لم يبقى سوى شهور على مغادرة الرئيس أوباما للبيت الأبيض حيث ينهي فترة رئاسته الثانية، والتي كشفت عن مدى التردد في سياساته الخارجية، وتراخي قبضة الولايات المتحدة على مسارات السياسة الدولية عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً، تلك القبضة الحديدية التي أظهرتها مع نهاية الحرب الباردة وإنهيار الإتحاد السوفيتي في عام 1990م والتبشير بالنظام الدولي الجديد القائم على العولمة والأحادية القطبية، سيغادر أوباما البيت الأبيض وقد إنتهت فعلياً مرحلة الأحادية القطبية، ودخول النظام الدولي مرحلة جديدة من التعددية القطبية ونشوء قوى إقليمية جديدة سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، تؤكد عدم قدرة الولايات المتحدة على قيادة النظام الدولي منفردة، وتظهر مدى التراجع والتغيير في السياسات الأمريكية التي أملتها تحولات داخلية في الولايات المتحدة نفسها، كما جملة من التغيرات الدولية والإقليمية إقتصادية وأمنية وعسكرية.
لا يعتقد أحد من المراقبين كما المسؤولين في المنطقة العربية عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا أن زيارة الرئيس أوباما للمنطقة يوم الرابع والعشرين من شهر نيسان الجاري والتي يزمع القيام بها واللقاء مع قادة مجلس التعاون الخليجي أن تحمل جديداً يذكر في سياساته وسياسات الولايات المتحدة إزاء المنطقة وقضاياها المتفجرة، سوى التأكيدات النظرية على المواقف السابقة والمعلنة فيما يتعلق بأمن الخليج، والعلاقة مع إيران، ومحاربة الإرهاب، والدعوة إلى إستمرار المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تلك المواقف التي لم تعد تنطلي على أحد، والتي تؤكد الوقائع على الأرض عدم جديتها وفاعليتها في إنهاء أزمات المنطقة وفرض الحلول الناجزة والعادلة التي تؤدي إلى إجتثاث الإرهاب أو ردع إيران عن تدخلاتها السافرة في الشأن العربي عامة والخليجي خاصة، كما فرض تسوية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي، وإنهاء آخر إحتلال على وجه الأرض، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
لكن ما سيسمعه الرئيس أوباما وما سيلاحظه أن قادة دول مجلس التعاون وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لم تعد تسلم أو تعتقد أن أمنها وإستقرارها يأتيها منحة من أحد، وإنما بالدرجة الأولى يتأتى من سياساتها النابعة من مصالحها الوطنية ومن توحد شعوبها ومجتمعاتها، وإلتفافها حول قياداتها التي أدركت حجم الأمواج العاتية والعاصفة التي تستهدف دولها، وقد أقرت السياسات وأقامت شبكة العلاقات والتحالفات الكفيلة بضمان أمنها وإستقرارها وتطوير إمكانياتها، ومواجهة آفة الإرهاب فكرياً ومادياً، أمنياً وعسكرياً وفق رؤيا تمكنها من الصمود وتحقيق الإنتصار، وتبني سياسة المواجهة لكل التدخلات الخارجية التي تستهدف وحدة مجتمعاتها وإستقرار دولها، بعيداً عن الترياق الأمريكي الذي ثبت فشله، في مواجهة أسباب عدم الإستقرار، كما في مواجهة الإرهاب، بل أكثر من ذلك أن العلة تكمن في هذا الترياق الذي يغذي إستمرار هذه الأزمات ويعمل على إدامتها وإدارتها دون الوصول إلى حلول دائمة لها...!!
يضاف إلى ذلك إنكشاف السياسة الأمريكية وتراجع أهمية الشرق الأوسط في سلم أولوياتها السياسية الدولية، لتحتل المرتبة الأخيرة من إهتمامها، مما أفسح المجال لقوى دولية وإقليمية أخرى لملئ الفراغ الحاصل، وهذا ما دفع المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، لإعادة النظر في مجمل هذه السياسات والعلاقات، وإعادة ترتيب أوراقها السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية، وإقامة شبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية على أساس تحقيق مصالحها المتنوعة والمتعددة، وتعويض الفراغ الذي أحدثه تراجع أهمية الشرق الأوسط في سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
لذا سيستمع أوباما لقادة دول مجلس التعاون ورؤيتهم السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية لمواجهة أزمات المنطقة، أكثر مما سيتحدث إليهم عنها، رغم ما سيؤكد عليه من إستمرار الولايات المتحدة بإلتزاماتها تجاه دول المنطقة، ومواقفها المعلنة من الإرهاب، ومن النووي الإيراني، ومن تدخلات إيران الخارجية، ومن الصراع العربي الإسرائيلي.
فزيارة أوباما لن تأتي بجديد للمنطقة وليست أكثر من زيارة مجاملة ووداع لبطة عرجاء قبل أن يغادر البيت الأبيض ...!!!
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس