يبدو أن الانقسام السياسي الحاد في لبنان تعمق على خلفية الصراع في سوريا، ولم يعد مجلس النواب اللبناني قادراً على انتخاب رئيس الجمهوية رغم شغور المنصب منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق "ميشيل سليمان" في أيار عام 2014، والعجز لم يعد قاصراً على انتخاب رئيس الجمهورية بل يلقي بظلاله، كما هو الحال في اي مجتمع يعاني من الانقسام، على أمور عدة، كان آخرها عدم تمكن لبنان من حسم مرشحه لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو"، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه المطالبة بضرورة تولي شخصية عربية رئاسة المنظمة للمرة الاولى في تاريخها، ما زال لبنان منقسماً على ذاته بين ترشيح فيرا خوري نائبة المندوب الدائم لدولة سانت لوسيا "الجزيرة الصغيرة شرق البحر الكاريبي" في المنظمة، وبين السياسي غسان سلامة "وزير الثقافة اللبناني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون".
ما يعنينا هنا ليس اصرار غسان سلامة على الترشح لرئاسة المنظمة حتى وإن تخلت لبنان عنه، بل تلك الزوبعة التي اثارتها إبنته الاعلامية اللامعة ليا سلامة "الفرنسية من أصول لبنانية"، حيث تم اختيارها من ضمن ثلاثة محاورين في مقابلة تلفزيونية مع الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" عبر قناة "فرنسا 2"، لم يحظ ما قاله الرئيس الفرنسي خلال اللقاء التلفزيوني بإهتمام بقدر الاهتمام بالجرأة التي اتسمت بها الاعلامية اللبنانية، سيما حين سألت الرئيس الفرنسي عن سياسة الدولة المعتمدة في موضوع اللاجئين، فاجابها قائلاً: حول مسألة المهاجرين، موقفنا مع أنجيلا ميركل مشترك، سارعت حينها الاعلامية اللبنانية بمقاطعته بطريقة فيها شيء من الاستفزاز قائلة: هل هذه مزحة؟، فرد الرئيس بأن لا مزاح في هذا الموضوع، ما ان انتهى اللقاء التلفزيوني مع الرئيس الفرنسي حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد لجرأة الاعلامية اللبنانية التي كسرت بها الاسلوب النمطي للحوار السياسي مع الرؤساء والقادة، وبين منتقد لطريقة الحوار ومقاطعة الرئيس بهذه الطريقة العدوانية التي وصلت حد الوقاحة، مؤكدين على ضرورة احترام الصحفي لموقع ضيفه وعدم مقاطعته تحت شعار "ليس هكذا يحاور الرؤساء".
لا شك أن السؤال الاستنكاري الذي قاطعت به الاعلامية الرئيس الفرنسي "هل هذه مزحة؟، يأتي في مكانه سيما وأن موقف فرنسا من مسألة اللاجئين يختلف جملة وتفصيلا عن موقف مستشارة ألمانيا "أنجيلا ميركل"، رغم ذلك واجهت الاعلامية الكثير من النقد حول مقاطعتها للرئيس، ولم تشفع لها المساحة الواسعة لحرية الرأي ولا مبدأ حرية الصحافة الذي لا يجوز المساس به تحت أي سبب كان، حرية الرأي والتعبير لا يجوز أن نمتطي صهوتها لنتجاوز بها قواعد الاحترام ونجعل منها معولاً نهدم به أدبيات الحوار البناء.
اثارت صورة نشرها رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس على حسابه الرسمي في "تويتر" برفقة الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة"، والتي ظهر فيها الأخير شاحب الوجه تائه الذهن، موجة من ردات الفعل الساخطة على رئيس وزراء فرنسا من قبل الجزائريين، رغم إدراكهم أن المرض تملك رئيسهم منذ أمد، إلا أن ما يعنيهم ألا تهتز صورة وهيبة رئيسهم كي لا تهتز معها صورة المواطنة، وسواء قبلنا بهذا المنطق أم وقفنا في خندق الرافضين له، فالمؤكد أن الحكم يجب ألا يبنى على الجانب الشخصي بقدر ما يتعلق بالمؤسسة، دوما ما يطيب لنا أن نحكم على الأفراد متناسين أن حكمنا ذلك فيه تقزيم للحقيقة، فالربان مهما عظم شأنه لا يمكن له أن يجنح بالسفينة إن لم يجد من يساعده على ذلك.
ان كان الانقسام السياسي في لبنان أفضى الى عدم التوافق على مرشح لهم لرئاسة اليونسكو، فإن الانقسام لدينا لم يفقدنا التوافق فيما بيننا حول الكثير من القضايا فقط، بل ذهب بنا إلى جرف فقدنا فيه لغة الاحترام بيننا وغلف كل منا موقفه بهالة من القدسية ولم تعد معها صدورنا تتسع للرأي الآخر، وتحولت بفعل ذلك أثقل التهم "التخوين والتكفير" الى بضاغة رائجة نسوقها ليلاً ونهاراً.
د. أسامه الفرا