يكثر الحديث دائما عن الحقوق والحريات النقابية وعن النضال الاجتماعي والمطلبي وصولاً لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتجسيد الحياة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني ، ويتناسى رافعو كل هذه الشعارات والمواقف والبرامج المطروحة ، ويتناسى كل هؤلاء المناضلين من اجل العدالة الاجتماعية بأن هناك فئات اجتماعية ليس فقط فقيرة ومهمشة بل مقهورة ومطحونة في المجتمع الفلسطيني ، غير قادرة على تلبية متطلباتها اليومية بحدودها الدنيا ، هناك فقر حقيقي تعانيه الآلاف من الأسر الفلسطينية في ظل حصار ظالم وبطالة متفاقمة وجشع رأسمالي لا ينظر أبدا لمثل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية وحالات البؤس والعوز التي تعيشها أسرنا ومواطنونا .
إننا ونحن نبارك كافة الجهود التي تقوم بها القيادة الفلسطينية على المستوى السياسي والدبلوماسي من اجل الوصول إلى الأمم المتحدة للمطالبة باعتراف الأسرة الدولية بدولة فلسطين المستقلة على حدود الـ 67 عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة فإننا نؤكد أهمية النظر للقضايا الاجتماعية المستعصية وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني ، رأسمالنا الوطني وتقديم الحلول الجادة والمناسبة للحد من معدلات الفقر والبطالة وطرح استراتيجيات عمل لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والعدالة السياسية بنظام سياسي ديمقراطي تعددي يكفل المشاركة للجميع ويكفل الحقوق المدنية والسياسية والنقابية والحق في العمل وفي الوظيفة وفي " الضمان الاجتماعي " ، وتوفير كل مقومات دعم صمود الإنسان الفلسطيني فوق الأرض الفلسطينية المهددة من قبل الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية ، فوق الأرض الفلسطينية التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس .
إن العدالة الاجتماعية لا تمنحها أي حكومة فلسطينية بدون نضال اجتماعي مطلبي حقيقي ، وبدون مراكمة كل هذه النضالات من قبل القوى السياسية والنقابات والمؤسسات ومن قبل الشارع الفلسطيني قبل أي شيء آخر .
هناك جهود ومساعي نقابية تبذل بين الحين والآخر ، ولكن وللأسف الشديد كل هذه التحركات مرتبطة بصرف الرواتب ، أو الاحتجاج على تأخيرها ، وأحيانا تلجأ بعض النقابات لإعلان الإضراب عن العمل ، متجاهلةً أن حل أي نزاع عمل لا يتم بالإعلان عن الإضراب كأول خطوة نضالية مطلبية ، بل إن اللجوء إلى الإضراب يكون محصلة لنضالات أخرى يجب أن تسبقه ، إذا لم تستجب الحكومة للمطالب العادلة والمشروعة التي كفلها قانون العمل وقانون الخدمة المدنية وقبلهما القانون الأساسي الفلسطيني ، وان آلية الحوار والحوار الجاد ، الشامل والمعمق ينبغي أن تكون لها الغلبة دوما ، فنحن جميعا على ذات السفينة وفي معركة نضال وطني على طريق الاستقلال ، فهل تعي نقاباتنا المتعددة وبشكل خاص المهنية منها ذلك وتعمل على ترجمة برامجها والأهداف التي تأسست من اجلها باتجاه بلورة رؤية نضالية نقابية مطلبية إستراتيجية تحمل في مضمونها هموم وقضايا القطاعات التي تمثلها بعيدا عن الأجندات السياسية والحزبية ، وتصب في مصلحة النضال من اجل الحقوق والمطالب لتجسيد العدالة الاجتماعية في مجتمع يعاني من مؤثرات الاحتلال ومن بطالة بمعدات كبيرة لن تواجهها الحكومة وحدها باعتبار أن الحكومة رب عمل ومشغل كبير ، بل إن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القطاع الخاص الفلسطيني لتوفير فرص العمل وإنشاء المشاريع التنموية والتشغيلية القادرة على مكافحة البطالة وفق طبيعة وحاجة هذا القطاع ، وعلى الحكومة أن توفر المناخ المناسب لعمل وتنظيم هذا القطاع وتقديم التسهيلات المناسبة لعمله ونموه وتشجيع الاستثمار الوطني والصناعات الوطنية وتفعيل وتطوير القطاعات الزراعية والمهنية المتعددة ، من شأن ذلك أن يحد من البطالة وان يخفف من آثار البطالة والفقر وان يساوي بين المواطنين وان يعزز من نضال المناضلين لتحقيق العدالة الاجتماعية كرديف أساسي للعدالة السياسية ولعدالة القضية والمشروع الوطني التحرري .
إن العدالة الاجتماعية لن تتحقق دون نضال دءوب وموحد بحركة نقابية موحدة وراسخة تدافع عن مصالح وحقوق الفئات الشعبية المحرومة والكادحة ، تدافع عن المواطنين جميعا ، عمال وموظفين ومهنيين ، من خلال تحسين ظروفهم الحياتية والصحية ومن خلال إقرار قوانين وتشريعات عصرية تراعي الخصوصية الفلسطينية وتنسجم ومتطلبات ومعايير العمل العربية والدولية ، وعلى رأس سلم الأولويات لهذه القوانين فقد طرح قانون الحد الأدنى للأجور كمقدمة لطرح كافة القوانين المتعلقة بالعمل والعمال وحقوقهم في الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وحقوق التقاعد وبدل البطالة وإقرار صندوق التشغيل وصندوق تعليم الطلبة وغيرها .
العدالة الاجتماعية نحو بناء مجتمع مدني فلسطيني تصان فيه الحقوق والحريات وتصان فيه القوانين والتشريعات بحيث يكون الجميع تحت القانون .
إن تداخل المهام الوطنية السياسية بالاقتصادية الاجتماعية الديمقراطية يتطلب تعزيز ودعم الحوار الاجتماعي بين أطراف الإنتاج وبما يشكل دعامة أساسية لبلورة وتجسيد العدالة الاجتماعية للشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من مائة عام لتحقيق حقوقه الوطنية ونيل استقلاله على أساس مقررات الشرعية الدولية ، إن تحقيق العدالة الاجتماعية سيسرع في تحقيق الاستقرار والاستقلال والحقوق المنشودة وسيكرس نظاماَ سياسيا ديمقراطيا تعدديا يكفل الحقوق لكافة أطياف ومكونات الشعب الفلسطيني .
بعد كل ذلك فأي ضمانٍ اجتماعيٍ نريد ؟
ولماذا سّلت السيوف والخناجر في وجه قانون " الضمان الاجتماعي " الذي صدر كمرسوم بقرار والذي جاء ثمرة مفاوضة مضنية وطويلة بين أطراف الإنتاج الثلاث " الشركاء الاجتماعيين " ليشكل محطة مهمة جدا نحو إحقاق الحقوق التشريعية لمختلف الفئات بحيث يعطي هذا القانون كل ذي حقٍ حقه بإنصاف وبلا تمييز .
أستغرب جداً كل هذا الحراك الرافض للقانون ، أليس هذا القانون انجازاً ؟
أليس حقاً لطالما نادينا بتحقيقه ؟
الرفض أيها السادة سياسة عبثية ومراهقة لا تبني دولاً ولا مستقبلاً ولا تحقق حقوقاً فمن عملوا من أجل أن يرى هذا القانون النور لم ينطلقوا من منطلقات فئوية أو ضيقة ، لم يعملوا تحت عباءة الحزب أو التنظيم ، بل عملوا وبفخر كرجال دولة مشهود لهم بنظافة اليد والاستقامة ومسيرتهم حافلة بالتضحيات والانجازات ، ولست هنا مدافعاً عن أيٍ منهم فهم أكبر من أي دفاع .
قانون " الضمان الاجتماعي " انجاز مهم نحو بناء أسس حقوقية تعزز العدالة وإذا كان هناك من ثغرات وجوانب غير مكتملة فينبغي النضال معاً من اجل ترتيبها ووضعها في عين الاعتبار ، لا أن نرى بضبابية ونعمل في العتمة وننكر الانجاز الذي تحقق .
إلى القوى اليسارية والديمقراطية والحركات الاجتماعية والعمالية والنقابية : لطالما رفعت ورفعنا شعار الضمان الاجتماعي ، ها هو القانون قد تحقق فلتمتد الأيادي جميعا لمراكمة الانجازات والبناء عليها ، لا أن نهدم ونحجب الحقيقية عندنا يبحث كل منا عن دور مفقود !!
بقلم : محمد علوش