في حياة الناس تستخدم الشموع للمناسبات السعيدة , عبر تقاليد مختلفة حسب العادات المتبعة في المجتمعات البشرية ,وتتنوع ما بين حفلات الزفاف وأعياد الميلاد ,وفي مناسبات أخرى توقظ الشموع إحياءً لذكرى ضحايا حادث ما , تعبيراً عن الوفاء لأصحاب تلك الذكرى , وتبقى الشمعة في الوجدان العالمي رمز للمستقبل والأمل , ولعل الأمثال الشهيرة تفيد بذلك ومنها " أن توقظ شمعة خيراً ألف مرة من أن تلعن الظلام " , وكثيرا ما يقال أن هناك شمعة في آخر النفق تبشيراً بأن الأمور تمضي إلى حيث الإنفراج , وتحقيق المبتغى الطيب لأصحاب الكروب والأزمات , وتبقى الشمعة مظلومة في واقع قطاع غزة المأساوي, فتغيرت وظيفتها من إضفاء الأجواء الرومانسية والهادئة ومشاركتها للسعداء أفراحهم , لتصبح المتهمة والمجرمة التي تحرق الأطفال وهم نيام , وهي جريمة كبرى لا تقوى عليها الشمعة بجسدها الطري الذي يذوب مع إرتفاع حرارة اللهب الضعيف المشتعل من أعلاها , فكيف تقتل الأطفال وتشوه ملامحهم البريئة , و جل ما تبحث عنه الشمعة هو إضفاء البهجة على عيون الأطفال وهم يتحلقون حولها فرحين , هكذا كان مسار حياتها تراه جميلاً قبل أن تتهاوى وتنتهي للأبد وتذوب لتنشر الفرح, فما بال الناس في غزة يتهمونها ونشرات الأخبار تردد ذلك الإتهام البغيض , وتحقيقات الدفاع المدني تؤكد أن السبب في موت الطفولة هو الشمعة , من قال لكم يا سادة أن السبب شمعة ؟! .
ولأن إتهام البريء جريمة وظلم , يجب التوقف عن هذا الإتهام الباطل , والبحث عن المتسبب الحقيقي , فمن هو الذي يقف وراء قتل الأطفال وذبح الحياة في قطاع غزة ؟ , من الذي تسبب بمقتل (29) فلسطيني من بينهم (24) طفل حرقاً أو اختناقاً جراء أزمة نقص إمدادات الكهرباء في قطاع غزة منذ عام 2010 م , وذلك حسب تقرير مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان , أنه بكل تأكيد عجزنا عن الشراكة الوطنية , أنه كفرنا بالوحدة والتلاحم , أنه ظلمنا لبعضنا البعض , وتمزيقنا لواقعنا المر والهش , المتهم هو جهلنا بالممارسة السياسية , وكيف يكون الخلاف والإختلاف , فهل يقتل شعباً ويحاصر من أجل تركيع الغريم السياسي ؟ ! , وما جريرة هذا الشعب إذ كنت تنادي بأنك تقوده وإنك رئيسه , لا تتهموا الشمعة وتستخدموها في إشعال نار الأحقاد والفتن ، واتهموا ضمائركم التي ماتت فيها معاني الإخوة ومبادئ الوحدة، فهي خاوية من مفاهيم الترابط والجسد الواحد ، فالقلوب المتورمة الحاقدة ليس لها صلاحية للدفاع عن الإنسان والإنتصار لمظلوميته , ألا يوجد في قاموسكم وأدوات حربكم , وأسلحة تنافسكم الحزبي شيء عن المنافسة في خدمة الشعب الصامد , وليعلم كل طرف يملك آلية الحلول في أزمة كهرباء قطاع غزة ويخبئها في جعبة سهامه , هو من حيث يدري أو لا يدري عدواً للناس من أطفال ونساء ومرضى وعجزة , وسوف تصب لعناتهم عليه في كل ساعة , فإذا كنت تملك أوراق الحل وأساليبه وتتأخر في ذلك أو تتراخي أو تماطل أو تتملص أو ترفض , فأنت القاتل الحقيقي وباطلة كل الأعذار التي قد تسوقها أمام عظيم جرمك بحق أطفال غزة .
سمعنا كلاما كثيراً ومن أشخاص ذو علاقة وأعضاء في اللجنة الفصائلية لمتابعة ملف كهرباء قطاع غزة , بأن من يعطل الحلول ويماطل في الموافقة عليها هو الرئيس محمود عباس , ومن أجل تفنيد ما يذكر بهذا الخصوص , فأن المطلوب الرئاسة الفلسطينية إجراءات سريعة لإنهاء أزمات هذا الملف, وإزالة المعوقات التي تقف أمام إستمرار تدفق التيار الكهربائي إلى مدن وإحياء وقرى ومخيمات قطاع غزة , والبعد عن إستخدام حاجات الناس ومقومات الحياة من كهرباء ومياة وصحة وتعليم ومعابر , كأسلحة في مواجهة الخصم السياسي , فأن المتضرر الأول والأخير هم جميع أهالي قطاع غزة , وذاكرة الشعب حية وواعية , ولو تراكمت عليها المعاناة والمآسي , فإنها تتذكر جيداً من وقف مسانداً للشعب ومن كان سبباً في أزماته .
ولعل المطلوب من رئاسة السلطة وحكومة التوافق بصفتهما الرسمية القانونية في رعاية وإدارة شؤون الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة , وحتى تنفي الإتهامات التي أصبحت حديث الشارع والمجالس الغزية ,أن تصدر قرار فورياً بإيقاف ضريبة البلو على الوقود الصناعي المورد لمحطة الكهرباء في قطاع غزة , وأن تعلن الموافقة على شراء خط الكهرباء (161) , و حسب المطلعين على أزمة الكهرباء أن يوفر هذا الخط (120) ميجا وات قد تفيد بشكل جدي وكبير في التخفيف من الأزمة , وأن تعمل على تسريع ملف تمديد خط الغاز لمحطة الكهرباء للإستغناء عن السولار الصناعي باهظ التكاليف, ومن خلال ذلك تستطيع المحطة تشغيل مولدتها الأربعة , علما بأن السفير القطري محمد العمادي أعلن في أكثر من مؤتمر صحفي , جهوزية قطر لتمويل شراء خط الكهرباء (161) وتوريد الغاز لتشغيل محطة الكهرباء في قطاع غزة , فماذا ننتظر من أجل تنفيذ تلك الخطوات المهمة في إنهاء مشكلة الكهرباء المتفاقمة في قطاع غزة ؟ .
أتحدث بهذه المطالبة رغم ما نسمعه من زوار الرئاسة وهم بالمناسبة قيادات سياسية تسكن غزة , بأن أزمة الكهرباء سوف تستمر في قطاع غزة , ولن يتم التجاوب مع أي حلول لإنهاء الأزمة , لأنهم ببساطة لن يقدموا حلولاً أو قارب نجاة لحركة حماس من أجل تجاوز أزمة الكهرباء في قطاع غزة , وكأن الخلاف السياسي مبرراً لإستخدام معاناة الناس في المناوشة والمناكفة الحزبية , وهل سكان قطاع غزة جميعهم حماس ؟ , ولماذا لا تحارب حماس عبر تقديم الخدمة لجمهور قطاع غزة , أم أن المطلوب أكبر من الصراع السياسي مع حركة حماس , وهو عبارة شيء ثمين لا يسمح المجموع الوطني في قطاع غزة وغيرها المساس به ؟! لذا فإن الحرب شاملة على قطاع غزة بلا استثناء حتى يتم إخضاعه أو هكذا يتوقعون !.
بقلم/ جبريل عوده