مناسبة الاول من أيار انطبعت عند أجيال متعاقبة من العمال

بقلم: عباس الجمعة

تحتفل شعوب العالم من دون استثناء بيوم الأول من ايار عيد الطبقة العاملة في كل مكان.. بحسب ما تحتفي بهذا اليوم المقدس طبقة البروليتاريا الأممية على وجه البسيطة، حيث تنحني فيه الهامات إجلالا لتضحيات أولئك العاملين الكادحين الذين أقيمت على أكتافهم ركائز العملية التنموية بإبداعاتهم وعطاءاتهم ودعائم المنظومة الاقتصادية والاجتماعية بعقولهم ونضالاتهم ومحاور النهضة الإنتاجية والإبداعية بسواعدهم وعرقهم حتى نسج هؤلاء المناضلون أعظم الملاحم البطولية والمبدئية، تجسيدا لرسالتهم المبدئية والأخلاقية التي حملوها في عقولهم وقلوبهم، وناضلوا من أجلها بأشجع المواقف ضد الظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي وفي مواجهة جشع الرأسمالية البشعة والقائمة على فائض القيمة وتلك الأرباح الخيالية الطائلة. ولعل هذا التاريخ قد دون ما بين صفحاته المضيئة يوم الأول من ايار بأحرف من نور ، هذا اليوم ودلالاته قد أعطى تجسيدا حيويا لأعظم انتفاضة عمالية سطر أبطالها من العمال والنقابيين بدمائهم وتضحياتهم وشهدائهم ، وهجها مضيئا انتصرت على مافيا الرأسمالية الطائلة في انتزاع حقوقها العمالية والنقابية والإنتاجية والاجتماعية من رأسمالية الدولة الاحتكارية والمتمثلة في الكارتيلات والتروستات.

ولهذا نرى ان ما يعانيه عمال فلسطين بمواجهة الاحتلال والفقر، هؤلاء العمال هم وقود هذا الوطن وجذوة التغيير، يتطلب من الجميع الانتصار للطبقة العاملة لان هذه الطبقة ستبقى وقود الوطن وجذوة التغيير الحقيقي، وشعلة الكفاح، وهي تقدم التضحيات مما يستدعي وقفة وفاء وإخلاص لها وإعطائها قيمتها الحقيقية، باعتبارهم جزء أساسي ومكون من القضية الفلسطينية، واعطاءها حقوقها ، في العمل والضمان الصحي والاجتماعي وفي إعادة بناء تنظيمهم النقابي الموحد وإقرار تشكيل صندوق العمل والتشغيل وصندوق التكافل الاجتماعي وتنظيم آليات الدعم المتواصل لهم، التي تضمن المساواة العادلة بين العاملين والعاملات، وإقرار حد أدنى للأجور، وتوفير شروط الصحة والسلامة وصولا لضمان حياة حرة كريمة للعمال عن طريق تعزيز وحدتهم ونضالهم الوطني والاجتماعي على قاعدة أن ضمان الحقوق الاجتماعية والديمقراطية هو ضمان للحقوق الوطنية.

أن صمود الشعب الفلسطيني لم يكن يوما بضاعة تجارية تشترى بالأموال، حيث اكد هذا الشعب العظيم بفضل تضحياته خلال ثمانية وستون عاما من النكبة وقبلها، انه سجل بطولات يومية لم توثق في غالبيتها الساحقة، ولم تجد من يوثقها، ونحن هنا نتطلع الى استمرار تلك الأجيال التي حملت المشروع الذي يواجه عقلية النكبة، ونرفض خصخصة النضال، وخاصة ان شعب فلسطين المناضل هو أحد هذه الشعوب المناضلة الذي يواجه بلحمه الحي جبروت الاحتلال الصهيوني الغاشم ، حيث ارتكب بحق الطبقة العاملة العديد من المجازر على ارض فلسطين ، بينما الطبقه العمالية تحاول انتزاع المكتسبات النقابية والعمالية بتضحيات مؤسساتها المدنية والشعبية وفي مقدمتها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أهم تلك المكتسبات ، حيث تحتفل بهذا اليوم العظيم بما يليق بنضالات الطبقة العاملة واستمرار نضالها من خلال الانتفاضة الباسلة على ارض فلسطين التي ترسم بدماء شهدائها خارطة الوطن والتضامن مع اسرى الحرية خاصة.

ان ما تعانيه الطبقة العاملة الفلسطينية من قمع واضطهاد يصل حد الإذلال وامتهان الكرامة من قبل قوات الاحتلال،والحديث هنا ذو شجون يدمي القلب ويدمع العيون،حيث يضطر الكثير من عمالنا في سبيل لقمة العيش أن يسكتوا عن الكثير من التجاوزات والإهانات والممارسات من قمع واضطهاد واستغلال وسلب حقوق وتدني أجور،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد،بل كثير من المؤسسات المسماة وطنية تستغل حاجة العمال بعدم توفر فرص عمل لهم في السوق المحلية، وعدم وجود حد أدنى للأجور والحماية من البطالة والفقر،وإمعاناً في استغلال حاجة العمال للعمل ترى الكثير من المؤسسات،وحتى لا يترتب عليها أية التزامات لجهة حقوق العمال من عطل أسبوعية وإجازات سنوية وحوافز ومكآفأت وتقاعد وضمان صحي واجتماعي وغيرها،تلجأ الى تشغيل العمال بعقود مؤقتة أو مياومه أو العمل بالقطعة ،أما عند الحديث عن المرأة العاملة فترى اضطهادا مركباً ومضاعفاً، حيث التميز في أجور العمل وعدد ساعات العمل وطبيعة العمل والحقوق الأخرى من إجازة أمومة ورعاية الأطفال وحقها في إرضاع طفلها في الساعات الدوام وغيرها من الانتهاكات الأخرى المرعبة والمخيفة.

امام هذه الاوضاع الذي يتعرض فيها العمال الى الغبن إلى جانب سياسات القهر الاجتماعي تجاه هذه الشريحة الأساسية في المجتمع، تتواصل الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية على المنطقة في محاولة لفرض مشروع ما يسمى الشرق الاوسط الجديد من خلال تكليف قوى الارهاب المجرمة من عصابات داعش والنصرة وغيرهما بهدف تمزيق شعوبنا على أسس مذهبية واثنية وقبلية بعدما فتح لها الكيان الصهيوني منافذ على الحدود العربية ليضاعف من المعاناة ليس في استهداف لقمة العيش وحسب، بل في الأمن والاستقرار وفي حياة الناس ، وما يجري في مخيم اليرموك من تهديد وجودي وصل الى حد قطع الاعناق من خلال عمليات القتل والمجازر، وهذا الإرهاب الوحشي هو نتاج مؤامرة امبريالية استعمارية صهيونية بهدف الوصول الى شطب حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية .

لا شك أن السياسات التي فرضتها القوى الإمبريالية على المنطقة أوجدت مناخاً مؤاتياً ليس لنهوض قوى الإرهاب فقط بل ولتكوين فرصاً كبيرة للصراع العرقي والديني والطائفي، وهكذا يتضح أن المنطقة العربية في الوقت الذي تعاني فيه من وحشية العدوان الارهابي في أكثر من بلد فإنها تعاني من اتساع حالات الاضطراب الذي يرتبط بالارهاب وينمو في ظله ، لهذا فان الخروج من الوضع الراهن المؤلم والقاسي يتطلب اوسع تحالف شعبي ديمقراطي على الصعيد المحلي في البلدان العربية وعلى الصعيد العربي العام للوقوف بوجه الهجمة الامبريالية الصهيونية ووضع حد للتعبئة التي تدعو الى الصراع الطائفي في المنطقة على أسس كاذبة وغير واقعية واستعادة امكانات التضامن العربي والعمل العربي المشترك.

ان نتاج تراكم تضحيات وكفاح العمال، يجب ان يبقى أولوية تتقدم على كل الأولويات ، ولهذا يجب ان تكون رسالتنا للاول من ايار هو التمسك بكافة اشكال النضال ضد الاحتلال اولا لانها العدو الرئيسي ، ونحن على ثقة بأن قوة الشعب العربي الفلسطيني اليوم بانتفاضته الباسلة التي يقودها شابات وشباب فلسطين هي التي ستحطم الجدار وستهدم المستوطنات وسيتمكن حتما من النصر والتحرير واقامة الدولة الفلسطينية العربية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس, هذا هو نضال الطبقة العاملة من اجل تلبية حقوقها ضد الظلم والاستبداد، من هنا نرى الأحزاب والفصائل والحركات الثورية العمالية باعتباره رمز تحرر وثورة ويشكل حالة انسانية وديمقراطية وثورية.

ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من سياسة تقليصات خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" يأتي في سياق اعتبارات سياسية تصب في اتجاه تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأن "الإجراءات الممنهجة" والمتتالية التي تتبعها الوكالة تسبب في حرمان الأسر من الطبابة والاغاثة والتعليم، وأن حملة التقليصات بحق اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات هي إجراءات سياسية بامتياز، وليس لها علاقة بتبريرات العجز في موازنة المؤسسة الدولية، بل هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالضغوط التي يشنها المجتمع الدولي على الشعب الفلسطيني، من أجل تصفية قضيته والتآمر على حقوق لاجئيه خدمة للاحتلال، وهذا يستدعي خطوات تصعيدية بمواجهة سياسة الوكالة في حال عدم تراجعها عن قرارات التقليص، وتوحيد الرؤية و الجهود و اللغة بمرجعية واحدة و عدم السماح بأخذ التحركات الى غير وجهتها الحقيقية.

ختاما : كنا نتمنى ان نحتفل بإنجازات ونحتفل بمكتسبات ونحتفل بعالم اكثر انسانية واكثر عدالة ، ولكن للأسف الوضع اكثر تشاؤم، في ظل العدد الكبير من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم العربي وخاصة في مخيمات اللجوء الفلسطيني من جيل الشباب ، يعانون من الفقر والحاجة والحرمان ، وتخلف أوضاعهم الصحية ، أو تأخّرهم عن الزواج ، أو عجزهم عن تحمُّل مسؤولية أُسَرِهِم ، و يرجع ذلك إلى إخفاق خطط التنمية الاقتصادية وقوانين العمل في الاقطار العربية، وهذا يتطلب من النقابات ان تقف امام التحدي الكبير و قضية المصير لهؤلاء الشباب ، عليها مواكبة قضاياهم وتفعيل التضامن الحقيقي الفعال معهم ، واستعادة دور النقابات وكلمتها المسلوبة ، من اجل كرامة العمل و العمال ، لما للنقابات من دور تاريخي سيحدد مصير المستقبل و مصير الطبقة العاملة و موقعها في المجتمع ، كما يستدعي ذلك استنهاض كافة القوى الثورية والعمالية لمواجهة كافة الالتفافات الممكنة على حركتها التحررية وقدرتها، وتحصين شعوبها دون السقوط من جديد في التبعية للقوى الامبريالية التي تحاول تدمير حضارتها وتضحياتها في سبيل بناء أوطانها، في محاولة لإعادة الإستعمار والقضاء على أحلامها في الحاضر والمستقبل، وحتى يبقى نضالها من اجل الدفاع عن اوطانها ودعم صمود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعه وحتى تبقى فلسطين هي البوصلة .

بقلم/ عباس الجمعة