نقف امام مناسبة وذكرى عظيمة حيث تترابط العلاقة فيما بينهما الا وهي يوم الاسير العربي وعملية نهاريا البطولية، عملية الشهيد القائد جمال عبد الناصر ، هذه العملية التي شكلت منارة كفاحية في زمن كانت تتساقط اوراق التوت مع تساقط الاوراق التي حكمت واقعنا العربي، تساقطت الواحدة بعد الاخرى بعد تساقط القنابل والقذائف والصواريخ بكثافتها على الجنوب اللبناني بعد اجتياح عام 1978، والتي تمثلت من خلال هذه الحقبة من زمن لبناني فلسطيني جميل حيث كتبت القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية كل آيات الكبرياء والثقة بالنفس، والارادة الحرة، حيث كان ينبوع الكبرياء من خلال قمة الوفاء للاهداف والمبادئ والمثل، و قمة العطاء والتضحية والعطاء، وعبر شلالات الدم الزكية المغراقة وموكب الشهداء الابرار وعذابات ومعاناة الاسرى والمعتقلين في السجون والمعتقلات الجماعية الاخرىمن فلسطينيين وعرب وامميين، حيث اخترقت عملية نهاريا البطولية بداء شهدائها الابطال مهنا سليم المؤيد وعبد المجيد اصلان وجراح الاسرى الابطال سمير القنطار قائد العملية واحمد الابرص نائب قائد العملية الحجب والسدود لتتفاعل مع جماهير امتنا العربية ومع كل الاحرار والشرفاء في عالمنا حيث صنعوا بعمليتهم البطولية على ارض فلسطين من خلال مقاومتهم للاحتلال وضباطه في نهاريا فجر مشرق في مسيرة النضال الوطني .
نعم كانت لحظة النضال الثوري التي ارادها الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس ورفيق دربه القائد العسكري سعيد اليوسف وقيادة الجبهة في ذاك الوقت بكل عطائه وبكل نبله وبكل شموخه ، حيث هبط القارب في البحر حاملا ابطال عملية نهاريا البطولية ، عملية الشهيد القائد الخالد جمال عبد الناصر ، حيث تمكن ابطال المجموعة من الوصول الى الشاطىء الفلسطيني المحتل، ليخوضوا معركة شرسة مع قوات العدو ، على الساحل الفلسطيني في "نهاريا" حيث هزت كيان الغزاة، لم تكن "مغامرة" ولا ردة فعل آنية، بل كانت حلقة في سلسلة متكاملة من المواجهات المسلحة مع العدو في أكثر من مكان، مارسته جبهة التحرير الفلسطينية، داخل الوطن المحتل، وعبر الحدود التي رسماها "سايكس و بيكو" ، وتمكن ابطال المجموعة من احتجاز عدداً من الرهائن، وطالب ابطال المجموعة بإطلاق سراح الاسرى في سجون العدو، لكن العدو الصهيوني، لم يبال بأسراه، فشن هجوماً كبيراً على ابطال العملية ، ومعهم الرهائن، حيث استطاع ابطال المجموعة أن يكبدوا العدو خسائر فادحة، قبل أن تصعد أرواح اثنين من ابطال المجموعة إلى السماء لينيرا درب الحرية والاستقلال والعودة بينما اسر القائد سمير القنطار ورفيقه احمد الابرص ، حيث زلزت الارض تحت اقدام الغزة الصهاينة ، مسجلة جبهة التحرير الفلسطينية للاحرار في هذه الامة ولادة جديدة في النضال على طريق عملياتها البطولية ، فكان صمود الارادة الفولاذية للشهيد القائد الاسير سمير القنطار والعزيمة الصادقة الاصيلة التي صهرته التجربة مع رفاقه اسرى الجبهة والثورة وفلسطين والاسرى العرب لتدق ابواب التاريخ لتسطر على صفحاتها ملاحم النضال.
هذا هو ما سجلته وسطرته عملية نهاريا البطولية لثوار جبهة التحرير الفلسطينية في 22 نيسان 1979، حيث اطلق على هذا اليوم "يوم الاسير العربي "ولتؤكد الجبهة استمرارها في مسيرة
التصدي للطاغوت الصهيوني الامريكي في خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لسحق الثورة في هذه المنطقة، حيث كانت عملياتها البطولية ردا على سياسة كامب ديفيد الذي وقعه السادات في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، الا ان ابطال الجبهة استمروا بعملياتهم مزهوة بأكليل الغار والانتصارات على جباهها، حتى تسجل في كتاب التاريخ ملاحم جديدة لدورها النضالي في مسيرة الكفاح من اجل تحرير الارض والانسان.
وامام ذكرى عملية نهاريا ويوم الاسير العربي نقول ان جبهة التحرير الفلسطينية استطاعت خلال فترة زمنية وجيزة من فرض نفسها بقوة بعد ما تعرضت له بعد احداث مؤلمة تعرضت لها بعد الحرب الاهلية اللبنانية وعلى اثر سقوط تل الزعتر عام 1976 ، حيث شكلت من خلال قيادتها الثورية ايمانها المطلق بالأفكار الوطنية والتقدمية فكراً ونهجاً وممارسة قدمته الى فلسطين ثوبا احمرا جميلاً منقى بنقاء الخالدين في عليائهم على طريق العودة والتحرير ، لتحتل في الساحة الفلسطينية الصفوف المتقدمة لما قامت به من عمليات نوعية في ديشوم والخالصة وام العقارب والزيب ونهاريا وبرختا والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي واكيلي لاورو والقدس الاستشهادية وغيرها من العمليات الجريئة او من خلال كتائب طلائع التحرير الفلسطينية وكتائب الفارس العربي الذي تحولت فيما بعد الى كتائب الشهيد ابو العباس ، ومن خلال آيمان امينها العام الشهيد القائد ابو العباس بفكر جمال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة فسطرت تاريخها النضالي واتخذت من تحرير فلسطين هدفاً وتعالت على الخلافات وأبدعت في المحافظة على النسيج الاجتماعي الداخلي وحافظت على الهوية الفلسطينية نقية متحدة بحكم امتلاك قيادتها أن تحافظ على البيت الفلسطيني .
ومن هنا فان القائد الشهيد سمير القنطار ، بطل عشق فلسطين وضحى بثمرة شبابه من اجلها، فاحبها حتى النخاع ، فالرصاصات التي اخترقت جسده خلال تنفيذ عمليته الشهيرة نهاريا ، كانت حكاية المقاومة ضد العدو الصهيوني العنصري بكل محطاتها، هي قصة قرار المواجهة الأول وقصة قرار الصمود رغم السجن امضى فيه اكثر من ثلاثون عاما، انها فجر الحقيقة من خلال عودته بعد تحريره من الاسر الى جبهة المقاومة والإصرار على الاستمرار في النضال حتى الشهادة أو النصر، هي قصة انتماء الشهيد القائد سمير لفلسطين بعزها وإنتصاراتها ، إنها باختصار كل الحكاية وكلماته بمثابة شهادة فخر، وكيف لا وهي من مقاوم شريف ارهق الصهاينة واذلهم وخرج من المعتقل مرفوع الرأس واعتبر خروجه آنذاك هزيمة للعدو.
لهذا نؤكد في يوم الاسير العربي ان سمير القنطار سيبقى عميد الاسرى والشهداء العرب ، حيث ارتقى سمير القنطار شهيدا حاملا وسام الشرف والبطولة والشهادة، لانه فلسطيني الهوى، وعربي الانتماء ،ولبناني الجنسية، واستشهد ووجهه لم يحد عن فتاة أحلامه فلسطين أبدا، وما بين وداعه من قبل الشهيد القائد أبو العباس الأمين العام لجبهة التحرير على شاطئ صور في جنوب لبنان مع رفيقه القائد سعيد اليوسف وعدد من قادة الجبهة ، إلى لحظة احتضانه من الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية، ثلاثة عقود من المقاومة التي بدأها في الرابعة عشرة من عمره وختمها في الثالثة والخمسين بالشهادة حلمه،فسميرالقنطار يبقى بطل قومي بكل ما للكلمة من معنى ورمز لفكرة المقاومة ولمشروعها التحرري الذي يتجسد في فلسطين ولبنان وسورية ، في مواجهة معسكر الامبريالي الصهيوني الاستعماري
الذي لايفهم غير لغة القوة وطريق التصدي لغطرسته هو المقاومة ضد قلب المعسكر كله ،الكيان الصهيوني ،وضد جميع الأدوات التي يحركها الاستعمار بقيادة الادارة الأمريكية لحماية الكيان ودعم قوى الارهاب في المنطقة، هذه الادارة التي وضعت سمير القنطار قبل ثلاث سنوات على لائحة الارهاب ، ولكن امام كل ذلك نرى بوضوح ان المقاومة التي شكلت محور حياة سمير وقضية عمره ومضمون ما تركه من إرث للشباب الذي دربهم وعلمهم وقادهم في العقود التي أمضاها مناضلا منذ عمليته الفدائية حتى استشهاده ، فشهادة سمير القنطار ستبقى نبراسا في فضاء الشرق كله وستزيد المناضلين اصرارا على مواصة النضال حتى تحرير الارض والانسان .
في ذكرى عملية نهاريا ، لا بد من القول، ان الانجازات الكبيرة التي حققها الشعب الفلسطيني على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والدبلوماسية لم تكن لتتحقق لولا العطاء اللامحدود الذي قدمه شهداء الثورة الفلسطينية، لقد شكلت عملية نهاريا نقطة هامة وتاريخية في المشوار الكفاحي للجبهة وللشعب الفلسطيني ، حيث أكدت على استمرارية الثورة والكفاح المسلح ، وحشد الجماهير نحو خوض معركة التحرير والعودة ، وتفعيل دورها وتسخير كل الإمكانيات لمواجهة العدو بشتى السبل والوسائل وفي كافة المجالات فكتبت معادلة الوفاء والإخلاص لفلسطين ولتؤكد ان دماء شهداء الانتفاضة هم ابطال المرحلة ورجالها وعناوينها وانوارها الساطعة، فشجرة الثورة والصمود والانتفاضة والمقاومة كانت تسقيها على الدوام دماء الشهداء، فضلا عن عرق المناضلين الثوريين، وبتضحياتهم الجسام بقيت فلسطين شعبا وقضية حاضرة بقوة في كل الميادين والمحافل، ولم يستطع العدو االصهيوني رغم كل مؤامراته وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني أن يحجب شمس المقاومة او يكسر ارادة هذا الشعب العظيم، وما زالت راية فلسطين خفاقة بإنتظار اشراقة شمس الحرية واستعادة الحقوق الوطنية.
ان شهادة سمير القنطار هي حكاية المقاومة وهي حكاية جبهة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية والمقاومة الوطنية والاسلامية وحزب الله ضد كيان العدو بكل محطاتها، هي قصة قرار المواجهة الأول لبطل وقائد ومناضل رغم قلة الإمكانات ، هي قصة قرار الصمود رغم السجن الذي حاول فيه الشهيد القائد ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية باكثر من عملية لجبهة التحرير للافراج عنه ، ورغم الآلام والجراح بعزها وإنتصاراتها من خلال الانتفاضة المتواصلة على ارض فلسطين المفتوحة على كل الإحتمالات، ومن خلال المقاومة الاسلامية والوطنية بقيادة حزب الله التي تواصل معركتها مع العدو الصهيوني وقوى الارهاب التكفيري المدعوم من الامبريالية والصهيونية والاستعمارية، إنها باختصار كل الحكاية، فالنصر قادم لا محالة وان دماء الشهيد سمير القنطار ستنتصر على العدو وسترسم حرية فلسطين والمنطقة .
نستذكر اليوم شهداء عملية نهاريا وشهداء فلسطين وفي مقدمتهم فارس فلسطين الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس ، هذا القائد الذي قضى غيلة في احد أقبية سجون الاحتلال الأمريكي في العراق بسبب مواقفه الوطنية والقومية والاممية الصلبة ، وتمسكه بثوابت وحقوق شعبه الوطنية ، وتبنيه لنهج الكفاح والمقاومة ضد المحتلين الغزاة لفلسطين ، أو في أي مكان في الوطن العربي والعالم ، ورفاق دربه الامين العام الاول طلعت يعقوب والامين العام الثالث ابو احمد حلب ورفاقهم القادة سعيد اليوسف وابو العز وابو العمرين وحفظي قاسم وجهاد حمو
وبرهان الايوبي وكل شهداء جبهة التحرير الفلسطينية من قادة ومناضلين وشهداء الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم رمز فلسطين الرئيس ياسر عرفات والقادة جورج حبش وابو علي مصطفى وامير الشهداء ابو جهاد الوزير وسمير غوشه والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد الرحيم احمد وسليمان النجاب ومانديلا فلسطين عمر القاسم وكل شهداء الشعب الفلسطيني حيث تركوا وراءهم إرثاً عظيماً ومسيرة مشرفة نفتخر بها، كما تركوا وراءهم اجيال من المناضلين الأشداء الذين حملوا الامانة ولا زالوا يواصلون طريق الانتفاضة والمقاومة والنضال، من أجل فلسطين، ومن اجل الحقوق الوطنية، ، بما يخدم نضالنا الوطني في الوقت الراهن.
وفي ظل هذه الذكرى نؤكد على اهمية مواقف شعوب العالم من قضية فلسطين العادلة، وبالتالي، من قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب، وهم يخوضون معارك المواجهة المفتوحة والممتدة على مدار اليوم مع السجان، وليس الإضراب المفتوح أو الجزئي عن الطعام، سوى أبرز أشكالها، وأقساها، وأكثرها عنفواناً ونجاعة، ونحن نتطلع الى اهمية تحرك المؤسسات الحقوقية بضرورة التعامل مع الاسرى كأسرى حرب وحرية وفقاً للقوانين الذي وضعها المجتمع الدولي لانهم هم مناضلين من أجل حرية شعبهم واستقلال وطنهم حيث يعاني العشرات بل المئات من الاسرى المرضى من امراض خطيرة في ظل سياسة الاهمال الطبي التي يتبعها العدو بحقهم ومئات الاسرى الاطفال القسر وكذلك الاسيرات الماجدات اللواتي يواجهن كل اشكال التعذيب النفسي.
ومن موقعنا نقول ان ما يقوم به شابات وشباب الإنتفاضة من رسم معادلات نضالية كان ابرزها عملية القدس ، حيث من خلال انتفاضتهم يرسمون بدمائهم وتضحياتهم خارطة فلسطين، في الميدان بمواجهة الاحتلال، حيث اعطوا مثال لكل شعوب العالم أن قضيتنا الفلسطينية حية لا يمكن أن تموت ، مما يستدعي من جميع الفصائل والقوى تقديم الدعم للانتفاضة ، لانها تشكل ركيزة أساسية ومنع محاولة إجهاضها باعتبارها محطة على طريق تحقق الأهداف الوطنية التي انطلقت من أجلها.
ان ما يحاك للمنطقة من مؤامرات صهيونية وامبريالية اميركية بهدف ابعاد الشعوب العربية عن بوصلة فلسطين وتقسيم المنطقة من خلال ادواتهم الارهابية الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ، الا ان صمود المقاومة العربية في مواجهة هذه الهجمة ، ونحن اذ ننوه بمواقفها المبدئية والشجاعة في محاربة الإرهاب والمؤامرة الأمريكية الصهيونية ، وكذلك هذا بدعونا إلى توحيد الصف الفلسطيني وحشد التأييد الشعبي لدعم انتفاضته في وجه الاحتلال الصهيوني ، ومطالبة العرب بقطع علاقاتهم التطبيعية مع كيان الاحتلال.
ختاما : ستبقى عملية نهاريا البطولية ساطعة بضمير شعبنا وستبقى جبهة التحرير الفلسطينية تحتل مكانة لدى كافة الاحرار والشرفاء ، وهي من كتبت تاريخ ساطع وإرث عريق من خلال عملياتها البطولية ، وستبقى على خط قادتها ومناضليها الشهداء ، وهي اليوم تساهم مع باقي الفصائل الوطنية بفاعلية أكثر في الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني ، لأن فلسطين كانت ولا تزال القضية المركزية للامة العربية ،
فمعنى ذلك ان التحدي سيظل مفتوحاً ينتقل من جيل الى جيل حتى تتحرر ارض فلسطين لتكون عنوان مستقبل الامة العربية.
بقلم/ عباس الجمعة