بعد فوز نتنياهو بولاية حكم اخري وتشكيل حكومة استيطان بدا واضحا ان امواج التطرف الاسرائيلي وصلت لمستوي مرتفع يهدف لتدمير كل امل في التوصل لحلول سلمية للصراع على اساس الحقوق المتساوية للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي ,وبات واضحا ان اسرائيل تكرس الكثير من سياستها لرعاية هذه الامواج وحتى العمل على ارتفاع مستواها , ولعل ما تنتهجه اسرائيل من تطرف الان يصاحب مع سياسة تنفيذ المشاريع البديلة عن الحلول السلمية وهي حل الصراع من طرف واحد واجبار الفلسطينيين في النهاية على التسليم بسياسة الامر الواقع , وهذا بمثابة سحق لكل مشاريع الحلول السلمية بما فيها حل الدولتين , ليس من باب التطرف فقط تعمل اسرائيل على هذا بل انها اصبحت تنفذ مخطط ما قبل النصف ساعة الاخيرة في الصراع لتحسم امره وتنهي قضاياه قبل اي تدخل دولي وبالطبع لن تجد اي مرحلة مناسبة لهذا اكثر من المرحلة الحالية التي وصل فيها العرب لمرحلة التجاهل العميق لا اهم قضية في قضايا المصير العربي بسبب انشغالهم جميعا وحتى الدول التي مازالت متعافية من وصول ازرع أخطبوط التقسيم والتمزيق ونشر الفوضى السياسية والعبث بوحدة الارض والشعب لتستمر تلك البلدان عشرات السنوات في محاولات بائسة لاستعادة تلك الوحدة .
نتنياهو حدد قبل فترة رؤية اسرائيل لأية حلول او مفاوضات تؤدي الى حلول مع اسرائيل و قال ان المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين هي الاسلوب الوحيد لحل الصراع دون ان يتطرق لأي اسس او مرجعيات او اعتراف بقرارات دولية وشرعية وانكار تام للمبادرة العربية التي استخدم معها العرب كل الاغراءات لتقبلها اسرائيل , ولعل تصريحات نتنياهو تعكس بعض ثوابت حكومته المتطرفة وتعكس خطورة ما تسعي اسرائيل لتنفيذه وحسمه فيما يتعلق بأراض حدود العام 1967 والتي تسميها اسرائيل اراضي يهودا والسامرة وتعكس خطورة الصمت الدولي على تلك المشاريع الاستيطانية و الضم الصامت للأرض والتي ترفع درجة التوتر في المنطقة وتعيدنا الى سيناريوهات الانتفاضة الاولى والثانية وقد يؤدي بالفلسطينيين الى الوصول الى درجة غير مسبوقة من الاحباط السياسي ما يستدعي الموقف انهاء العلاقة بين الشعب المحتل والسلطة الواقعة تحت الاحتلال وسلطة الاحتلال التي لا تريد لهذه السلطة اي سيادة سياسية على الارض سوي السيادة الادارية والامنية فقط.
اليوم كما كان متوقعا جاء رد نتنياهو الرسمي على المبادرة الفرنسية بالرفض التام والقاطع لأنه لا يفضل اي حلول بوساطات دولية غير واشنطن ولا حتى يريد ان يستمع لأي نصائح دولية في هذا الوقت بالذات لان واشنطن تعوضه عن اي نقص يتسبب فيه المجتمع الدولي على خلفية ان اسرائيل دولة احتلال لا تنصاع للقانون الدولي ولا للشرائع الدولية , تأتي المبادرة الفرنسية في وقت نستطيع القول فيه ان كل المبادرات السابقة وطروحات السلام في هذا الاطار ماتت ولم تعد على صالحة من وجهة النظر الاسرائيلية , جاءت الافكار الفرنسية على امل ان يقدم العالم بالتعاون من فرنسا والاتحاد الاوروبي وبعض دول الاقليم الحلول الامنة لهذا الصراع الطويل على اساس القرارات والقوانين الدولية ومرجعيات ومحددات السلام العادل. فرنسا اعلنت على لسان وزير الخارجية الفرنسية (جان مارك ايروليت) عن تحديد موعد لاجتماع وزراء الخارجية للدول المعنية بالأفكار الفرنسية ودعمها وهذا يمثل اول انطلاقة عملية للعمل الدولي المشترك تكون نتائجه تشكيل رسمي لمجموعة الدعم والضغط الدولية نهاية الشهر القادم تموز ,وعندها ستبدأ هذه اللجنة عملها الرسمي في ممارسة الضغط المفترض على طرفي الصراع , ولعل رفض نتنياهو جاء بمفتاح هام لعمل هذه اللجنة لتبدا جولات اتصالاتها من تل ابيب وتحشد كل عناصر الضغط المتاحة لهذا الغرض لتقبل اسرائيل بحضور المؤتمر الدولي القادم و تنصاع للطموح و الرغبة الدولية لحل الصراع باقل التكاليف السياسية.
ولان اسرائيل لا تفضل بل وتخشي الحلول الدولية للصراع اعلنت رفضها للمبادرة الفرنسية وقد تمتنع عن حضور المؤتمر الدولي او استقبال اي من اعضاء لجنة الدعم والمساندة الدولية في هذا الاتجاه لا نها تدرك ان اي حلول دولية لن تعطيها ما سوف تعطيه لنفسها عندما تحل الصراع على طريقتها ,ولان اسرائيل لا تكترث بالقانون الدولي ولا بقرارات الشرعية الدولية ولا تعترف بها فأنها تخشي ان تعتمد هذه الحلول تلك المرجعيات اساس للحل القادم وتعترف لكل القوي بحدود الدولة الفلسطينية ما يعني وضع حدود لدولة اسرائيل ,ولان اسرائيل بدأت تدرك انه منذ فترة والمجتمع الدولي يعرف ان اسرائيل ليست ضحية كما تصور بل الفلسطينيين هم ضحية هذا الاحتلال العسكري الطويل ويعرفوا ان تفوق اسرائيل النوعي والكمي في كل شيء سوف يجعلها دولة غير العادة في المنطقة و قد تكون من الدول العظمي , الغريب ان كل منظومات المجتمع الدولي والدول المركزية ستحافظ على هذا التفوق مع اي حل بل وتغدق بمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية ومليارات الدولارات لتقبل اسرائيل التخلي عن سياسة الاحتلال الا ان اسرائيل لا تريد الحلول الدولية , وهنا ستعمل اسرائيل خلال الفترة القادمة على الاسراع في تنفيذ مشروعها التهويدي الاستيطاني الكبير بالتزامن باستخدام كل قوتها السياسية الاقتصادية الى جانب واشنطن لإقناع الكثير من الدول المعنية بعضوية مجموعة الضغط والمساندة الدولية بسحب عضويتها ,كما وستعمل على تخريب المؤتمر الدولي من خلال التغيب عن حضوره وانتداب واشنطن لتوظيف نفوذها لإفراغ المؤتمر من محتواه السياسي وجعل قراراته ضعيفة وغير ملزمة وغير نافذة لإسرائيل لتبقي قرارات على ورق كمن سبقتها من قرارات اتخذت في مؤتمرات دولية سابقة .
بقلم/ د.هاني العقاد