بيرزيت... درس للجميع من الجميع

بقلم: عدنان الصباح

انتخابات جامعة بيرزيت درس من الشعب الذي تمثله الجامعة بطلبتها المنحدرين من كل المناطق والطبقات والانتماءات, فجامعة بيرزيت كانت ولا تزال باروميتر القياس الفلسطيني وهي قدمت ولا زالت النموذج الأفضل في ذلك وبعكس الجميع سأذهب بالدروس عكسية فدرسنا الأول ما قالته بيرزيت للفصائل التي لم يحالفها الحظ حسب تعبير لاعبي القمار عن الفشل فبعض هذه القوى مر على ظهورها ما يقارب القرن كحزب الشعب ولا احد يمكنه ان ينكر التاريخ الكفاحي العظيم لهذا الحزب على مر العقود وحين لم يكن هناك احد يصرخ باسم فلسطين كان الطلائعيين الأوائل للحزب الشيوعي الفلسطيني وعصبة التحرر الوطني مع سائر أبناء شعبهم يكافحون بعناد وصلابة في سبيل حرية بلادنا وشعبنا وسجلوا للتاريخ ملاحم بطولية لا يبدو أبدا أن الأحفاد والأبناء قد تمكنوا من الاحتفاظ بها عداك عن تطويرها ولو نبش حزب الشعب اليوم دفاتر عضويته لوجد انه دخل كل بيت فلسطيني على الإطلاق فمن الذي أخرجه إذن من هناك ولماذا لم يسال وهل نتائج بيرزيت وغيرها ستعيده الى مفكات البحث عن اسباب وهل ستفعل ذلك ايضا الجبهة الديمقراطية التي قد لا يمر يوم من أيام العام دون أن تفتح صفحات أجندتها عن ذكرى شهيد أو أكثر سقط على درب الحرية للوطن والشعب فأين ذهب هؤلاء وأين ذهب معهم كل تاريخهم ومن المسئول عن ذلك ومن الذي حشر الجبهة الديمقراطية في زاوية الفشل هذه ومنهم سنجد حزبين آخرين هما المبادرة وفدا قدما رؤى جديدة في سياق مسيرة الوطن والشعب قامت على أعمدة بناء جديدة نظريا وقدموا للشعب أحلام عن قوى ديمقراطية في البناء والسلوك فلماذا أخفقت وشعبنا أحوج ما يكون لمثل هذه الشعارات وفي أية أدراج نامت برامجهم ورؤاهم وتطلعاتهم وأحلامهم ولماذا شقوا عصا الطاعة عن جذورهم إذا كانوا سيصلون إلى هنا فلا هم تقدموا ولا الجذور ظلت صامدة فكل ما فعلوه أنهم قسموا المقسم وجزئوا المجزأ فلا هم ابقوا على مكانة الأصل ولا صنعوا بديلا يمكنه أن يباهي العالم بما لديه من برامج ظلت ولا زالت حبرا على ورق لم يصل على ما يبدو لأيادي الصبايا والشباب في الجامعة فماذا كانوا يفعلون إذن طوال العام وأين كانوا من برامجهم ورؤاهم التي أعلنوها وشقوا عصا الطاعة في سبيلها.
الجبهة الشعبية وحدها تخطت حدود الهزيمة بأقل بكثير مما تستحق جبهة الحكيم الأمين العام والمؤسس الذي قدي كون الوحيد على مستوى الأرض من قدم استقالته حيا وواصل نضاله بعيدا عن المناصب ضاربا مثلا لم يحتذى من احد حتى الآن وجبهة أبو علي مصطفى الذي تنحني لذكراه كل فلسطين والشهيد الذي اختلط رأسه مع تراب الوطن من شدة قهر الأعداء منه فاغتالوه برأسه وجبهة سعدات الذي عاش معظم سنوات عمره مطاردا ومعتقلا ولا زال ضاربا المثل بالقامات التي لا تنحني أبدا وجبهة غسان كنفاني الذي باتت كلماته بلسم وشعار كل فلسطيني حتى نسي الشعب إلى أي فصيل انتمى هذا الرجل والقائمة تطول وتطول وتطول فهل حفظ الأبناء تراثهم العظيم هذا وهل قدموه للشعب وواصلوا الطريق صعودا كما بدأ الأوائل أم أنهم استكانوا ونسوا واكتفوا بالحكايات البعيدة يروونها لأنفسهم فهي الجبهة التي كانت يوما لا تغيب عنها الشمس وهي الجبهة التي كانت بيرزيت قلعتها الحصينة فهل ستقرأ درسها جديا بعد اليوم وهل ستعيد أبوابها لكل مناضليها الذين يبكونها يوميا من خارجها وهي إن فعلت فلن تجد على الطرقات أماكن ليجلسوا عليها لكثرتهم.
هؤلاء جميعا وغيرهم مما يفتحون أبوابهم إلى جهة اليسار دون أن يجدوا للأبواب بابا واحدا يصلها ببعض أما آن لهم أن يدركوا أن تعداد الأبواب لا يصنع إلا التيه وان وحدة أبوابهم ستدفع بكل الغائبين لإعلان التوبة والعودة وان حقهم في المقاعد معا لا يمكن له أن يكون اقل من الثلث في أسوأ الأحوال وهو ما يحتاجه شعبنا وبلادنا وقضيتنا لاستعادة الطريق القويم ومنع أية مآسي لا يجد شعبنا اليوم آليات لتحقيقها لانعدام بوصلة هادية قادرة على دفع الجميع إلى طريق الهداية تحت راية الوطن الواحدة.
في عام 1995 حصلت قوى اليسار على 12 مقعد وفي عام 2014 حصلوا على 8 مقاعد لتنحسر في هذا العام على مقاعد الجبهة الشعبية الخمسة فقط وليضيع الباقين بفرقتهم وغضب جمهورهم ما لا يقل عن مقعدين.
أما فتح فان دسها الأقسى لا يختلف عليه اثنان من شعبنا فهي التي ظلت لعقود تتقدم كل الصفوف وراح أبنائها وبحق لا يفصلون بين الفلسطيني والفتحاوي فكل ما هو غي منتظم في صفوف حزب أو فصيل كان يعتبر فتحاويا وكادوا أن يقولوا للغيم امطر حيث شئت فالمطر الفلسطيني على وجه الأرض لنا.
منذ أوسلو بدأت حماس تنازعهم المكانة في جامعة بيرزيت وغيرها وظلت الأمور وحتى اليوم تراوح مكانها بالفارق البسيط من مقعد إلى سبعة مقاعد ولم تحاول فتح حتى يومنا الخروج من القمقم الذي وضعت نفسها فيه رغم إدراكها لسبب ما تعيشه من تراجع جعل منها الفصيل الثاني في الكثير من الأحيان وهي مع ذلك لا زالت تدير ظهرها لهذه الدروس والتي كان أخطرها وأقساها درس الانتخابات التشريعية التي عاقبها فيه الشعب اشد عقاب وإذا لم تحاول فتح بعد كل هذه الدروس من فتح قلبها لمبضع الجراح يعيد ترتيب شرايينها جيدا ليستقيم أدائها مع إرادة الشعب فان الدروس القادمة قد تكون أقسى.
بقي أن نقول لحماس إن المبروك الكبيرة التي تستحقونها والثقة العظيمة التي لا زال الشعب يعطيها لكم في كل مكان بما يستحق تاريخكم وكفاحكم إلا أنها يجب أن لا تبعد أعينكم عن حقيقة ما جرى لفتح فشعبنا لا يرحم من يحيد عن الدرب ولقد ظللتم النموذج الذي يقدمه شعبنا الصفوف ليلقن به الجميع درسا حقيقيا عن كيف يكافئ الشعب قيادته حين تصدقه وكيف يؤدبها حين تحيد عن دربه في نفس الوقت فلا تفعلوا انتم ذلك يوما فان الشعب لا يرحم وعليكم أن تتعلموا من فتح أن معرفة الحقيقة قبل فوات الأوان أفضل ألف مرة من عدم معرفتها فتعلموا من فتح التي قبلت بالانتخابات ولو بالخسارة وافعلوا ذلك في غزة لتعرفوا الحقيقة هناك كيف ستكون قبل فوات الأوان وكي لا تفاجئكم الأيام بما لا تعرفون وقبل فوات الأوان, والدرس الثاني الضروري لحماس أيضا أن عليهم أن يدركوا أن شعبنا لا زال يؤمن بالمقاومة وبالسلوك الصحيح وبالفعل الطيب والاستقامة والنزاهة على الأرض وبالخطاب النزيه والأخلاقي والمقاوم وهو بالتأكيد يريد لذلك أن يكون سلوكا دائما متناميا لا يتراجع تحت أي ظرف وفي أي وقت ولأي سبب وأن لا يتحول إلى محض شعارات وخطابات بعيدة عن المضمون والممارسة الفعلية على الأرض, و وتذكروا جيدا أنه ومنذ العام 1995 وحتى اليوم فان الفارق بينكم وبين فتح ظل يراوح مكانه من مقعد واحد إلى سبعة مقاعد ولو قرأتم جيدا نتائج الانتخابات على طول الأعوام منذ 1995 حتى اليوم لرأيتم أن هذه المقاعد السبعة إما أن جزء منها كان يذهب إلى الجهاد الإسلامي حين تشارك بالانتخابات أو لكم أو تعود لفتح حين لا يرضى الناخب عن أدائكم, ولو أمعنتم جميعا النظر في هذه المقاعد فهي في حقيقتها ما كانت لليسار في العام 1995 حيث حصلوا على 12 مقعد وهم هنا من الواضح أنهم المعاقبين الحقيقيين وان أصحاب هذه المقاعد لا زالوا مصرين على الانتقال بينكم وبين فتح دون كلل أو ملل ولسبب بسيط هو غياب البديل القادر على استقطابهم واستقطاب غيرهم وهو إن حدث فان الأمر لن يكون كما تتمنون, في عام 1995 كانت فتح في المقدمة بثلاث مقاعد عنكم وفي عام 1996 تقدمتم عليها بستة مقاعد, في عام 1997 عادت للتقدم عنكم بمقعدين وفي عام 1998 تقدمتم انتم بمقعد واحد وفي العام 1999 واصلتم التقدم بأربعة مقاعد وفي العام 2000 تراجع التقدم إلى مقعدين وفي العام 2003 ارتفع تقدمكم إلى خمسة مقاعد ليتراجع في العام الذي تلاه اقل من فتح بمقعد واحد وفي العام الماضي تقدمتم بسبعة مقاعد تقلصوا إلى أربعة في هذا العام وفي العام الماضي سلمكم الطلبة مفاتيح المجلس كاملة بفارق صوت واحد وسحبه منكم هذا العام, وهكذا تقدم يليه تراجع وتراجع يليه تقدم وبنفس المستوى تقريبا بما يعني أن الأمور لم تشكل انقلابا حقيقيا كاملا وان مكانة فتح رغم كل شيء لم تنهار وان أي توحيد بسيط لقوى اليسار وأي تحسن في أدائهم سيعيد لهم جزء منهم من هذه المقاعد وأي تراجع في أدائكم قد يجعلكم عرضة للعقاب من ناخبيكم وبالتالي لتأنيب الذات كما يفعل الآخرين اليوم وان لم تقرؤوا جيدا كل التذبذبات في الأرقام على حقيقتها وتعلمون أن الطريق ليست حكرا على احد فان الدرب قد لا يبقى طوع أياديكم كما هو الحال في يومنا هذا فتعلموا من نزول من تربع على القمة عقودا كي لا تفقدوا قمتكم يوما.
انتخابات هذا العام 2016 درس للجميع وفرصة ذهبية للجميع فهو درس قاسي يقول إن شعبنا الفلسطيني لا يسلم رأسه طواعية لأحد إلى الأبد وان شعبنا قادر على إعادة تلقين الدروس لمن يستحقها وان على من فشلوا أن لا يبحثوا عن تبريرات سخيفة لا تسمن ولا تغني أحدا من أمثال حكايات الرشوة والمال السياسي فلا احد يستطيع رشوة شعب بأسره أيا كانت قدراته وإمكانياته بل عليهم أن يفتحوا خزائنهم المغلقة ويعيدوا قراءة أدائهم في ضوء الشمس وعلى مرأى ومسمع من الكل ذلك أن الدرس القاسي الذي تلقيتموه ولا زلتم منذ سنوات قد آن له أن يثمر مرة واحدة بوحدتكم لعلكم تشكلون حجر زاوية حقيقي فاعل قادر على جلب الأفضل لشعبنا في كل المواقع ومنها الجامعات والدرس الأوضح لفتح وحماس معا فلا غالب حقيقي ثابت فالأمر لا زال بينكم فلا تضيعوا الفرصة فلا زال شعبنا مستعد لقبول الأداء الأفضل والأصدق والأكثر استقامة ونزاهة ولكنه لا يغفر ولا ينسى ولا يقبل بحكاية كنا وكانوا فهو يحاسب في كل ساعة عن ساعتها فلا يركنن احد على ما كان فالدرب طويل والشعوب ولادة وقادرة على صناعة المعجزات ومن صوت يوما لياسر عرفات وأبو جهاد أو لأحمد ياسين والرنتيسي ليس مجبرا على التصويت لمن لم يحفظ وصاياهم فعلا لا قولا فارفعوا بنيانكم أكثر واخفضوا أسواركم أكثر ودعوا عيون شعبكم تطل على ما هو أبهى وأجمل داخل شموخكم الحقيقي بالفعل والسلوك والأداء في كل المواقع وفي كل الحالات عندها سيكون الشعب مع من سيفعل ذلك حقا وعلى الأرض وبلا تراجع.

بقلم
عدنان الصباح