تقييم مناسبة اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية

بقلم: عباس الجمعة

نعم لم يكن اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية يوما عادياً في تاريخ الشعب الفلسطيني ، حيث شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، على الساحة الفلسطينية وداخل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والنضالي أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخا مشرقا ، حافلا بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات الجريئة النوعية ، وقدمت خلال مسيرتها العريقة آلاف الشهداء والجرحى والأسرى في كافة الميادين والأزمنة والمواقع.

نعم اثبتت جبهة التحرير الفلسطينية بيومها الوطني انها قادرة على تجاوز كل المحن والعقبات التي تصادفها بمسيرتها، وهذا لم يأت عن الطريق الصدفة، وانما نتيجة لرؤية واضحة لمسيرة مليئة بالتحديات والصعاب، ونتيجة للمواقف المبدئية التي تمسكت بها الجبهة على طول هذه المسيرة، فعندما حددت معسكر الاعداء المكون من الصهيونية وكيانها والامبريالية العالمية والرجعية العربية، كانت تدرك جازمة ان لكل طرف من هذا المعسكر دورا اساسيا معاديا للثورة واهدافها التحررية، وعندما تطرقت بادبياتها الى هذه الرؤية وحددت دورها وفكرها في مسيرة الثورة الفلسطينية ومسيرة التحرير، اكدت المرحلة على صوابية هذا الطرح وهذه الرؤية، فهناك الكثيرون من الذين كتبوا ويكتبوا وما زالوا عن هذا التنظيم، ليس بالضرورة تخصيص هذا المقال بالنقد الايجابي او السلبي لمواقفها، حيث الفكرة التي ساورتني في مقالي ودراسة السابقة جبهة التحرير الفلسطينية مسيرة شائكة ، اردت ان اسلط الضوء على جانب مهم تمر بها الجبهة بالمرحلة الحالية، وطبيعة تكوينها من اجل الحفاظ على ادبيات الجبهة باعتبارها جزءا من القوى الديمقراطية الفلسطينية، وبالاخص عندما تشتد الهجمة ضدها للاقتناص والمساس بمبادئ التنظيم ومواقفه، وتاريخها اثبت صلابة وحدتها الفكرية والتنظيمية، التي اكدت عليها بادبياتها الداخلية.

جبهة التحرير الفلسطينية لم تواجه بمسيرتها ازمات فقط، انما واجهت ايضا محاولات للمساس بمواقفها ومبادئها وسمعتها النضالية، بهدف النيل من دورها المبدئي المدافع عن الثوابت والحقوق الفلسطينية، وتناسوا انه تنظيم مقاوم ويقدم افضل مناضليه دفاعا عن الارض والوطن والمقدسات، واجهت الجبهة حملات تحريضية واسعة لمحاصرتها ومنعها من اداء دورها الطليعي بتعبئة الجماهير وزجها بمعركتها دفاعا عن حقوقها، وقد تمكنت الجبهة من خلال رفاقها وانصارها الذين يتمتعون بالوعي والارادة والصلابة من هزيمة ودحر كل هذه المحاولات، وتمكنت الجبهة بكل الاساليب الديمقراطية التغلب على هذه العقبة ، ايمانا منها بحرية الرأي والتعبير والتنظيم، فاثبتت بانها التنظيم الذي يغلب المصلحة الوطنية على المصلحة التنظيمية، وها هي تقف قوية شامخة مغروزة بالارض بقيادة امينها العام الدكتور واصل ابو يوسف يعصى على كل من يحاول المساس بها ان ينال منها، وهذا لم يأت من فراغ وانما نتيجة وعي وحكمة قيادتها وكوادرها وقاعدتها وانصارها، رغم اننا نأمل أن نراها كما عرفناها ، وكما يفترض أن تكون ، فاعلة ومؤثرة ، ناشطة وقوية وأن تساهم مع باقي الفصائل الفلسطينية بفاعلية أكثر لإستعادة وحدة الشعب الفلسطيني ، وفي الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني على طريق تحقيق أهداف شعبنا المشروعة ، ونأمل أن تنهض بمستواها وحضورها وتأثيرها ، وأن نراها كما أرادها الشهيد الامين العام القائد ابو العباس ورفاقه الامناء العامون طلعت يعقوب وابو احمد حلب وأن يكون مستقبلها كما رسمه فؤاد زيدان وحفظي قاسم وسعيد اليوسف وابو العز ، وكما حلمت به كل قيادة ومناضلي الجبهة.

اعتقد انه اليوم آن الآوان ان نقف بكل صراحة وجراءة لنقول ان من يطلقون على نفسهم تسميات ،يجب التوقف امامها ، فكفى ان تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، هو تاريخ مشارف ،

وقيادتها لم تنزل بالبرشوات كما نزل البعض عليها، لهذا يجب ان تقوم بعملية مراجعة شاملة، لأن البعض الذين يطلقون تسميات على انفسهم ، ويحاولون العمل على الغاء دور رفاقهم من خلال تولي العديد من المهام في اطر مؤسسات وطنية ، وهم لا يجيدوا سوى النقد ، وكأن الجبهة اصبحت ملكا لهم ، اصبح الامر يتطلب وقفة حقيقية لاعادة تعزيز دور الجبهة في كل اوجه وميادين العمل التنظيمية والكفاحية والجماهيرية والشعبية،وأن تكون هناك حلول لمعضلات الجبهة ومشاكلها، وهذا يستدعي ضخ دماء جديدة في قيادة الجبهة وإفساح المجال لظهور قيادات شابة، لتعمل على حل المشاكل الفلسطينية ، وفي مقدمتها إنهاء الانقسام الفلسطيني، وهذا الموقف يأتي حرصاً منا على تجسيداً للديمقراطية والتجدد الذي يحمي مسيرة الجبهة والثورة وراية فلسطين والتقدم والعدالة الاجتماعية، لذلك نقول على الرغم من كل ذلك،ما زالت الجبهة تشكل صمام أمان لحقوق شعبنا وثوابته الوطنية،وما زالت تواصل مسيرتها الكفاحية والنضالية،وأيضاً لم تتخلى عن دورها تجاه شعبنا وجماهيرنا،من حيث همومها اليومية وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية وقضايا صون الحريات والتعددية الحزبية والحق في التعبير وعدم التعدي على الكرامات وانتهاك الحريات الشخصية ومحاربة نزعات التفرقة ودعاة التكفير والتخوين والتفريط...الخ.

فجبهة التحرير الفلسطينية منارة الثوريين ومقصدهم وخصوصاً أنها حملت في ثنايا برنامجها السياسي معظم الإجابات على أسئلة المصير الفلسطيني والعربي وكيفية تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية واستعادة حقوقه المشروعة، كما رسمت بأوضح ما يكون صورة فلسطين الديمقراطية كجزء من مجتمع عربي ، وبهذا كانت الجبهة الفصيل الفلسطيني والعربي الأكثر ملائمة وتعبيراً لقوى اليسار والقوميين العرب على حد سواء.

وهنا اتوقف لأقول للجميع ان الشهيد القائد الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وصفه الزعيم الفلسطيني الرئيس الرمز ياسر عرفات بالمقاتل الشرس ، لأن جبهة التحرير تميزت عن غيرها من الفصائل الفلسطينية بأمرين بارزين أحدهما في المجال السياسي ويتعلق بالعمل العربي المشترك، بمعنى ترابط النضال الوطني مع القومي وبالتالي لا غضاضة في إبداء الرأي بل والمشاركة والتعاون مع أحزاب ومنظمات عربية تحمل ذات الأهداف حتى لو أغضب هذا أنظمة عربية بعينها، وقد أوضحت تداعيات تلك الميزة نفسها وتجلت في العديد من الصعوبات والعقوبات التي تعرضت لها الجبهة ، أما الأمر الثاني الذي ميز الجبهة فكان في إطار الأساليب النضالية والكفاحية التي حددها برنامج الجبهة التنظيمي والعسكري الذي رفعت فيه شعار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ما اخذ بالقوة لا يسترد بعير القوة فاطلقت على عملية نهاريا عملية الشهيد القائد جمال عبد الناصر ، ومارست الجبهة أشكالاً متعددة وأساليب متنوعة ، وقد دفعت جبهة التحرير الفلسطينية ثمناً غالياً من دماء أبنائها وشهدائها الأبرار لتطبيق هذا الشعار، فكان اعتقال الامين العام القائد الشهيد ابو العباس واغتياله بعد عام في معتقلات الصهيو امريكي في العراق .

ختاما : لا بد من القول نقول ان تقييمنا اليوم ينطلق بأن هذه المناسبة الوطنية العظيمة تعيد إلى الأذهان صورة فصيل قدم لشعبه وأمته أبطالاً يمثلون قدوة طيبة لجيل لم يعرفهم لكنه يحبهم ويرفع صورهم فوق رأسه، وشهداء لامعين كالشمس في فضاء أمة لازالت تبحث عن طريقة لكسر قيودها واستعادة مجدها الذي أضاعه تفرقنا وانقيادنا وراء زعامات لا تحترم تاريخ أوطانها ولا تضحيات شهدائها، الا ان الشعب الفلسطيني ينظر الى اليوم الوطني من استلهام تاريخ الجبهة وأرواح شهدائها لاستكمال مسيرة النضال على طريق تحرير الارض والانسان، ولكن سيكون لنا وقفة امام واقع الجبهة في مقال اخر .

بقلم/ عباس الجمعة