ذوو الإعاقة وحكايتهم مع الاعتقال

بقلم: عبد الناصر فروانة

"الإعاقة" كما عرفتها المواثيق الرسمية تعني قصوراً أو عيباً وظيفياً يصيب عضواً أو وظيفة من وظائف الإنسان العضوية أو النفسية بحيث يؤدي إلى خلل أو تبدل في عملية تكيف هذه الوظيفة مع الوسط. وأن هذه الفئة الهامة من المعاقين تقف دوما على جدول أعمال المجتمع الدولي، وقد خصصت الأمم المتحدة الثالث من كانون أول/ ديسمبر من كل عام، يوما لمناصرة ومساندة هؤلاء الأشخاص في كافة أنحاء العالم، وتوفير احتياجاتهم والتأكيد على احترام وحماية حقوقهم.

هذه هي القاعدة الأساسية، فيما دولة الاحتلال جعلت من الاستثناء الشاذ، قاعدة، في تعاملها مع ذوي الإعاقة من الفلسطينيين. ليس هذا فحسب، وإنما اعتداءاتها المتصاعدة، وحروبها المتواصلة، وجرائمها المستمرة، قد أدت إلى ارتفاع كبير في أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، دون أن توفر لهم أدنى احتياجاتهم.

إن دولة الاحتلال لم تتركهم وحالتهم الخاصة ومعاناتهم المتفاقمة، بل أساءت إليهم وتعمدت إساءة معاملتهم، ولم ترحمهم من بطشها وقسوة معاملتها، ولم تستثنهم من اعتقالاتها التعسفية، فاستهدفت الآلاف منهم وقيدّت ما تبقى لديهم من أطراف بالسلاسل الحديدية أو الأصفاد البلاستيكية، وزجت بأجسادهم المنهكة والمعاقة والمقعدة في زنازينها الضيقة وسجونها المعتمة، سيئة الصيت والسمعة، لتفاقم من معاناتهم سوءاً وتزيد من آلامهم قسوة. فباتوا أسرى، يمزجون ما بين معاناة السجن وسوء ظروفه، وقسوة السجان ومعاملته اللا إنسانية، وما بين ألم المرض ووجع الإعاقة وعدم المقدرة على الحركة و قضاء الحاجة.

صور مؤلمة ترسمها مأساتهم، وحكايات مريرة يرويها نحو سبعون أسيرا ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي ممن يعانون من إعاقات جسدية (كاملة أو جزئية) وإعاقات ذهنية وعقلية ونفسية، أو إعاقات حسية (كالإعاقة السمعية والبصرية)، بينهم من يعاني الشلل التام وبينهم، كالأسير منصور موقدة، من خاض إضرابا عن الطعام احتجاجا على عدم تقديم الرعاية الطبية له..

إن دولة الاحتلال  لم تكتفِ بذلك، و لم تخصص لهم أماكن خاصة ليحتجزوا فيها، ولم تكتفِ بالتنصل من التزاماتها تجاههم، أو التهرب من توفير الاحتياجات الأساسية لهم، كالأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتركيب الأطراف الصناعية لفاقدي الأطراف، وتوفير النظارات الطبية لمن يعانون إعاقات بصرية أو آلات الكتابة الخاصة بالمكفوفين أو الأجهزة الخاصة بالمشي أو الفرشات الطبية وغيرها. بل تضع العراقيل تارة، وترفض تارة أخرى، إدخال هذه الأدوات عبر هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية. مما يضيف عقوبة جديدة بحق الأشخاص المعاقين المعتقلين في سجونها، ويضاعف من قلق عائلاتهم. فيما الأدوية التي تعطي أحياناً للمعاقين نفسياً، هي ليست أكثر من مهدئات ومسكنات ومنوم. في ظل عدم وجود أطباء نفسيين مختصين، و مرشدين اجتماعيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

ان بعض المعتقلين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي والذين يعانون من الاعاقة، كانوا قد أعتقلوا وهم يعانون من نوع من أنواع الإعاقة بسبب تعرضهم للإصابة برصاص الاحتلال، وبعضهم اعتقلوا من داخل المشافى والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف، أو من على الحواجز والمعابر وهم في طريقهم للعلاج، أو بعد إصابتهم اثر مواجهات واشتباكات مع قوات الاحتلال ومورس بحقهم التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي مما أدى لتفاقم الإصابة والتي تحولت تدريجيا إلى إعاقة. والبعض الآخر انضم لجيش المعاقين داخل السجن جراء ما تعرض له من تعذيب قاسي وبسبب صعوبة الأوضاع المعيشية والصحية في السجون وقسوة زنازين العزل الانفرادي، بسبب واستمرار سياسة الإهمال الطبي.

إن كافة الشواهد تؤكد على أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وأن سلطات الاحتلال اعتقلت الكثير منهم، فيما كان السجن سببا رئيسيا في انضمام الكثير من الأسرى والمحررين إلى هذه الفئة. لذا نناشد المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية إلى التدخل لوقف الاستهداف الإسرائيلي لهم ووضع حد للانتهاكات المقترفة بحقهم. كما ونطالبهم بالضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين يعانون من إعاقات جسدية أو ذهنية ونفسية أو حسية، لاسيما أولئك الذين فقدوا القدرة على الحركة.

ويبقى السجن الإسرائيلي مكانا سيئا، ليس لأنه مازال يضم بين جدرانه عشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة، فحسب، وإنما لأنه كان ومايزال سببا في انضمام آخرين من الأصحاء لهذه الفئة. ويبقى الاحتلال وأدواته سببا رئيسيا في الارتفاع المضطرد لأعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بقلم / عبد الناصر فروانة