بتاريخ 13/3/2016 كتبت عن الفوضى الإعلامية في مصر وضحالة الفكر الإعلامي في جميع الأقطار العربية.
ومنذ ذلك التاريخ طَفت على سطح الإعلام المصري عدة قضايا استخدمت كلها كصواريخ بالستية موجهة للحكومة ولمعظم وزاراتها فرداً فرداً، وعلى وجه الخصوص وزارة الداخلية، وكأن الدولة أصبحت مهيضة الجناح.
وسأبدأ هنا بالمهم فالأهم :
يوم الأربعاء 27/4/2016 دعا إبراهيم عيسى، وهو قامة إعلامية كبيرة، إلى مناظرة حول الإعلام حرصت أن أراها مرتين وأورد التعليقات الهامة التالية:
ضيفا إبراهيم عيسى كانا الصحافي ياسر عبد العزيز، والصحافي عزت إبراهيم ميخائيل، يعمل الأول عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان، وقبل ذلك جاب ساحة الميدان الإعلامي في مصر وفي ال"بي بي سي" وفي دول خليجية، ما يعنى أنه قامة إعلامية أيضا. أما عزت إبراهيم فيكفي أن نقول أنه مدير التحرير في جريدة الأهرام، وطرح إبراهيم عيسى للاستفتاء سؤالا حول ما إذا كان الإعلام مؤثراً أم غير مؤثر في التوجه السياسي.
وطُرحت في المناظرة عدة أسئلة أهمها:
1. ما معنى حيادية الإعلام وبين من ومن. وهذه أمور يجب أن لا تكون مسألة رأي بل هي مسألة قانون.
2. ما معنى حرية الإعلام وحرية التعبير دون أي ضوابط وطنية وأخلاقية. وهنا أتساءل هل حرية الإعلام وحرية التعبير والامتناع عن ذكر مصادر المعلومات يختلف عن التجسس أم هو أخطر من التجسس بمراحل، خاصة عند انعدام الالتزام بقضايا الوطن وبأخلاقات المهنة.
3. تعرضوا لمشكلة الايطالي "جوليو ريجيني" وكلهم أنحوا باللائمة على الحكومة وعلى وزارة الداخلية والمدعي العام.
4. يقولون أن الإعلام الذي لا يعرفون ما هو، كما سنرى لاحقاً، هو القوة الرابعة أو السلطة الرابعة وهو الفاعل الأكبر في الدولة. والسؤال هنا ماذا لو كان هذا الفاعل هو المفعول به الذي يفرد أجنحته على الدولة، بينما أعداء الوطن في الداخل والخارج يفردون أجنحتهم وسيطرتهم عليه ويوجهونه لمصالحهم.
5. الإعلام كما يفهمونه هم يجب أن لا يسوِّق لإيجابيات الدولة بل يُلقي الضوء على سلبياتها ويُضَخِمها.
6. في رأي ياسر عبد العزيز أن الإعلام مثل المرور، على الدولة أن تُسَهِل مساره ولا تتدخل في اتجاهاته، يعني أن الحكومة هي مجرد خادمة في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة.
7. وعندما سُئل أحدهم "ما هو الإعلام" أجاب أن الإعلام هو:
* الإعلام المنتظم.
* وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني.
* المنابر.
وهذه بعض نواحي الإعلام وليس كلها، كما أنها ليست تعريفا للإعلام، والعجيب أن الثلاثة لم يتعارضوا حول هذا الطرح الناقص في مجال النواحي والخاطئ في مجال التعريف، بالإضافة إلى أن "السوشيال ميديا"، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ليست إعلاما ولا يجب أن تكون لأنها وسائل لتفتيت المجتمع والتخريب على الدولة وإثارة الفتن بالأكاذيب التي لا يعرف أحد مصادرها.
ولا غرابة في ذلك، فهم يعتقدون أن الإعلام هو المجال "الكاشف". ولو سلمنا بذلك جدلاً فهل هو المجال الكاشف للعورات والمهمل للفضائل والانجازات؟!
8. أخطاء الحكومة كلها "خطايا" وخطايا الإعلام مجرد أخطاء، واللعب على مشاعر الشعب هو جزء من "اللعبة" الإعلامية.
9. لم يتحدثوا عن "ميثاق الشرف الإعلامي" إلا بكلمات عابرة، بينما تبحروا في وجوب الشفافية "عند الحكومة" أما هم فلا شفافية لهم سوى التوسع في النشر دون وازع أو رادع ويجب أن تبقى مصادر "أخبارهم" سراً.
10- سؤال الجمهور "أي جمهور؟!" هل تعتمد على الإعلام في تشكيل رأيك السياسي؟
نعم 19% لا 81%
السؤال: هل هذه الحصيلة خاطئة؟
والجواب: نعم هي كذلك.
ثم فلنسأل من هم الذين يتابعون مثل هذه الاستفتاءات المزيفة ويكترثون لها؟
فإبراهيم عيسى لا يريد أن يُحمل الإعلام المسؤولية عن الفوضى السياسية، إذن لماذا أنت صاحب منصة إعلامية "تسلخ جلد" الحكومة أربعة أيام في الأسبوع؟!
ولو أردت أن أتحدث عن مصادر الإعلام كما هو في مصر الآن فهو:
ا- الإعلام المطبوع
2- الإعلام المسموع
3- الإعلام المرئي
4- المنابر ما ظهر منها وما بطن
5- المقاهي والنوادي والشارع
ومن المنابر الباطنية وسائل التواصل "التقاطع" الاجتماعي.
أما ما هو الإعلام وبإيجاز شديد:
الإعلام هو نقل وتحري ونشر المعلومات مع الالتزام بكل ثوابت واستراتيجيات الوطن. وسأورد هنا بعض أوجه وحقول الإعلام الواجبة ولكنها منسية في معظمها.
1- الإعلام الثقافي الاجتماعي والأخلاقي.
2- الإعلام العلمي والتعليمي.
3- الإعلام الاقتصادي.
4- الإعلام التاريخي والجغرافي والطبيعي.
5- الإعلام الديني والأُسَرِي.
6- الإعلام السياحي.
7- اعلام الطفولة ورعايتها.
8- الإعلام الزراعي وعلوم تطوير وتحديث طرق ووسائل الزراعة والعناية بالمحاصيل.
9- الإعلام الترفيهي الهادف والوقور.
ويجب على كل هذه الحقول من الإعلام دعم اللغة العربية دائما وتجنب اللكنات والكلمات الهابطة.
وانتقل الآن إلى مشكلتين كاشفتين
1- الأولى موضوع جزيرتي تيران وصنافر، وهما بالقطع جزيرتان سعوديتان، ولا يستوي أن يكون المرء صحفيا ذا علم وخبرة ولا يكون على علم بذلك، وكما قال الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
أما تسخير هذا الأمر للعراك السياسي فهو ممنوع على النقابة، وإن كان لا يمكن ضبطه لأشخاص، وأسأل:
ا- لماذا لم يتحرك حِسَكُم القومي المصري فتقوموا بحملة مشابهة عندما تركت مصر قطاع غزة تحت الاحتلال، وقبل ذلك عندما قُضم نصف قطاع غزة ومنطقة عسلوج وأم الرشراش بمساحة تقارب يساوي 4500 كم2
ب– هل تعلمون ان الجزيرتين معا هما مجموعة صخور جرداء (حوالى100 كم) بينما منطقتي حلايب وشلاتين تبلغ مساحتهما حوالي 20 ألف كم مربع وأن شرقي رفح الذي كانت النية تسليمه لحماس تبلغ حوالي 1500 كم.
إن صناعة مشكلة من موضوع الجزيرتين إنما هو لخلق المشاكل ولتسفيه الإنجازات من قبل من يتوجهون للخلف أو إلى اليمين أو إلى اليسار (كما يزعمون) أو ربما إلى الأمام ركضاً وراء مصالح الجيوب!
ج- إذا كان "يوم الاقتحام" يوم إجازة فكيف يدعي الكثير من الإعلاميين أنهم شاهدوا ذلك بأعينهم.
د- إذا كانت النقابة طرفاً في هذه المهزلة، فإن ذلك سيكون اعترافا منها بانحرافها عن دورها. وإذا لم تكن طرفاً فكيف سمحت لشخص ليس عضواً فيها بالاختباء داخلها هارباً من وجه العدالة.
ه- كيف استطاعت "البي بي سي" اختراق النقابة وإجراء مقابلة مع المختبئين قبل يوم من القبض عليهم؟. وما هو دور بعض أعضاء النقابة في هذه المهزلة.
و- أثبتت النقابة تورطها من خلال بياناتها التي صدرت فيما بعد. كادعائها مجدداً أن مصر باعت الجزيرتين للسعودية وهذا هو بيت القصيد من كل هذه القصة، وعليه فيتوجب على الدولة أن تُجري تحقيقاً مع من أصدروا ذلك البيان الأهوج الذي أثبت كل أوجه
"اللخبطة" الإعلامية في مصر من تقصير في أداء الإعلاميين السياسي والتاريخي والوطني ولا أعمم فلكل قاعدة شواذ.
كما أصبح واضحاً للحكومة والشعب قصور الإعلام وتقاعسه عن أداء دوره الواجب والحتمي بل والإجباري لبسط عملهم واهتمامهم على كامل الخريطة الإعلامية بأوجهها التي أوردتها أعلاه، وشطب كل ما لا يخدم ذلك من ترهات إعلامية صحافية وتلفزيونية وغيرهما.
وأخيرا نسأل ماهي المعايير الموضوعة لانتساب صحافي ما للنقابة وكم عدد النقابيين؟
إنني أوقن أن عدد الصحافيين المنتسبين للنقابة في العاصمة ومختلف المحافظات لا يزيد عن 50 ألفا، وإذا محَّصناهم فلن نجد منهم أكثر من عشرة آلاف ممن يستحق هذا اللقب.
ثم نسأل هل الإعلاميين، من صحافيين وغير صحافيين، هم جسم منفصل عن الشعب ويتمتعون بحكم ذاتي بحيث يتصرف ويصرح رئيس النقابة وكأنه رئيس جمهورية الإعلام التي لها ولأفرادها حقوق وحريات بحيث ينفلت حبلهم على غاربه فلا يحترمون الدولة ولا يلتزمون بما يلتزم به الشعب من دستور وقوانين وشرف وحرص استراتيجي على مصالح الوطن.
في إحد المداخلات قال محامي النقابة أنهم بالضرورة لا يلتزمون بالقانون بل بروح القانون وتفسيره ليلائم الموقف، وبالإيجاز
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
لقد قام د. سامي عبد العزيز، وهو أستاذ جامعي، بعمل مسح ميداني وخرج بنتائج خطيرة أهمها أن حوالي 70% من الناس غير راضين عن الإعلام.
مزاولة مهنة الإعلام يجب أن تبدأ بالبحث عن الأخبار وليس بالضرورة تلقي المعلومة من مصادر رسمية، فالصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب مع الالتزام بقضايا الوطن ومتاعبها.
وأختم بقصة قصيرة. ذات يوم كان الرئيس كينيدي في اجتماع مع رئيس المخابرات وطرح عليه سؤالاً: كيف ندفع ملايين الدولارات لنحصل على معلومات عن الاتحاد السوفييتي بينما لديه كل أخبارنا دون أن يدفع شيئاً؟؟ فرد رئيس المخابرات: ببساطة لأنهم يقرأون صحفنا.
سعيد المسحال
10/5/2016