رغم الادعاء الإسرائيلي باكتشاف نفق مقاومة تجاوز حدود قطاع غزة في اتجاه المستوطنات اليهودية بعشرات الأمتار، ورغم تحريض المتطرف ليبرمان المتواصل، وتحذيره قيادة الجيش من قدرة حركة حماس على السيطرة على عدة مستوطنات في الحرب القادمة، ورغم الاتهامات الموجهة لرئيس الحكومة بالضعف، والتخلي عن المستوطنين، ورغم تصريحات الجنرال يوآف جالانت عن تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية، واستعداد كتائب القسام للمواجهة القادمة، ورغم التغطية المباشرة لحدث اكتشاف النفق الهجومي عبر وسائل الإعلام، إلا أن إسرائيل حذرة جداً من التورط في أي عدوان جديد على غزة، وذلك لعدة أسباب، منها:
1- سقوط نظرية الردع، والتلويح بالقوة العسكرية القاضية، وذلك جراء تمرد المقاومة الفلسطينية على الخوف، واستعدادهم للمواجهة في كل وقت، وإلى أبعد مدى.
2- عدم استعداد قادة الجيش الإسرائيلي لمواجهة المجهول الذي ينتظرهم في غزة، ولاسيما أن المخابرات الإسرائيلية تجهل ما يجري تحت الأرض، وهذا الجهل بالمعلومة الاستخبارية يشكل رادعاً لأي عدوان إسرائيلي، وأزعم أن ما أشيع عن تسليم أحد مسئولي أنفاق الشمال لنفسه، أو قيام الجيش الإسرائيلي باختطافه، لا يعني امتلاك المخابرات الإسرائيلية لمعلومات حساسة وهامة، ولاسيما أن الشخص المذكور قد سرت من حوله الشائعات قبل فترة طويلة من الزمن، ولا أظن بأمن المقاومة إلا اليقظة التامة.
3- الأوضاع الفلسطينية المتفجرة في الضفة الغربية، وامكانية تصعيد المواجهات مع المستوطنين، وتطورها بالشكل الذي يضر مصالح إسرائيل الاستراتيجية، تشكل رادعاً لأي عدوان إسرائيلي واسع ضد سكان قطاع غزة
4- الأوضاع المضطربة في مصر العربية تشكل رادعاً قوياً للعدوان الإسرائيلي، ولاسيما أن هنالك استعدادات للتحرك بمسيرات جماهيرية بتاريخ 25 من هذا الشهر.
5- الأوضاع الإقليمية بشكل عام، والوضع الحرج في الأردن بشكل خاص، كل ذلك يشكل رادعاً لإسرائيل؛ التي تدرك حجم التعاطف داخل المجتمع الأردني للقضية الفلسطينية.
6- والأهم من كل ما سبق هو تأكد الجيش الإسرائيلي من عدم قدرته على تحقيق أي مكاسب ميدانية أو سياسية من عدوان جديد على غزة، سوى القدرة على قتل وجرح عدة آلاف من المدنيين، وتدمير عدة مئات من الأبراج والعمارات.
7- يخشى الجيش الإسرائيلي من التورط في مستنقع غزة، ومن ثم الخروج مهزوماً، ولاسيما مع تنامي قدرة المقاومة على ضرب الجبهة الداخلية للعدو الإسرائيلي.
8- لا تزال لدى القيادة السياسية الإسرائيلية أهدافاً استراتيجية لم تتحقق بعد، وعلى رأسها بقاء حالة الانقسام، والفصل بين مصير سكان غزة وسكان الضفة الغربية.
9- تصاعد الاتهام للقادة الإسرائيليين بارتكاب مجازر حرب، وتنامي العداء للدولة العبرية داخل المجتمعات الغربية جراء اعتداءاتها المتكررة على سكان قطاع غزة.
وإذا كان كل ما سبق يشكل رادعاً للجيش الإسرائيلي عن الإقدام على أي مواجهة عسكرية غير مضمونة النتائج، فإن الحسابات الإسرائيلية نفسها تحول دون تحقق صفقة تبادل الأسرى في هذه المرحلة، وذلك يرجع لعدة أسباب، من أهمها:
1- إن إجراء أي صفقة تبادل أسرى في هذه المرحلة كفيل بأن يشد من أزر المنتفضين في الضفة الغربية، وكفيل بأن يؤجج روح المقاوم، وهذا ما لا تتمناه إسرائيل.
2- أي صفقة تبادل أسرى في هذه المرحلة تشكل ضربة قاصمة للسلطة الفلسطينية ولمحمود عباس شخصياً، الذي فشل في إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة؛ وهم ذوي الأحكام العالية من خلال المفاوضات.
3- عدم وجود ضغط شعبي، يفرض على الحكومة الإسرائيلية إجراء صفقة تبادل أسرى، وهي التي أعلنت سابقاً عن مقتل جنودها المفقودين.
4- الحرص الإسرائيلي في هذه المرحلة على عدم تقديم أي انتصار معنوي لحركة حماس، والتي باتت رقماً مؤثراً في الحسابات الإسرائيلية الحزبية.
5- عدم الإجماع داخل التحالف الحكومي الهش على إجراء صفقة تبادل أسرى.
6- اشتراط حركة حماس إطلاق سلاح 50 أسيراً محرراً اعتقلتهم إسرائيل، كشرط مسبق للكشف عن أي معلومة عن مصير الجنود الإسرائيليين الأسرى.
لكل ما سبق، فإنني أزعم ان لا صفقة تبادل أسرى في الزمن القريب، ولا حرب على غزة في الوقت نفسه، وأن الطريق الذي اختارته إسرائيل في هذه المرحلة هو التريث، والهدوء، التفكير الجدي في فك الحصار عن غزة مقابل تهدئة مضمونة لعدة سنوات، يصير من خلالها الحديث عن صفقة تبادل أسرى.
ملاحظة: ما سبق من اجتهاد في الرأي لا يستبعد المفاجآت والكمائن العسكرية.
بقلم/ د. فايز أبو شمالة