رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، بنظر معظم الإسرائيليين، إضافة لبعض قادة دول في العالم، يعتبرونه كاذباً ومخادعاً، وليس له مصداقية، لكنه إعلامي جيد، فأحد لم يتوقع ما كشف عنه رئيس الموساد السابق "مئير دغان"، الذي كان مقرباً جداً منه، وأخذ شهرة كبيرة ولمعت شخصيته، في مهنته كرئيس للموساد منذ عام 2002، بممارسة التجسس والاغتيالات والتآمر وكل الممارسات اللاأخلاقية على الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، وعلى الدول العربية والأجنبية، فـ "دغان"- الذي توفي في شهر آذار الماضي- وأقيمت له جنازة عسكرية رسمية، حضرها كبار المسؤولين والوزراء، وكبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية الحالية والسابقة- هاجم في مقابلة له قبل وفاته بقليل مع جريدة "يديعوت احرونوت"-نشرت بتاريخ 4-4-2016- رئيس الوزراء "نتنياهو" بشكل فظ، ووصفه بأنه أسوأ رئيس حكومة، أو مسؤول إسرائيلي عرفه في حياته، كاشفاً عن عمق الشرخ الذي كان يفصل بينه وبين "نتنياهو".
"دغان" قال في المقابلة، أن جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين تعاقبوا على هذا المنصب، كان لديهم فهماً واحداً مشتركاً، باستثناء "نتنياهو"، وأيضاً "ايهود باراك"، ويضيف:"عندما كانت تتعارض المصلحة الوطنية الإسرائيلية مع مصلحتيهما الشخصية فإن الغلبة تكون دائماً للمصلحة الشخصية، وهناك صفة واحدة تجمع بين الرجلين، وهي أنهما يعتقدان أنهما الأفضل والأفهم والأكثر عبقرية في هذا العالم، وأن لا شبيه لهما، في هذه المقابلة-التي نشرت بعد وفاته، وصراعه الطويل مع مرض السرطان- يقول "دغان" أنه عايش "نتنياهو"، وكان بينهما خلافات كثيرة، لكنه أسوأ مدير عرفه، وكان الخلاف الأكثر امتدادا بينه وبين "نتنياهو"على خلفية الهجوم على إيران، وخطط هذا الهجوم، فـ"دغان" يعترف أن إسرائيل لا تملك القدرة العسكرية لوقف المشروع النووي الإيراني من خلال عمليات عسكرية، وقد عارض الهجوم العسكري على إيران بشدة، فهو يرى أنه حتى لو قامت إسرائيل بهجوم عسكري، فلا يمكن وقف مشروع إيران النووي بشكل كامل، فهذه القدرة العسكرية لا تملكها إسرائيل على حد قول "دغان" ويضيف أنه من الممكن تأخير المشروع النووي الإيراني لفترة زمنية محدودة، لكن الهجوم الإسرائيلي حسب "دغان" سيستفيد منه ويخدم المرشد الإيراني "خامنئي"، الذي سيشكر الله على الهجوم الإسرائيلي، لأنه سيوحد الشعب الإيراني خلف المشروع، ويعطي الحجة لإيران ولمرشدها، بأن المشروع كان سلمياً حتى الآن، "مهاجمة دولة الإرهاب "إسرائيل" لنا، تعني أننا ملتزمون بأن نحول المشروع إلى عسكري كي ندافع عن أنفسنا"، وقال "دغان" رأيه هذا لـ "نتنياهو"، ويقول أن على إسرائيل أن تطور قدرة عسكرية وخياراً للهجوم على إيران، ولكن دون استخدامه، إذ أن الهجوم على إيران، سيكون ثمنه الخسارة أكثر من الربح لإسرائيل.
"دغان" من مواليد روسيا عام 1945، وهو لواء في الجيش، كان عام 1967 مسؤولاً عن وحدة مطاردة الفدائيين في غزة، وفي عام 1970 قاد وحدة المستعربين، وأنشأ وحدتي شمشون ودوبدوبان، وفي عام 1973 قاد سرية دبابات في الجولان، وفي 1980 كان قائداً لمنطقة الجنوب اللبناني، وهو المؤسس لجيش جنوب لبنان العميل، وفي عام 1982، قاد اللواء المدرع الذي دخل بيروت، وفي عام 1988 عين مستشاراً لرئيس الأركان لشؤون الانتفاضة الأولى، وفي عام 1996 عين رئيس مجلس مكافحة الإرهاب في مكتب "نتنياهو"، ومن ثم عين في مطلع عام 2002 رئيساً للموساد، ورئيس هيئة العمل المختصة بالخطة النووية الإيرانية.
يعتبر "دغان" من أبشع المجرمين الإسرائيليين القذرين والأكثر سوءاً، فقد أمر جنوده في عهد "أرئيل شارون"، بقتل كل فدائي يقبض عليه وهدم بيته، ونفي أسرته إلى خارج الحدود، وبلغت قسوته إلى حد إصدار أوامره لجنوده بالتمثيل بجثة أي فدائي حين قام الجنود بوضع جثث الشهداء في بالوعات المجاري أمام مرآى الجمهور الفلسطيني، إمعاناً في الإذلال والإعدام بدم بارد، ويعتبر "دغان" صاحب سياسة حصار الرئيس الراحل "ياسر عرفات"، في المقاطعة وإذلال القيادة الفلسطينية، كما أنه أوصى بالتعرض لحياة قادة السلطة الفلسطينية، فسجله مليء بالقذارة والانحطاط، لكنه ليس الوحيد.
رئيس الوزراء صاحب الصلاحية في تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية، فهناك لجنة تشكل من رؤساء الأجهزة، الموساد، المخابرات العامة "الشاباك"، الاستخبارات العسكرية، الأمن العام، وغيرها من رؤساء الخدمات الأمنية السرية، تعتبر هيئة حميمية سرية، يغلق فيها كل شيء، ودون تقديم الحساب لأحد باستثناء رئيس الوزراء، في ظل غياب المراقبة والمحاسبة، وحسب المصادر الإسرائيلية، فقد تم تعيين "دغان" لرئاسة الموساد، للعمل على وقف التدهور والاستقالات الاحتجاجية، والعفن الذي أصاب هذا الجهاز، وفي محاولة "دغان" لاستقطاب ضباط كبار في الجيش للانضمام إلى الموساد، كانوا يرفضون، مفضلين عدم إقحام أنفسهم فيما وصفوه بالانضمام إلى سرير الموساد المريض، فالتراجع الذي أصاب الموساد حسب المصادر الإسرائيلية والضعف الأيديولوجي لدى كوادره، وتراجع العقيدة والإخلاص للفكرة اليهودية، وتصاعد الانتهازية الفردية والقيم كانت وراء تدني أداء الموساد ومع ذلك كانوا يفتخرون به ويلمعونه.
لقد بنى الموساد شهرته على بعض العمليات اللامعة والمثيرة أحياناً، إلا أنه يخفي فشله إعلامياً، وكان من أبرز عمليات فشله محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل"، في عمان، فرئيس الوزراء "نتنياهو" هو من أعطى الأمر بتصفية "خالد مشعل"، ويقول أحد رؤساء الموساد السابقين "أفرايم هليفي" أن الملك الراحل "الحسين بن طلال"، كان عربياً قومياً تضايق جداً من هذه المحاولة الفاشلة، وكان على وشك إعطاء الأوامر باقتحام السفارة الإسرائيلية في عمان، ومن أجل إنقاذ اتفاق السلام الإسرائيلي مع الأردن، تم إنقاذ حياة "مشعل"، وإطلاق سراح الشيخ "أحمد ياسين"، ثمناً لأخطاء "نتنياهو"، ومن فشل الموساد عام 1982 في غزوهم لبنان، فشلوا في تنصيب "بشير الجميل" رئيساً للبنان.
وكما وجود إخفاقات للموساد، فهناك نجاحات، لكنه يبالغ في هذه النجاحات، ويعتبرها من الأساطير، ليعطي هذا الجهاز صفة مبالغ فيها، فعملاء الموساد، وبالإمكانيات المالية التي يملكها الجهاز ومن وجود جاليات يهودية في جميع دول العالم، يستعين بها، فعملاء هذا الجهاز أخذوا يجوبون العالم لتجنيد العملاء، فالموساد يحظى بالتعاون وبالدعم المادي وغير المادي من الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، ويحظى بتبادل المعلومات معهم، فالموساد تجسس على المخابرات السوفيتية، لصالح الغرب أثناء الحرب البادرة مع الاتحاد السوفيتي، وكان وما زال يعتبر القارة السوداء، جنته للعمل الاستخباري، كما أن إثيوبيا وأوغندا وساحل العاج، يشكلون الثروة المركزية للتجسس الإسرائيلي، فالشعبة المسماة "تسومت"، هي الشعبة المسؤولة عن تجنيد العملاء في الموساد، الذين نجحوا بتجنيد مدربي طيران تشيك كانوا يعملون في أوغندا، وأرسل بعضهم للقيام بمهمات في سورية، أما قبرص فهي تعتبر مركزاً لأعمال الموساد، ونجح الموساد بتجنيد الطيار العراقي "منير" بالهبوط بطائرة ميغ العراقية في إسرائيل، بعد قيامه بزيارة لإسرائيل وإطلاعه على المسار الذي يجب إتباعه، خاصة أثناء هبوطه، وكان عملاء الموساد جندوه وأغروه بالفرار بطائرته التي كان يقودها في العراق إلى إسرائيل، ووصفت هذه العملية بالخارقة، لمعرفة أسرار هذه الطائرة، فواشنطن توسلت لإسرائيل لنقلها لمدة شهر للولايات المتحدة، أما الروس فطالبوا باستردادها، فهناك قصص عديدة لعمليات الموساد، بعضها نشر، والبعض الآخر لم ينشر، منها قصص حقيقية، وأخرى خيالية وغير حقيقية هدفها دعائي، تندرج في الحرب النفسية.
إن جهاز الموساد-كما يقول الخبراء، ومنهم إسرائيليون- أنه أصبح عاجزاً عن ملائمة نفسه للواقع العالمي المتغير، الأمر الذي جعله يفقد الكثير من مقدرته على العمل، حتى أن جريدة "يديعوت احرونوت"، نشرت تقريراً تصف فيه جهاز الموساد، بأنه أصبح جهازاً قديماً ومتعفناً ومتحجراً، يعيش على أمجاد الماضي، وعاجزاً عن مواكبة المتغيرات، حتى أن المسرحين من العمل في الموساد من كبار الضباط، يمرون بأزمة نفسية صعبة لانتقالهم من مرحلة العمل السري وتجاوز القانون، إلى العمل المدني والتزامهم بالقوانين، وأخيراً ... فإن هدفنا من هذا المقال، تفنيد الدعاية الإسرائيلية التي تعطي هالة كبيرة للموساد، ولأجهزتها الأمنية المختلفة، وفي نفس الوقت التحذير من الإغراءات الإسرائيلية في تجنيدها للعملاء، وفي نفس الوقت وضع الحواجز أمامها، بتحصين شبابنا، كما أن المطلوب بناء أجهزة عربية لاختراق أعدائنا، والتعرض لدعايته وحربه النفسية من التأثير على شعوبنا، وبرأيي أن الأجهزة الاستخبارية العربية تملك الكثير من المعلومات عن إسرائيل، وعن جيشها، لكن هذه المعلومات توضع في الأدراج ولا يجري استعمالها، بينما المعلومات المتوفرة لدى إسرائيل عن الدول العربية، يجري الاستفادة منها واستعمالها عند الحاجة.
بقلم/ غازي السعدي