أسابيع من شد الأعصاب و الترقب والمعاناة لألاف الأسر في غزة المتضررة من قرار إسرائيل وقف إدخال مادة الإسمنت لعملية إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في عدوانها المتواصل على قطاع غزة في تعقيد جديد على آلية لإدخال مواد البناء هي في حد ذاتها
آلية معقدة وتنتهك الحقوق الإنسانية للفلسطينيين كبشر وتجعل عملية إعادة الإعمار أكثر تعقيداً بل شبه مستجيلة .
بعد أسابيع من شد الأعصاب والترقب والمعااناة يخرج لنا المسؤولون الفلسطينيون في القطاع العام والخاص بزفوا بشارة نجاح جهودهم الخيرة وضغوطهم القوية على " الجانب الإسرائيلي " بحيث رفع المنع و قرر إعادة إدخال الإسمنت " بنفس الآلية السابقة " لا حظوا معي " " بنفس الآلية السابقة" كمن يبشر الناس ببشرى سارة وكأن الآلية السابقة أصبحت محدد الجهود والضغوط والسقف السياسي و المطلبي للمسؤوليين الفلسطينيين ...
هذه الحالة تجعلني أعود للوراء ربع قرن من الزمان لتلك الفترة التى كنا فيها معتقلين في معتقل النقب الصحراوي ... كنا شباب لم تصل أعمارنا العشرين عاماً من العمر والخبرة ولكننا كنا نمتلك إرادة وعزيمة إصرار وقضية نتسابق للتضحية من أجلها ,, وكنا نمتلك إرث من التجربة الثورية والنضالية داخل المعتقلات أو خارجها إنتقل لنا برسالة حملها جيل بعد جيل .
بهذه الروح والتجربة كنا نفاوض الإحتلال في إدارة المعتقل المتسلحة بالقمع والمكر والغاز المسيل للدموع والرصاص والدبابات ...
كنا نقاوم سياسات المحتل بعنادنا وتضحياتنا وأمعائنا الخاوية ألم الجوع ولا مرارة الركوع والخنوع ... لا نساوم على حقوقنا وكرامتنا .
كنا كتلة صلبة متماسكة لا تمايز بيننا ولا إمتيازات ، من كان يقود ويفاوض المحتل هو نفس الذي يشارك باقي المعتقلين " برشهم " وطعامهم المتواضع و خيمتهم ، يرتدي نفس ملابسهم ويأكل من نفس أكلهم , يفرح معهم ويتألم معهم ، لا يتميز عنهم عنهم سوى بتحمل حجم من المسؤولية أكبر و التضحية أكثر وخدمتهم.
في هذا الواقع كان من البديهيات التفاوضية مع المحتل بأن إدارة المعتقل عندما تستشعر بقرب قيامنا بخطوة نضالية مطلبية إحتجاجية للمطالبة بتحسين ظروفنا الإعتقالية كانت تلك الإدارة تقوم بخطوات إستباقية بحيث تسحب كافة الإمتيازات القليلة التي كانت تعطيها للمعتقلين وهي من المتواضعات المعيشية ولكنا كانت تعتبر أشياء كبيرة بالنسبة المعتقلين في ذلك الواقع من الحرمان و الضغط الذي تفرضه إدارة الإحتلال .
وكان لنا تكتيك بديهي أمام هذا التكتيك التفاوضى للمحتل نرفع سقفنا التفاوضي ونحدد أولوياتنا بحيث يكون الحد الأدني من مطالبنا يتجاوز الحد الذي كان فيه واقعنا قبل القيام بأي خطوة نضالية بمعنى لا مفاوضات على العودة للوضع السابق وإلا تكون كل التضحية التي دفعناها ذهبت أدراج الرياح .بلا ثمن ..
هذه المواقف والتجربة تستحضرني وأنا أطالع البشائر التي يزفها لنا المسؤولون بخصوص سماح " الجانب الإسرائيلي" إدخال الإسمنت لقطاع غزة بنفس الآلية السابقة ، وكآن الآلية السابقة أصبحت محدد وسقف لمفاوضات المسؤولين ، وليس فيها من الظلم وإمتهان حقوق الإنسان و التعقيد ما فيها .
لا غرابة في الأمر فقد ذهب الزمان الذي كان فيه من يفاوض المحتل هو نفس الذي يشارك باقي المعتقلين " برشهم " وطعامهم المتواضع و خيمتهم ، يرتدي نفس ملابسهم ويأكل من نفس أكلهم , يفرح معهم ويتألم معهم ، لا يتميز عنهم عنهم سوى سوى بتحمل حجم المسؤولية أكبر و التضحية أكثر وخدمتهم والسهر على رعايتهم .
بقلم : حسن حسين الوالي - غزة فلسطين