد واربعين عاما مضت على الذكرى المشؤومة لاندلاع الحرب الاهلية المركّبة في لبنان، لكنها لم تكن كافية، بالنسبة الى كثيرين، لاستخلاص الدروس والعبر، في حرب السنتين في لبنان (1975 ـ 1976) لأن هذه الحرب شكلت مرحلة صعبة في حياة المقاومة الفلسطينية بشكل عام، ففي مواجهة الانتصارات النوعية للمقاومة الفلسطينية، وتقدم مواقع الحركة الوطنية اللبنانية في المجتمع والحياة السياسية، حيث لم تكن مصادفة أن تكون الشرارة التي أشعلت نار الحرب الأهلية هي عملية اغتيال القائد الناصري الوطني اللبناني معروف سعد بصيدا في 27/2/1975، وحادثة الاعتداء على حافلة نقل المشاركين من احتفال في عين الرمانة، وهي في طريقها إلى مخيم تل الزعتر 13/4/1975.
من هنا انا لم اكتب الا من اجل التذكير ، لأن ما جرى من رسائل ومواقف ظلمت الشعب الفلسطيني ، علما ان فلسطين وشعبها لا يؤمنون لا بالطائفية ولا المذهبية ، لأن هويتهم فلسطين ، وان منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية تعي ان هذه الحرب تأتي في سياق المشروع الامريكي الصهيوني الكامن في القضاء على المخيمات الفلسطينية وفي التطهير العرقي ــ الطائفي الذبح على الهوية، رغم ان الرئيس الشهيد ياسر عرفات كان يلعب دور صمام الأمان في كثير من الأحيان، يحاول أن يطفئ الحريق لا أن يغذيه، ورغم ما اصاب الشعب الفلسطيني بعد 54 يوم من الحصار المطبق، وفي 12/8/1976 من سقوط تل الزعتر، هذا المخيم الذي سيبقى التاريخ وخريطة التوزيع الجغرافي والديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، شاهدان على وجود مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي دُمِّر في العام 1976 إبان الحرب الأهلية و القصص المرعبة حيث شكلت هذه الجريمة نكبة جديدة عاشها اللاجئون من سكان المخيم، تشتت العائلات، منها من سارع لمغادرة لبنان، ومنها من انتقل للعيش في المخيمات الأخرى والمناطق والتجمعات الفلسطينية.
وامام كل ذلك لم ننسى مواقف سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر عند انطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية في الثالث عشر من شهر نيسان عام 1975 حيث بادر سماحته إلى بذل المساعي الحميدة والجهود لدى مختلف الفرقاء ، لخنق الفتنة و تهدئة الوضع ، و وجه نداءاً عاما في الخامس عشر من نيسان حذر فيه من مؤامرات العدو و مخططات الفتنة ، ودعا اللبنانيين إلى حفظ وطنهم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية وناشد الثوار الفلسطينيين حفظ قضيتهم التي جعلت لها من قلب لبنان عرشها، حيث بادر الإمام الصدر إلى دعوة عدد كبير من نخبة المفكرين و ممثلي الفعاليات اللبنانية ، اجتمع منهم 77 شخصا في مركز المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الثامن عشر من نيسان وشكلوا من بينهم لجنة دعيت " لجنة التهدئة الوطنية" اجتمعت فوراً بممثل المقاومة الفلسطينية و باشرت مهمتها لتهدئة الاوضاع و تحديد أسباب المحنة و وضع الحلول الآنية و البعيدة المدى ، مسترشدة بتوجيهات الإمام الصدر ومن ابرزها وجوب المحافظة على تعايش الطوائف اللبنانية ،واعتماد الحوار والوسائل الديمقراطية سبيلا لتحقيق الاصلاحات السياسية والاجتماعية، ورفض القهر الطائفي، والمحافظة على التعايش اللبناني الفلسطيني، وصيانة الثورة الفلسطينة، وهنا لم ننسى البيان الذي اصدره الإمام الصدر ذكر فيه الأسباب الحقيقيّة للأزمة، مشيرا إلى دور بعض رجال السياسة فيها، وحدّد شروطه للتراجع عن الاعتصام. ومما جاء في البيان، لقد أصبح الوطن هو المحروم الأول، والحوار لا ينفع، والآذان لا تسمع، والضمائر تحتاج إلى ضمائر تهزّها، لقد دنّسوا أرض الوطن، فلجأت إلى بيت الله مستمدّاً منه القوّة والعون،وذكر الإمام الصدر في بيانه أنّ بعض من حاورهم من السياسيّين اعترفوا أنّ الموقف خطير، وأنّ الانفجار سيتجاوز لبنان، وأنّ هنالك مخطّطات تهدف إلى تغيير المعادلات في المنطقة لمصلحة إسرائيل.
ان الحرب كانت سيناريو وخطة وضعها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الذي كان يهدف من وراء خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية الى إنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية كونها الرقم الأصعب في حل معادلة في القضية وإنهاء الهوية الفلسطينية، مما دفع بالحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية بمواجهة المشاريع الاستعمارية، والتصدي
للعدوالصهيوني واعتداءاته على الجنوب، حيث قدمت تضحيات بالدم وشهداء حيث جسدوا في تلك الفترة الصعبة تجربة نضالية متينة الأسس، من خلال وحدة المصير اللبناني الفلسطيني.
واتذكر في هذه اللحظات مواقف الشهيد القائد ابو العباس والقائد الشهيد طلعت يعقوب ورفيق دربهم سعيد اليوسف في معارك الفنادق، فهؤلاء المناضلين التي لم تستطع إغراءات المال والجاه من تغيير مواقفهم عندما كان المال يعتبر من ضرورات الصمود أو معبرا للرفاهية،فبقيوا قابضين على جمر الثورة يدافعون عن شعبهم مهما كلف الثمن، فقدموا أغلى ما عليه من أعزاء لهم ، لانهم كانوا يعوا المؤامرة التي تحاك لضرب الثورة والحركة الوطنية اللبنانية .
وهنا اتوقف لنقول لقد كان تحالف المقاومة الفلسطينية بشكل عام مع الحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة القوى الانعزالية - التي تحالفت علنا مع الكيان الصهيوني، شكل هذا التحالف المشاركة الفلسطينية في الحرب الأهلية في لبنان، بهدف حماية الثورة الفلسطينية من الاجتثاث والطرد كما حدث في الأردن، ولحماية المخيمات الفلسطينية من التهجير والترانسفير، رغم اننا ندرك أن هذه الحرب لها طابع طائفي وطبقي، فكان الجميع يعمل على التعالي عن الصراعات الطائفية، ونحن نقول ان التجاوزات التي حصلت من قوى الثورة الفلسطينية على بعض المدنيين اللبنانيين، هي نقطة سوداء ، لان هذه التجاوزات اعطت تأثير سلبي على الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان ، ولكن هلا يعترف الاخرون بتجاوزاتهم التي طالت الشعب الفلسطيني وخاصة ان مجزرة صبرا وشاتيلا باعتبارها شاهد عيان على ما ارتكبوه هؤلاء ، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، بقيت عالقة قضية مصير آلاف المفقودين اللبنانين والفلسطينيين .
وفي هذا السياق وبعد التدخلات الخارجية التي إجهضت الانتصارات الوطنية اللبنانية ـ الفلسطينية وتحجيم الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية كعقبة رئيسية في وجه المخططات والمشاريع الاستلامية التصفوية، ولكن بعد ان انقضت الحرب ، ربحت الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية تحالفاً مُعمَّداً بالدم بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني ، وبرغم النجاحات التي حققتها الدوائر المعادية التي تمثلت لاحقاً بالخطوة التي أقدم عليها الرئيس المصري أنور السادات بزيارته للقدس المحتلة عام 1977 وبدء مرحلة جديدة من مسيرة الانبطاح والاستسلام، وصلت إلى مستوى كبير من الانحدار مع عقد اتفاقات كامب ديفيد الخيانية، إلا أن التحالف الوطني اللبناني ـ الفلسطيني ظل يمثل أمثولة وطنية وقومية، ويقدم واحدة من أنصع صور النضال في الوطن العربي، ويشكل العقبة الرئيسية في وجه مخططات الانبطاح والاستسلام للإرادة الصهيونية الأميركية المشتركة.
وفي ظل هذه الاوضاع وبعد توقف حرب السنتين ، كان التصدي البطولي للقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية لاجتياح العدو الصهيوني عام 1978 في جنوب لبنان هذا هو ما سجلته وسطرته القوات المشتركة التي تصدت بصدورها وبأجسادها للطاغوت الصهيوني الامريكي وحيدة في خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لسحق الثورة في هذه المنطقة، نضالاً مسلحاً وموقفاً سياسياً، ولقد حدث هذا في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي .
وفي ظل هذا الواقع وامام العمليات البطولية للثورة الفلسطينية جاء اجتياح وغزو العدو الصهيوني للبناني عام 1982 ، فصمدت القوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية حيث تصدت الثورة الفلسطينية والحركة الوطنيه في هذه الملاحم في عين الحلوة، والرشيدية، والبرج الشمالي، والشقيف، وصور، وصيدا، وخلدة، والدامور، والسعديات، وبحمدون، والريحان، وكامد اللوز، والقرعون، ووقف المجد بكل التقدير والاعتزاز والفخر امام تاريخ بيروت واطفال بيروت ونساء بيروت ورجال بيروت، ووقف المجد طويلاً طويلاً بكل اكاليل غاره امام الابطال الصناديد الذين دافعوا عن بيروت طوال الثمانين يوماً بأجسادهم ودمائهم وارواحهم بينما الجحيم ينصب عليهم من البر والبحر والجو في حمم لم تنقطع ليل نهار، تحملها احدث انواع القنابل والقذائف والصواريخ الامريكية الحديثة والمتطورة، وحتى تلك المحرمة دولياً ، فكان الصمود والبسالة والبطولة في عاصمة العواصم في المنطقة، عاصمة البنادق والخنادق، ولقد كانت في حصارها تحاصر الكثيرين وفي صمودها وبسالتها، وتضحياتها رغم التحالف غير المقدس الذي نشأ بين قوات الاحتلال وبعض الأطراف السياسية اللبنانية، ورغم ان خروج الثورة الفلسطينية من بيروت الا من اجل اهلنا في بيروت ولبنان وفي سبيل تجنيبهم المزيد من القتل التدمير، ومن اجل ان تضيء الحياة في عيون اشبالهم وزهراتهم خرج الابطال يحملون الغار فوق جبينهم يرتحلون من هذا الموقع إلى الموقع النضالي الجديد يتعربش بهم سارية الجبل من جديد جبلهم الحبيب بكل الايمان والصلابة والاصالة، ولكن بعد هذا الخروج كان هول مجزرة صبرا وشاتيلا في 16- 18/9/1982 ، هذه المجزرة التي ستبقى وصمة عار على جبين الكيان الصهيوني وحلفائه الانعزاليين في لبنان الذين دخلوا المخيم، الذي كان تحت سيطرة قوات الاحتلال بقيادة الارهابي شارون. وقد ارتكب عملاء العدو مجزرة ذهب ضحيتها حسب مصادر لبنانية وفلسطينية حوالي 2800 شهيد فلسطيني ولبناني ، وهنا لا بد من كلمة من القلب، ان ما صنعه ابطال القوات المشتركة يشكل المجد العريق والملاحم الاسطورية، حيث اقتسم الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني لقمة الخبز معا وشكلت هذه العلاقات نموذجا حيا في العلاقات القربي والنسب والمصاهرة ، رغم لقمة البارود في مواجهة الاخطبوط الامبريالي - الامريكي – الاسرائيلي، ولهذا نقول ان ما حدث لم يكن شيئاً عابراً في مجرى الاحداث، وانما هو اعصار في المنطقة كلها، لان هذا العدو لا يريد فلسطين فقط، وانما لديه اطماعه في كل لبنان، وفي غيرها من الارض العربية وان من يتعاون مع هذا العدو لن يرحمه التاريخ ولن يغفر له الشعب، ولهذا نؤكد بأن الشعب الفلسطيني لم ينسى وفاء وعرفانً وجميل الشعب اللبناني وما قدمه من تضحيات ، فهو احب لبنان كما حبه لفلسطين الذي لا يمكن ان يتخلى عنها ، فهو مؤمن بسواعد مناضليه وشبابه وشاباته بالاستمرار في مسيرة النضال حتى يزول هذا الاحتلال البغيض عن ارض فلسطين، وهو يتطلع الى ان ينعم لبنان بالاستقرار والامن ، وبوحدة اراضيه وشعبه.
كان النداء بمكبرات الصوت ينتشر في شوارع بيروت،بعد عشرة أيام فقط من استباحة بيروت من قبل العدو الصهيوني ، حيث اعلن الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" في 16 ايلول من العام 1982، وجاء القرار الصهيوني نتيجة للعمليات النوعية لأبطال مقاومة "جمول" الذين صنعوا من الارادة والعزيمة قوة لا تقهر، وجعلوا من شوارع بيروت جواباً ثورياً جذرياً، تجسدت فعلا مقاوما في صيدلية بسترس، محطة أيوب، مقهى الويمبي، كورنيش المزرعة.. وفي كل مكان
يدنسه العدو..) ليكبر حلم "جمول" في التحرير بإرادة الشيوعيين وكل الوطنيين الشرفاء الذين مزقوا صمت ليل بيروت المحتلة، وأعادوا ظهور قمر تحريرها، ورفعوا من جديد شمس حريتها، ورسموا معالم مرحلة ثورية جديدة في فعل مقاومة وطنية وعربية من أجل التحرير.
ومن هنا اعطت المقاومة الوطنية نموذجا نضاليا تجذر في الارض، وتتوسع افقياً في طول البلاد وعرضها. كلما كانت تكبر وتتوسع معها دائرة استهدافها داخلياً واقليمياً ودولياً، بصفتها رافعة ثورية لحركة التحرر الوطني العربية، وكان معركة شباط عام 84 التي قدتها حركة امل والاحزاب الوطنية اللبنانية بداية لنهوض وطني ، حيث طرد المارينز واسقاط اتفاق 17 أيار، وبفعل زلزال المتغيرات الدولية وسقوط جدار برلين والتجربة الاشتراكية المحققة، وحرب الخليج الثانية، وإعلان الامبريالية الاميركية انتصارها التاريخي بقيام نظام العالم الجديد. توج إتفاق الطائف عام 1989 في لبنان، وحيث شكلت مرحلة توسيع اطار تحت مسمى المقاومة الوطنية الاسلامية، ولتبدأ مرحلة جديدة في المنطقة عشية مؤتمر مدريد، وما تلى ذلك من اتفاقات اوسلو، ووادي عربة ،ووسط هذه المتغيرات والمناخات والتحالفات الجديدة، أقفل القرن الماضي على إنتفاضتين شعبيتين في فلسطين، وعن هزيمة العدو الاسرائيلي، واستكمال تحرير ما تبقى من الجنوب والبقاع الغربي من رجس الاحتلال الصهيوني ( باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ) دون قيد او شرط في 25 أيار عام 2000، وانتصار نهج المقاومة كسبيل وحيد للتحرير، وتكرر تكريس الانتصار بإنجاز تاريخي آخر للمقاومة الاسلامية والوطنية إثر عدوان تموز 2006 ، وسقط الجيش الذي لايقهر في أزقة الجنوب، وفي ملاحم البطولة والصمود. ورغم أن هذين الانتصارين شكلا قوة لبنان في مقاومته وصموده ووحدته، وهنا لم ننسى عدة عوامل منها الهجوم الامبريالي الاميركي ومشروعه الشرق الاوسطي الجديد، وحروبه الارهابية الاستعمارية في المنطقة، واحتلال العراق، وما تتعرض له المنطقة من فوضى وازمات نتيجة الهجمة الامبريالية الصهيونية التي تدعم القوى الارهابية بهدف تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية بهدف السيطرة على مقدراتها وثرواتها ، الا ان ارادة الصمود والمقاومة ما زالت تواجه هذه الهجمة ومخططاتها .
ان ما يعانية الشعب الفلسطيني في ظل واقع الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية والصحية يتطلب وقفة جادة ومسؤولة من الجميع ، لأن هذا الشعب لا يريد التوطين ، وهو يصر على العودة الى ارضه التي شرد منها، وهذا يستدعي تركيز الخطاب السياسي الفلسطيني واللبناني على المعاناة المتمادية للفلسطينيين، وتحويل هؤلاء إلى ما يشبه الضحية ما عاد مجديا البتة، مما يتطلب بدء العمل لايجاد الحلول لهذه المشكلات ان كانت على مستوى الاقامة والسكن والصحة والبيئة والتعليم والعمل والبطالة، مع إلغاء إجازة العمل المفروضة على أن يستفيد العمال والمستخدمون الفلسطينيون من تقديمات الضمان الصحي ، ونحن هنا نثمن مواقف دولة الرئيس نبيه بري الذي يحتضن قضية فلسطين في اعلى المنابر وخاصة ما تحدث فيه اخيرا في البرلمانات الاوروبية وايضا في البرلمان العربي حول معاناة الشعب الفلسطيني ، ولن ننسى مواقف كافة الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية والمقاومة بقيادة حزب الله المساندة للشعب الفلسطيني وحقوقه .
وفي ظل المخاطر التي تتعرض لها المنطقة وفلسطين نرى اهمية استنهاض الدور القومي لاعادة التضامن وتكثيف الجهود وتمتين لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها المنطقة، وحتى لا تقع امتنا العربية ضحية لمؤامرة سايكس-بيكو جديدة تجري اتفاقياتها والتي تورط بها البعض
خلسة بين اطراف عدة تتكالب عليها ، ومن هنا فان الولاء لفلسطين كقضية عربية مركزية هو المقياس الجماهيري الحقيقي في امتنا العربية .
وفي ظل هذه الظروف ونحن نرى ما تشهده الساحة الفلسطينية من حالة تشرذم ، نتطلع ونطالب من موقفعنا الجميع بتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لأن هذه الوحدة هي السلاح الامضى و الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات التي تحاك بهدف تصفية القضية الفلسطينية ، وهذه الوحدة التي صنعتها الدماء الزكية ، يجب ان تتسع لكل المناضلين من خلال رص الصفوف على كافة جبهات النضال ولنعزز هذه الوحدة من خلال انتفاضة فلسطين للحفاظ على استمرارية المسيرة ، ونحن نتطلع إلى شعوب العالم قاطبة بما في ذلك شعوب الدول التي ما زالت حكوماتها تتنكر الى قرارات الشرعية الدولية وتتنكر الى ابسط حقوق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو الحق المقدس الكل الشعوب لنقول لهم ان الشعب الفلسطيني هو ضحية الارهاب الرسمي المنظم، وان الواجب الانساني، والاخلاقي، والحضاري، يلزم هذه الشعوب واحزابها وقواها وجمعياتها وحكوماتها بان تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها على الصعيد الدولي وفي الامم المتحدة، ونحن نقدر مواقف كل شعوب العالم واحراره واحزابه التقدمية واليسارية التي وقفت وتقف مع الشعب الفلسطيني ونضاله .
ختاما : لا بد من القول نحن اليوم اردنا الوقوف امام هذه المدلولات من باب الحرص على تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية ، لأن ما تتعرض له المنطقة اليوم من هجمة امبريالية استعمارية تنفذ مخططاتها جماعات ارهابية في الوقت التي يواجه الشعب الفلسطيني ارهاب وعدوان صهيوني تستدعي من الجميع استنهاض الطاقات ، فشعبنا في فلسطين ينتفض فألف تحية لشباب وشابات الانتفاضة في فلسطين.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي