الأهم في تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي

بقلم: فايز أبو شمالة

نندهش نحن العرب حين نسمع عن النقاش الدائر بين الإسرائيليين أنفسهم حول مسودة التقرير السري الذي أعده مراقب الدولة حول الحرب الأخيرة على غزة، والذي سُرب إلى وسائل الإعلام قبل أن يصل إلى بعض الوزراء، وأزعم أن مصدر الدهشة لا يتمثل في تسريب التقرير السري الذي يتضمن 70 صفحة، ويكشف عن عميق الخلافات الحزبية، والمساعي الشخصية للإيقاع بالخصوم، فهذا التنافس وارد بين السياسيين في كل زمان ومكان، وإنما مصدر الدهشة وفق تقديري يرجع إلى هذا المستوى من الديمقراطية الداخلية لدى الإسرائيليين، وقدرتهم على مراجعة قراراتهم السياسية والعسكرية، والوقوف إزائها بموضوعية، ومحاسبة المسئولين عنها إن استوجب الأمر، وهذا ما نفتقر إليه نحن العرب، الذين تعودنا على العشق الأبدي للقائد، وتنزيهه عن الأخطاء التي استوطنت سمومها مفاصل حياتنا.
لقد حاول مؤيدو رئيس الوزراء نتانياهو حرف الأنظار عن مضمون التقرير، وإشغال الرأي العام بالجهة التي تقف خلف تسريب التقرير، فكان الرد بأن ما يهمنا هو مضمون التقرير الذي يتهم أعلى المستويات السياسية والعسكرية بالفشل في إدارة الحرب على غزة، وفي إخفاء المعلومات عن الوزراء في الحكومة، بل وعن أعضاء المجلس الوزاري المصغر الذي يتابع الأوضاع الميدانية لحظة بلحظة، والمكلف بإصدار القرارات المباشرة بشأنها.
لقد فتح تقرير المراقب العام للدولة " يوسيف شابيرا" أفواه الوزراء والمسئولين والجنرالات للكشف عن أرقهم من نتائج أطول حرب شنها الجيش الإسرائيلي على غزة صيف 2014، انتقدها الجنرال الإسرائيلي "يوم توف ساميا" نائب قائد المنطقة الجنوبية، قائلاً: هناك من سعى الى تكنيس اخفاقات الحرب (الجرف الصامد) تحت البساط. وإخفائها من خلال توزيع الأوسمة على المشاركين في الحملة العسكرية، وأضاف: إن "توزيع 72 وساما هو فضيحة، ولدي شعور بأن منح الاوسمة قد جاء للتغطية على شيء ما، ولذلك لم يفاجئني تقرير مراقب الدولة".
الأيام القادمة في إسرائيل ستفتح مزيداً من الأفواه المغلقة، وستشهد الساحة السياسية والقانونية نقاشاً حاداً حول تقرير مراقب الدولة وعلى كافة المستويات، ولن يقف الأمر عن حدود الخلاف في المواقف الحزبية بين مؤيد ومعارض، وبين مصدق ومكذب، فطالما وصل الأمر إلى الشارع الإسرائيلي، وهو صاحب القرار، وصاحب الشأن وفق النظم الإسرائيلية، فإن للتقرير صداه على التحالف الحكومي القائم في إسرائيل، وللتقرير تأثيره على مصداقية القرارات والبيانات العسكرية التي صدرت أثناء العدوان على غزة.
وإذا كان كل ما سبق من تعقيب عن التقرير يتعلق بالمجتمع الإسرائيلي وقياداته السياسية والعسكرية، فإن الأهم من كل ما سبق هو تلك الحقائق التي وردت في التقرير، وتخص الشأن الفلسطيني، والتي تشير إلى فشل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
إن الاعتراف بفشل الحرب الوارد في تقرير مراقب الدولة ليمثل الحقيقة التي تحدثت عنها المقاومة الفلسطينية طوال فترة الحرب، وهي الحقيقة التي تناولتها وسائل الإعلام الفلسطينية طوال فترة الحرب، وهي الحقيقة التي تحدث عنها معظم المحللين السياسيين الفلسطينيين الأوفياء طوال فترة الحرب، وهي الحقيقة التي حاولت كل الجهات السيادية والإعلامية في إسرائيل على إخفائها عن عين الفلسطيني أولاً، قبل محاولة إخفائها عن عين اليهودي الذي عاشها واقعاً مفاجئاً ومرعباً طوال أيام الحرب على غزة المحاصرة.
د. فايز أبو شمالة