الجامعة وإرادة الإصرار على السقوط!!!

بقلم: أيوب عثمان

لست أدري إن كانت إدارة الجامعة تملك فلسفة معينة تصرف بموجبها شؤون الجامعة، أم أنها تدير أمورها، هكذا، كما يحلو لزعمائها، على نحو "هاتك جيتك" أو "كيف ما تيجي تيجي"!!!

فعلى الرغم من أنني أملك الحق في الادعاء بأنني أعرف هذه الجامعة تماماً كما أعرف راحة يدي، إلا أن التفكير في كيفية اتخاذ الجامعة لقراراتها قد استغرقني كثيراً وطويلاً حتى انتهيت إلى أن إدارة هذه الجامعة إنما تأخذ قراراتها – في معظم الأحيان - على نحو جزافي واعتباطي، دون دراسة ودون تفكير ودونما ربط بين الدوافع إلى اتخاذ القرار وما قد يترتب عليه من نتائج.

فإدارة الجامعة تأخذ قرارات تُولٍّدها – في كثير من الأحيان - لحظة من لحظات الشطط والتعجل وانغلاق العقل، فلا يخضع الأمر لتفكير واعٍ أو لمراجعة نابهة. إنها، إذن، حالة الاستبداد التي تحتوي إدارة الجامعة احتواء تاماً تبلغ درجة تمامه مبلغاً لا يترك للتفكير والشورى أو المراجعة - في سباق الأرباح والخسائر - متسعاً ولا محلاً، وهو أمر ما أكثر أن تكرر!!!

آخر ما استبد بإدارة الجامعة - حتى اليوم - من قرارات يستبد بها الشطط وغياب العقل وحتى "ألف باء" الاتزان والحكمة والمسؤولية، كان ذلك القرار الذي اتخذه مجلس الجامعة، أمراً بـ "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي خارج أوقات العمل الرسمي"!!!

ما يثير الشفقة عند الاطلاع على هذا القرارهو كيفية صياغته التي تهزم القرار ذاته من حيث فكرته ومردوده وجدواه، وتشير إلى عدم اقتناع صاحب القرار بما استند عليه من مسوغات، بل إن صياغة هذا القرار تجعلنا نستخف بالقرار ذاته ونضحك من أعماق القلوب وملء الأشداق من صاحب القرار الذي يرى السطحية فيه عمقاً والخداع لديه شطارةً، وانعدام الصدقية في مقصده ذكاء وفهلوة، حيث يخفي باطلاً عنده ليظهر الأمر على غير حقيقته فيبدو وكأنه حق على طريقة "كلمة حق يراد بها باطل"، ذلك أن من ضمن "الباطل" الذي أراد صاحب القرار - بالخداع والتذاكي والفهلوة - تسويقه هو صياغة عنوان القرار على نحو يخالفه ويختلف عنه – بل ويتعاكس معه - مَتْنُه، لا سيما وإن عنوان القرار هو "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الدوام الرسمي"، فيما جاء في القرار نصاً:

يوافق مجلس الجامعة على تطبيق عقوبات بحق الموظفين الذين يقومون بالمخالفات الآتية:

* استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الدوام الرسمي.

* استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة إلى الجامعة أو موظفيها بالتلميح أو التصريح سواء من داخل أو خارج أوقات العمل الرسمية.

فحينما يصدر مجلس الجامعة قراراً يقضي بــ "حظر استخدام مواقع التواصل الإجتماعي أثناء الدوام الرسمي"، فإن مجلس الجامعة – وهو الذي ظل طيلة السنوات الماضية غائبا عن الصواب ومغيباً له - يكون اليوم قد أصاب، إذ كان ينبغي له أن يصدر - قبل سنوات- قراراً بحظر استخدام مواقع التواصل الإجتماعي أثناء الدوام الرسمي. فمُصْدر القرار يخفي وراء عنوان يخلق من خلاله عن نفسه انطباعا سليما ثم سرعان ما يُضَمّن الموضوع خداعاً عن طريق دس السم في الدسم، حيث يتضح فيما بعد أن الموضوع ليس "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الدوام الرسمي" كما يُسَوِّقه العنوان، وإنما "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة إلى الجامعة أو موظفيها بالتلميح أو التصريح سواء من داخل أو خارج أوقات العمل الرسمية"، ما يعني - بكل وضوح ومباشرة ودونما لف أو دوران أو مواربة - أنه:" يحظر على العاملين أن ينتقدوا الجامعة، كما يحظر عليهم أن يوجهوا أي نقدٍ – حتى ولو كان ناصحاً – سواء للجامعة أو لأي من مسؤوليها. أما المديح، فليمدح العاملون الجامعة ومسؤوليها - الخطائين منهم والتوابين - كما شاء لهم أن يمدحوا، بل إنه يحسن بهم أن يكيلوا المديح كيلاً، وما أخلصهم لو حولوا كل سوءة إلى نقيضها، فجملوا كل قبيح ليقولوا ما يشاءون فيه مدحاً!!!

وبالنظر إلى منطوق القرار وهو "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة إلى الجامعة بالتلميح أو التصريح سواء من داخل أو خارج أوقات العمل الرسمية"، فإن أسئلة مهمة وفارقة تطرح نفسها دون أي عناء، وها نحن نوردها على النحو التالي، مثالاً لا حصراً:

1) ما معنى الإساءة؟ وكيف تكون؟

2) ما الفرق بين النقد والإساءة؟ وهل يمكن للنقد أن يكون إساءة؟ كيف؟

3) هل يعتبر من قبيل النقد أو من قبيل الإساءة لو كتب أحدهم – مبرزاً بينه أو بينات إثبات تؤيد ما كتب – أن رئيس جامعة، على سبيل المثال، قد زور شهادة أو مستنداً رسمياً، أو أن رئيس أو عضو مجلس أمنائها قد أدخل ابنته أو ابنه إلى الدراسات العليا رغم حصولها أو حصوله على 50 درجة أو 49 درجة من 100 في امتحان القبول، أو أن أكاديمياً سطا على كتاب بأكمله، وهو من تأليف غيره، مُغتالا مؤلفه أو مؤلفيه حيث نسب الكتاب إلى نفسه فغير غلافه ووضع اسمه بديلاً عن اسم مؤلفه أو مؤلفيه، أو أن موظفاً سرق ممتلكات مادية للجامعة؟!

4) ما هي معايير التَّبَيُّن و التبيين والتبيان عما إذا كانت الإساءة تلميحاً أو تصريحاً؟! وهل هناك ما يؤكد يقيناً أن تلميحاً ما بالإساءة إنما هو تلميح يقيني بالإساءة إلى الجامعة فيما هو موجه بالأصل إلى غيرها؟!

5) ألا يعني منطوق هذا القرار تكميم الأفواه وحظر النقد وانتهاك حرية الكلام والتعبير عن الرأي والامتناع عن التحسين والتصحيح والتجويد، مع إطلاق العنان للمديح الكاذب غير المسؤول والخداع والتزوير والنفاق والكذب وتجميل القبح بدلاً من نقده ورفضه ومحاربته؟!

6) ألا تفهم إدارة الجامعة أن "الإساءة إلى الجامعة أو المؤسسة أو مكان العمل إنما هو أمر من الأصل محرم ومجرم ومحظور، إذ يعاقب عليه القانون الأساسي الفلسطيني كما يعاقب عليه قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، الأمر الذي يضيف مسوغاً جديداً بأن قرار مجلس الجامعة قد جاء في غير محله، فضلاً عن أنه قد تم اتخاذه لأسباب أخرى غير تلك التي أعلن في القرار عنها؟!

7) وألا تعلم إدارة الجامعة أن الإساءة إلى الجامعة أو المؤسسة أو مكان العمل غير مسموح بها، بل هي (أي الإساءة) مُحَّرمة ومُجَرَّمة دائماً، سواء وقعت الإساءة في وقت العمل الرسمي أو خارجه؟!

8) هل ناقش مجلس الجامعة القرار المشار إليه فعلاً، أم أن القرار جاء إليه (مُعلباً!) فما كان له إلا أن يوافق عليه؟!

9) هل يدلنا مجلس الجامعة الذي أصدر هذا القرار بالحظر والعقوبة المرتبطة بالحظر على المعيار الذي حددت على أساسه ثلاثة أنواع من العقوبة؟! وهل يدلنا أيضاً على المعيار الذي سيتم استخدامه لإثبات المخالفة على نحو قطعي ويقيني وبات عند من اقترف المخالفة؟!

10) هل اطلع مجلس الجامعة – الذي بصم على هذا القرار (المعلب!) - على نظام العقوبات؟! وهل يفهم مجلس الجامعة – نظرياً وعملياً - أنه "لا عقوبة إلا بإدانة وأنه لا إدانة إلا بتحقيق"؟! وألا يفهم مجلس الجامعة – بناء على ذلك - أنه لا مجال لإيقاع عقوبة على أحد إلا إذا تمت إدانته وأنه لا مجال لإدانة أحد إلا بالتحقيق معه؟! وزيادة على ما سبق، فهل يعلم مجلس الجامعة أنه لا يجوز إيقاع أي عقوبة إلا إذا كانت مدرجة من بين العقوبات المحددة في نظام الجزاءات؟!

11) وارتباطاً بالبند السابق، فإننا نتساءل: إذا كان مجلس الجامعة قد أمر في قراره المشار إليه أنفاً بإيقاع عقوبة تدرجت من:

1) التنبيه مع خصم يوم عمل/ إلى

2) لفت النظر مع خصم يومي عمل/ إلى

3) الإنذار مع خصم ثلاثة أيام عمل، فما هي العقوبة بعد ذلك؟!

12) وهل يرى مجلس الجامعة رأي اليقين أنه بعد تلك العقوبة التي كان سقفها الإنذار مع خصم ثلاثة أيام عمل أن أحداً لن يخالف أو يجرؤ على أن يخالف بعد ذلك؟!! وعليه، ألا يرى مجلس الجامعة أنه لا بد من عقوبات أخرى تعلو وتفوق ما انبرى في سنة من عقوبات، خلافاً للقانون؟!!

13) ألا تفهم إدارة الجامعة أن قرارها "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي" قد جاء في عصر أصبح فيه "التواصل الاجتماعي" واحداً من أبرز عناوين هذا العصر وسماته، الأمر الذي يعني أنها أتت على تصرف يؤخذ حجة عليها لا كسباً لها، ذلك أن هذا الحظر في هذا العصر، إنما هو اعتراف يقيني منها بأخطائها وخطاياها التي تؤكد على إصرارها في أنها لا تريد إصلاحها، ذلك أنها لو أرادت إصلاحها لتركت العاملين يقولون ما يشاءون حتى وإن قالوا في حق الجامعة سوءاً أو كذباً أو تضليلاً راجَعَتْهم فيه وقومت اعوجاج نظرتهم عنه لتصبح الجامعة واحة للفكر والرأي والثقافة والتعبير!!!

وبعد، فإذا كانت نقابة العاملين – كما نراها - لا يستنهضها ولا يحرك ساكناً فيها حدث مهما بلغ من انتهاك الحق الإنساني لحقوق العاملين مبلغه، حتى ولو وقع الانتهاك على أبسط الحقوق الإنسانية، وهو الحق في الكلام... الحق في أن يكون لمجتمع الجامعة رأي يبوح به ويعبر عنه... الحق في أن يتحرك بالرأي الذي لديه لسانه وشفتاه، أو أن ترسمه ريشته، أو أن يخطه قلمه، فما الذي يجعلها وما الذي يبقيها- وهي ساكنة صامتة ساكتة- نقابة، لا سيما وإن أبسط حقوق المنتسبين إليها ها هي على هذا النحو الصارخ والفاضح يجري انتهاكها، فيما تبقى صمت الموات صامتة ؟!

أما آخر الكلام، فإننا إذ نرى وندرك ونعي ونعرف أن هناك من يصر على النجاح والتفوق والتميز، وأن هناك أيضاً من يصر على السقوط، وعلى الاستمرار في التمسك بإرادة السقوط عبر استخدام آليات السقوط وأدواته واعتماد منهجه وتعبيد دروبه، لنود أن نعبر عن دهشتنا واستنكارنا فنتساءل:

" ألم يَجُل في عقل أو خاطر صاحب القرار - الذي ظن أنه تذاكى في قراره – أن يخرج نفسه ومن انزلق معه من زقاق السطحية وعتمة الخداع والفهلوة إلى دروب الضوء الواسعة الفسيحة وواحات الصراحة والوضوح والمباشرة، فيعيد صياغة قراره مضيفاً كلمتين ثنتين هما:"بالمدح أو القدح" ليصبح القرار على النحو الآتي: "حظر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالتلميح أو التصريح، بالمدح أو القدح، سواء في أوقات الدوام الرسمي أو خارجها"؟!

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة