لا نقولُ وداعاً للشهداء ولكننا نقولُ إلى اللقاء ...

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

 ((كل نفسٍ ذائقة الموت))، نعم هذا قضاء الله وقدره، لا مفر منه مهما طال الأجل، وهذا قدرنا أن نحزن على الأحباء والصحبة والرفاق، والإخوة والآباء، نتجرع ألم الفراق، كما ألم الرحيل والترحال.

غيب الموت الأخ والصديق الرائع، المفكر والأديب، الفدائي والمناضل، الباحث عن فلسطين والقدس، وعزة أهلها، وكرامة أمتها منذ نعومة أظفاره، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الأخ عثمان أبو غربية "أبو عبد الله"، ((أجمل أبو عبد الله))، هذا اللقب والاسم الذي كنت أطلقه عليه، وكان يجد القبول والإستحسان في نفسه، ويطلق إبتسامته، لتغطي محياه الجميل وتضفي الدفء والود على اللقاء، وتشع منه طاقة المحبة والإخاء، نعم لقد غيبك اليوم الموت جسداً يا ((أبا عبد الله الجميل))، لكنه لن يغيبك فكراً وأدباً، خلقاً وممارسة، فقد تركت إرثاً نضالياً نتعلم كما الأجيال منه الكثير، لست بصدد تعداد محطاتك النضالية، فمنذ عرفتك قبل أربعة عقود ونصف وأنت فارس من فرسان هذه الحركة العظيمة، وهذه الثورة الأطول في التاريخ، رفدتها بجهدك وفكرك المتقد، فكنت نموذجا للمناضل المثقف والممارس، الذي يقرن النظرية بالتطبيق، فساهمت في البناء الثوري السليم لها، وواكبت تطوراتها فكراً وعملاً في كافة المحطات، كنت محل إحترام وتقدير قيادتك ورفاقك، وكسبت إحترام كل من تعاملَّ معك، لسمو أخلاقك وصدقك وتواضعك، تلك هي أخلاق الثائر النموذج، فتعلمنا منك سلوكاً وفكراً وممارسة وصبراً وطول نفس، لذا يعجز اللسان اليوم عن رثائك، كما يتجمد المداد في القلم حزناً عليك، ويحزن القلب على فراقك، وتذرف العيون الدموع سيلاً منهمر، يبلل الشوق إليك، يا فارس البندقية والقلم، نعم نحزن على فراقك لأنك رحلت عنا قبل أن يكتمل الحلم الذي بذلت وأفنيت عقودك السبعة من أجل تحويله إلى حقيقة، لكنك ستبقى تسكن في وجداننا، شأنك شأن إخوانك الذين سبقوك في الشهادة، وأبيت إلا أن تلتحق بهم، بركب الفرسان الشهداء أبو عمار .. وأبو جهاد .. والحج حسن .. وماجد .. وحمدان .. ومحمود عيسى، جميعهم سوف يستقبلونك عند مليك مقتدر، فقد أديتم الأمانة، التي كنتم خير من أؤتمن عليها، سنحملها وإخوانكم ورفاقكم من بعدكم جيلاً بعد جيل، حتى يتحقق الحلم الذي قضيتم من أجله على أرض الواقع، لذا لن نقول لك وللشهداء وداعاً، وإنما نقول لكم إلى اللقاء في الفردوس الأعلى، وستبقى معنا تسكن فكرنا ووجداننا، مثل جميع الشهداء والثوار الصادقين الذين سبقوك في الشهادة، (( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )) صدق الله العظيم.

لك المجد والخلود يا أبا عبد الله مع الشهداء والنبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقاً، وإنها لثورة حتى النصر.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس