في خضم سنوات الجمر والرصاص ، وفي خضم النضال الوطني والقومي ، انصهرت المناضلة سعاد بدران ابنة ميس الجبل الجنوبية في مدرسة النضال مدرسة جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت المناضلة والمقاومة ومدربة وقائد عملية الطيران الشراعي ، حتى تنفيذ عمليتها عبر الطيران الشراعي في 12 / 5 / 1981 ، فكان استشهادها اثناء انطلاق العملية التي فشلت لسوء الأحوال الجوية عنوانا بارزا لتضحيات المرأة وقدرتها على خلق المعجزات، وكانت رمزا للتضحية والصمود وملهمة النضال.
عندما نكتب عن سعاد بدران " تحرير منصور " ، فنستعيد ذكرى عروس الثورة والجبهة في لحظة القرار الحاسم الذي اصرت عليه بكل عزم كبير علــى الاستشهاد لترسمَ بدمها باللون الأحمر خريطةٌ جديدة تجعل من الاستشهاد طعما آخر، هو طعم العز، بل طَعم العبور إلى الحياة.
ربما في تلك اللحظة، لحظة القرار والانطلاق وقف الشهيد القائد ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية ورفيق دربه القائد سعيد اليوسف ، بوداعها ، فقال لقد حقّقت تحرير حلمها، وعندما استشهدت وقرأ رسالتها التي أرادت انت ترسلها لرفاقها وذويها وقالت فيها انا احببت فلسطين وعشقت ترابها حتى الشهادة، فعلا سقت تراب الجنوب وفلسطين بقطرات دم ثوري الهوى، تفتح شقائق نعمان، تخاطب العالم قائلة، أنا لبنانية عربية فلسطينية وصبية جنوبية، اردت ان اسطر قضية العرب الاولى بوقفة عز ، حيث بالفعل والقول جسدت دورها الوطني والقومي في الذود عن فلسطين ، وعلى الأجيال الجديدة أن تعي جيدا الدور البطولي النادر للمناضلة سعاد بدران "تحرير منصور" .
نعم مثلت سعاد قمة الوفاء والتضحية انها بطلة من جنوب لبنان انتمت لفلسطين منذ صغر سنها وقاتلت وناضلت دفاع عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنيه اللبنانية سجلت بانتمائها من موقعها النضالي في جبهة التحرير الفلسطينية صفحات مضيئة فكانت مقاتلة وقائدة ومدربة فهي نسر من نسور الجبهة ، دونت بدمائها ونضالها أمجاد المناضلات، من خلال عطائها وصمودها وكفاحها ، فلها في الذكرى السنوية لغيابها تحية إجلال وأكبار ، أن لا أوفيها حقها ، فهي عانقت المعاناة والسلاح دفاعا عن فلسطين ولبنان وهوية شعبها.
نعم نقف امام مناضلة ، تلك الشابة التي تزينت وترقبت لحظة الشهادة عبر قيادتها لعملية الطيران الشراعي ، هي تلك الباقة من الورد والياسمين ، لتكتب بدمائها أحلى وأجمل وأرقى صورها ، فكانت الشجاعة، المناضلة، الأبية ، لم تهتز عزيمتها أمام أي عدوان فقاومت اثناء الاجتياح الصهيوني للجنوب صيف عام 1978 ، حيث تعرفت عليها هي وعدد من الرفيقات ، لم تنأى عن تقديم التضحيات والعطاء المستمر دون كلل أو ملل والذي لا ينضب من أجل فلسطين فهي تعيش معاناة شعب بأكمله، استطاعت بكل ما تحمله من أفكار نضاليه ، ان تحتل مكانة خاصة ، حيث طورت وأبدعت في أدائها بشكل رصين ومحكم ومتناسق مع المهام والمسؤوليات المنوط بها والتي تسعى دائما أن تكون إلى جنب الرجل، فكانت لها مكانة في قلب
كل رفاقها وفي مقدمتهم الامين العام القائد ابو العباس ، لا أغلو إذا قلت أنني لم أكفيها حقها من خلال هذا الموجز، بالرغم ان هناك مناضلات يستحقون منا ايضا كل التقدير والاعتزاز رغم ان أسمائهم تملأ صفحات مجد، الى جانب المناضلة تحرير التي تظل صور تضحياتها وصمودها وشموخها معنا أينما أحللنا وارتحلنا.
وفي هذه اللحظات نقول ان تحرير منصور شقت دورها النضالي بشكل متكامل، حيث لـم تفصل يوماً بين تحرير الارض وتحرير الإنسان، فكان دورها ريادي طليعي، أدركت الشابة أهمية العلـم و الـمعرفة، وكانت تناقش رفاقها و أصدقاءها بسعة صدر وحب واحترام، و تحزم عند الضرورة، احتل الحب مساحة كبيرة في حياة تحرير او سعاد بدران ، أحبت عائلتها وأصدقاءها ووطنها، عشقت فلسطين ، وعبرت عن هذا الحب وهذا العشق بعمليتها البطولية ،من خلال القدرات الهائلة التي تمتلكها ، يضاف الى ذلك القدرات العسكرية التي اهلتها لتحمل المسؤولية في عملية صعبة .
تحرير منصور مناضلة فولاذية ومقاتلة عنيدة ، إنها ليست مجرد امرأة، بل مناضلة ، كل همها مقاتلة العدو الصهيوني، فسطع نجمها خلال نجاحها بالتدريب العسكري على الطيران الشراعي في جبهة التحرير الفلسطينية ، شاركت ببسالة وشجاعة في جميع المعارك ،كانت المناضلة تقف في الصفوف الأولى جنبا إلى جنب مع المقاتل تزرع فيهم جو من الآمل والتفاؤل، هي تلك النماذج المشرفة, أعتقد جازما عندما اتحدث عن تحرير منصور انما اتحدث عن قصة المرأة صانعة التاريخ، هي قصة كل مناضلات العالم الذين واجهوا وتحدوا اضطهاداً لاحقهن على مر الزمن، لقد كرسن حياتهن للنضال والمواجهة، وقمن بتغيير المفاهيم السائدة حول العمل النضالي فهو لم يقف عند الرجال فقط، ولعل ما قاله الشهيد القائد الامين العام ابو العباس عن مشاركة المرأة في النضال في هذا السياق من اجمل ما قيل، ليس العمل النضالي وقفاً على الرجال، لن يكون العمل النضالي ثوريا حتى تشترك فيه المرأة وتكون مناضلة في مقدمة الصفوف وتأخذ دورها في كافة المجالات .
لقد مرّ على حركة التحرر العربية والفلسطينية مناضلات لا تزال اسمائهن ساطعة حتى يومنا هذا، من منا لا يعرف شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية استشهدت أثناء إعدادها قنبلة متفجرة في تشرين ثاني 1968، كما كانت فاطمة برناوي أول مناضلة فلسطينية يتم اعتقالها في تشرين ثاني 1967 سعاد بدران ووفاء الحلبي وزينب شحرور ودلال المغربي وآيات الاخرس وسناء محيدلي ووفاء ادريس وعندليب طقاطقة ويسار مروة وريم الرياشي ، والكثير من المناضلات اللاتي يستحيل نكران تضحياتهن وفي مقدمتهن المناضلة ليلى خالد ويستحيل ان لا يتم القاء التحية لهن اينما حللن، كتبن بدمائهن تاريخ ناصع في النضال .
المناضلة العربيه الشهيدة البطلة تحرير منصور " سعاد بدران "، مناضلة تستحق التقدير والاعتزاز ووسام الشرف لما قدمته لا تقل في بطولتها عما قدمه الشعب الفلسطيني والعربي في سبيل تحرير الارض والانسان، لكنها بما احتوته من شجاعة نضاليه ترتفع الى مستوى الرمز، حيث قالت ان التحرير يريد أبطالاً يضحون بأنفسهم ، يتقدمون غير مبالين بما حولهم ، ينفذون ، هكذا يكون الأبطال إنني ذاهبة إلى أكبر مستقبل ، إلى سعادة لا توصف، لتعبر من خلال كلماتها عن كفاح جبهة التحرير الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني ، وتصبح مثلا
على التضحية من أجل الحرية والاستقلال والعودة ، لذلك لا يمكن تجاهل نضالات المراة وحركاتها النضالية في الثورة الفلسطينية ومختلف الاحزاب العربية وحركة التحرر العالمية فقد تركت بصمتها المميزة في تحرير البشرية جمعاء من نير الاستغلال ومواجهة وتحديد العدو، المرأة هي شريكة العمر حبيبة القلب رفيقة الدرب و رفيقة السلاح، فسطرت صفحات من العطاء ، فكانت ولا زالت حارسة فلسطين، ومصنع الرجال، حتى أصبحت رائدة وطليعية ومناضلة واستشهادية، وهي الأسيرة في الوطن المحتل، والمتعلمة في أودية الجهل.
ختاما : لا بد من القول ان المناضلة البطلة الشهيدة تحرير منصور " سعاد بدران " قدمت نموذجا نضاليا حيث كتبت بدمها بأن فلسطين ستبقى الهوية وزرعت نجمة جديدة في سمائها من خلال تلك الشهادة التي تؤكد أن ما يكتبه الدم لا يمكن أن يمحوه التاريخ، ولقد كتب الكثير عن المرأة ، حيث وجدت من الواجب أن أكتب عن تحرير وعن المناضلات اللاتي يشاركن بالقلم والحجارة وزجاجات المولوتوف وفي العمل المسلح ، فهن اللاتي شاركن في عمليات نوعية عجز عنها العديد من الرجال كعمليات خطف الباصات والطائرات والعمليات الإستشهادية ، كما ولعبت المرأة الفلسطينية دوراً محورياً في حماية التقاليد والتراث الوطني وغرس احترام القيم الوطنية ، حيث نرى اليوم في الانتفاضة الباسلة المناضلة المميزة والقائدة الفذة ، والشهيدة الخالدة والأسيرة الصامدة والمبعدة الحالمة بالعودة ،والمحررة الصابرة التي أمضت شهور و سنوات طويلة وراء القضبان، نعم تحرير منصور من هن اللاتي أضاءت وسط ظلام راية النضال من اجل تحرير الارض والانسان ، هذه الراية التي ستبقى تحمل اسم فلسطين شامخة مرفوعة الرأس ، منتصبة القامة حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
بقلم/ عباس الجمعة