فاجعة تكررت كثيراً في قطاع غزة، مشهد إحتراق الأطفال والعوائل بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، بل بسبب موت الضمير الوطني لدى قيادات الشعب الفلسطيني، في المقدمة منهم خالد مشعل المسؤول الأول عن جهة الحكم في قطاع غزة، والمسؤول الأول عن حركة حماس بإعتبارها الجهة الحاكمة منذ العام 2007 حتّى الآن، الذي يرافقه عجز فصائل منظمة التحرير وتخلفها عن القيام بواجبها لخلاص قرابة مليوني مواطن فلسطيني عاشوا ثلاث حروب وعشرات الإجتياحات الإسرائيلية، وما زال أكثر من 75 ألف مواطن منهم نازحاّ مشرداً خارج بيته ينتظر وعد الإعمار.
أين أولادى؟ تلك هي العبارة التي نطقت بها والدة الإطفال المكلومة حرقاً على أبنائها، لكنها لسان حال كل الفلسطينيين الذين ينتظرون دورهم في إحصاءات الموت حرباً أو حرقاً بفعل غياب الضمير الوطني وإنهيار أخلاق القادة أمام شهوات الحكم والمال، قادة إنخرطوا من أخمص القدم حتى قمة الرأس في صراعات لا تنته إكراماً لجهة دولية ما، وتنفيذا لمخطط إجهاض الروح المعنوية لأبناء الشعب الفلسطيني، يمهدون لحلول الاستسلام التي فشل "جون كيري" في تمريرها ويحاول آخرون مواصلة مشواره.
هل سمع خالد مشعل رسالة أم الأطفال التي قالت أين أولادي؟ هل سمع أنين المرضى في المشافي الحكومية لا يجدون لهم ولياً ولا معين ولا سرير ؟ هل سمع نداءات الفقراء الباحثين عن الحياة الكريمة التي وعدوا بها خلال الحملات الإنتخابية؟ هل شاهد الجوعى يملأون الطرقات وعند إشارات المرور بحثاً عن قوت يوم يسد رمقهم، هل يجيب عن مصير آلاف الخريجين المنتظرين فرصتهم بالعمل؟ هل يجيب عن سؤال واحد من أسئلة المستقبل التي يهرب من الإجابة عنها بمعارك وهمية تارة داخلية أخرى مع الإحتلال وثالثة مع دول الجوار؟
مسلسل الموت في قطاع غزة لا يتوقف، يعاقبها الإحتلال، وتعاقبها حماس، ويتلذذ على صراخها محمود عباس، وتقف فصائلها متفرجة، تبحث عن موازنة آخر الشهر وتشتم سراً حكم حماس وعباس، وتعلن في نهاية اليوم أن الرئيس والمشروع الوطني في خطر!
يعلم خالد مشعل وأركان قيادته أن مشكلة كهرباء غزة يمكن حلّها في غضون أشهر، وأن إمارة قطر التي يعيش في أحد قصورها يمكنها فعل ذلك في ظلّ عجز محمود عباس عن القيام بواجبه كرئيس، وعجز حركة حماس عن القيام بما وعدت به الناس وانصرافها في فرض الضرائب وجمع الإتاوات على الشعب وقطاعاته الإنتاجية، هو يعلم أن إمارة قطر ومعها تركيا، تستطيعان صرف راتب لكل مواطن يعيش في قطاع غزة، وإنهاء معاناة آلاف المتعطلين عن العمل الذين يسكنون العتمة والمجهول مرغمين، كما يمكنهما بناء عشرات المدارس والمشافي والجامعات ورياض الأطفال عوضاً عن دعم الإرهاب في سوريا والعراق وأكثر من مكان، فنحن لا نتحدث عن دولة بحجم الصين، نتحدث عن غزة التي لم يتجاوز تعداد سكانها مليوني نسمة، وتعيش في مساحة جغرافية أصغر من أي حارة في أي مكان في العالم، مشعل يعلم أن كل الدول التي إستأجرت بندقيته وسياساته يمكنها أن توقف حلقات الموت المتصلة طالما ارتضى أن يكون عبداً في قصورها، ولكنها لم تفعل ولن تفعل لأن المطلوب هو رأس غزة التي جسّدت سيرة كفاحية طويلة في مقارعة الإحتلال، وصنعت ثورة أرّقت قادة إسرائيل وجعلت أسمى أمانيهم أن تغرق غزة في البحر.
أجساد أطفال عائلة أبو هندي، وعشرات الضحايا مثلهم، ستبقى شاهدة على مرحلة غبراء تحت حكم عباس وحركة حماس، ستبقى محفزّاً لأبناء الشعب الفلسطيني للثورة على الإستبداد ورموز الإستبداد في الأراضي المحتلة، ولا يظنّ أحد أن مشاركة حماس في جنازة الضحايا الأطفال ستغسل أجسادهم بالماء والبرد، وتطفئ ناراً موقدة في قلب والدتهم المكلومة، "فالحزن لا تبرّده اللطامات" ومشاركة حماس في الجنازة لن تعفيها من محاسبة الجماهير، اليوم أو غداً أو بعد حين.
بقلم/ محمد أبو مهادي