عملية القدس رسالة الردع والإستمرارية

بقلم: جبريل عودة

عملية القدس النوعية التي إستهدفت تفجير حافلتين تابعتين للإحتلال , شكلت نقلة نوعية في العمليات التي تشهدها إنتفاضة القدس الحالية , بعد أن إعتقد البعض الحديث عن الإنتفاضة الشعبية أصبح من الماضي , وأن الأوضاع الميدانية في طريقها إلى حالة الهدوء السابقة , الا أن صدى الإنفجار الذي دوي في قلب القدس المحتلة , وصورة الحريق الهائل والدخان المتصاعد على شاشات التلفزة ,أعاد المشهد في فلسطين إلى مربع المواجهة من جديد, لتحمل العملية التفجيرية بالقدس المحتلة رسالة قوية وصادمة لأجهزة أمن الإحتلال , أن هذه الشعب لا يستكين أو يستسلم لآلة القمع الإحتلالية العنيفة , التي مورست ضد مدن الضفة الغربية في الشهر الأخيرة ,من إستباحة حقيرة لكل ما هو فلسطيني ,بعمليات القتل والحرق والإعتداء على الممتلكات وهدم البيوت وحرق المحلات التجارية , وإقتحام المدن وحملات الإعتقال اليومية والقمع للأسرى في السجون , وإستمرار إقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك , أمام كل هذه العدوان من الطبيعي أن يسدد الفلسطيني جزء من فاتورة الحساب للمحتل المعتدي , ولا يمكن فصل العمليات الفدائية التي ينفذها الشباب الفلسطيني في الضفة والقدس , وإصراره على التمسك بالمقاومة والإنتفاضة كخيار لمواجهة الإحتلال , عما وصلت له القضية الفلسطينية من حالة الإستهداف والتشويه , بهدف تمييع ثوابتها وتقزيم هويتها , عبر إستجداء مشاريع التسوية مع الإحتلال وفرضها على الكل الفلسطيني , كطريق ليس له بديل في التعامل مع الإحتلال الغاشم , ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من قمع وتجريم المقاومة والفعل النضالي الذي يهدف إلى تحقيق الحرية وإنجاز الإستقلال الوطني , الا أن الشباب الفلسطيني كان له كلمته عبر عملية القدس التفجيرية تأكيداً على تمسكه بحقه في مقاومة المحتل الغازي .

عملية تفجير الباص في القدس , شكلت بداية الكابوس المرعب للإحتلال ومستوطنيه , وأعادت إلى الأذهان سلسلة العمليات الإستشهادية , التي ضربت كيان الإحتلال ومدنه الرئيسية , وتسببت في حالة من الهجرة العكسية , وتردي في الأوضاع الإقتصادي وتدني في مستويات السياحة الصهيونية , وإنتشار الأمراض النفسية وتزايد حالات العلع والرعب لذا المستوطنين , من جراء تلك العمليات التي إستهدفت وسائل النقل العامة والمطاعم والفنادق والملاهي , فأصبح الكيان الصهيوني كله تحت مرمى نيران المقاومين وعبواتهم الناسفة , وعلى ما يبدو أن إنتفاضة القدس في شهرها السابع تُدخل إلى أدواتها النضالية عمليات التفجير أو العمليات الإستشهادية , بكل تأكيد سيقف الإحتلال عاجزاً أمام حالة الإصرار على الإستشهاد , دفاعاً على المقدسات التي تنتهك والدماء التي تسفك على الحواجز الإحتلالية .

تهديدات نتانياهو عبر مؤتمره الصحفي الذي أعقب عملية تفجير الباص في القدس , تكررت كثيراً خلال إنتفاضة القدس وكان مجرد خروج نتانياهو في مؤتمر صحفي يكشف لنا حجم تأثير العملية الفدائية على بنية كيان الإحتلال , وما جاء في المؤتمر من تحميل المسؤولية لأطراف معينة والتهديد بالرد ليس بالجديد , وإجراءاته العدوانية لم تتوقف منذ إنطلاقة هذه الإنتفاضة , ومع ذلك لم يستطيع منع إستمرار الإنتفاضة الشعبية , وتطورها بالشكل السريع بالرغم ما تعرضت له من مؤامرة لتصفيتها وإجهاضها , فلقد شهدت إنتفاضة القدس زخما غير مسبوق وتسابق غير معهود من قبل الشباب الفلسطيني لتنفيذ العمليات الفدائية ضد جنود الإحتلال ومستوطنيه , ما نتوقعه أن يزداد القمع والعدوان الإحتلالي على شعبنا بعد عملية القدس النوعية , الا أن مسيرة الإنتفاضة تجاوزت كل حواجز المنع والعرقلة , وأصبحت رقماً صعباً لا يمكن إغفاله في معادلة الصراع مع كيان الإحتلال , والأيام ستؤكد أن الإنتفاضة في الضفة المحتلة هي الميدان الأكثر تأثيراً وإيلاماً على الإحتلال وأمنه الهش .

ما نحتاجه فلسطينياً هو إجماعاً حقيقياً على تبني إنتفاضة القدس , على إعتبار أنها أحد البرامج الفاعلة في منهجية التحرير والإنعتاق من الإحتلال , فالحقوق لا تعود إلى أهلها وهم بلا حراك جامدون , ومن البديهي أن ينتفض أهل الحقوق وأصحاب قضايا التحرر لينالوا حقوقهم وحريتهم من بين أنياب الإحتلال , فلا يعقل بعد سبعة أشهر من الفعل الثوري الشعبي ومئات الشهداء وآلاف الجرحى ومئات المنازل المهدمة وآلاف المعتقلين , أن نستمر في النقاش العقيم حول ما نحن بصدده إنتفاضة راسخة في الزمن الفلسطيني المقاوم , أم مجرد هبة توهم البعض أنها إنتهت .

عملية تفجير الباص في القدس , دلاله مهمة على أن الشباب الفلسطيني , عاقد العزم على المضي في إنتفاضته , وأنه يصنع سلاحه بما يملك من أدوات بسيطة , ولا يركن إلى الذل والمهانة , وأنه قادر على إحداث الزلزلة الأمنية والسياسية في كيان الإحتلال , ولديه القدرة على تحريك المياه الراكدة في المنطقة , وتوجيه الأنظار نحو فلسطين ومقدساتها حيث عدو الأمة المركزي ينهش في أرضها ويدنس مقدساتها , ولا يمكن أن نغفل تأثير الفعل المقاوم لشباب إنتفاضة القدس والذي يشكل حلقة وصل بين جماهير الأمة العربية , وكلما زادت بطولات الشباب الفلسطيني في الدفاع عن فلسطين ومقدساتها , كانت فلسطين وقضيتها حاضرة في الواقع العربي , وساهمت بتشكيل البوصلة من جديد في واقع الأمة , نحو العدو الحقيقي وحلفائه وصوبت الأنظار نحو مشروع أعداء الأمة المعادي والتدميري .

وإن كان من رسالة لعملية القدس التفجيرية , فإنها رسالة الإستمرار والديمومة والثبات على مواصلة هذه الإنتفاضة الباسلة , وأن تطور أدواتها بهذا الشكل الرادع للإحتلال , لمصدر فخر وإعتزاز لكل فلسطيني , بما تشكله من تراكمية وتكامل في مشروع المقاومة الكبير, الذي يستهدف إنهاء الإحتلال الغاشم , وما هو مطلوب من الكل الفلسطيني مزيداً من الدعم والمساندة للإنتفاضة المباركة بكافة الوسائل والإمكانيات , بما تمثله من إرادة فلسطينية حقيقية وما تناله من إجماع فلسطيني واسع كسبيل لردع الإحتلال وإحقاق الحق الفلسطيني في مواجهة الظلم والباطل وهم سلاحا الإحتلال المجرم في فلسطين , وحتما سينتصر الحق الفلسطيني ويزول الإحتلال وباطله بإذن الله .

بقلم/ جبريل عوده