لا يجوز ان نحصر النكبة بتاريخ 15/05/1948، وهو تاريخ اقامة الكيان الصهيوني على الارض الفلسطينية، وطرد الشعب الفلسطيني من ارضه ووطنه وعدم السماح له بالعودة وممارسة حقه على ارضه على مدار 68 عاما، فانكار وجود الشعب الفلسطيني سبقها باربعين عاما، فكان وعد بلفور هو الذي مهد لها، وقبله اتفاقيات سايكس بيكو التي قسمت المنطقة العربية الى دويلات للتمهيد للنكبة وانكار وجود الشعب الفلسطيني، فوعد بلفور لم يمنح غير اليهود الا حقوقا دينية ومدنية، مقابل الحقوق السياسية لليهود على الارض الفلسطينية.
التاريخ إن لم نتمكن من قرأته جيدا، يصعب علينا مواجهة التحديات التي تفرضها المراحل، كاننا حتى اليوم لا نفهم الغرب والاستعمار والصهيونية وكيانها الى اين يريدون الوصول، اقامة الكيان الصهيوني وتوسعه قائمة على انكار وجود الامم والقوميات بالمنطقة، وما يجري حاليا بالمنطقة العربية من حروبا طائفية هي الهدف التي تسعى له الحركة الصهيونية والغرب على اعتبار التواجد البشري على الارض هو عبارة عن طوائف دينية واقليات تتصارع من اجل حقوقها الدينية، وحصر الصراع على مسجد لهذه الطائفة او تلك واقتصارها على الحقوق الدينية.
يغلب صراع الطابع الديني على الصراع القومي مع الكيان الصهيوني بهذه الايام، وتحويل الصراع مع الكيان الصهيوني الى صراع ثانوي، ووصل ببعض الحالات الى البحث واقامة تحالفات او تعاون مع الكيان ضد الطائفة الاخرى، ان تفكيك المنطقة العربية هي من الاستراتيجية الصهيونية والغربية بشكل عام، وهذا لا يمنع الكيان من تعزيز تحالفاتها مع احدى الطوائف من اجل تعزيز الطائفية وترسيخها لتتحول الى واقع يصعب تجاوزه.
الاقتحامات الصهيونية المتتالية الى المسجد الاقصى والاعتداءات على المساجد بفلسطين، تصب بخانة حرف طبيعة الصراع مع هذا الكيان، وان يكون الاقصى الهم الشاغل الاساسي للمسلمين بطوائفهم على القضية الاكبر وهي الوطن فلسطين وعلى الوجود العربي عامة، هذا ما يسعى له الكيان الصهيوني، تقزيم القضية وتحويلها الى قضية الحقوق الدينية والمدنية، فهل نحن نساهم بالتطهير العرقي لوجودنا كأمة وقومية؟ وهل نحن نساهم فعلا بممارسة التطهير العرقي ضد انفسنا ووجودنا؟
بالوقت التي تتحول القومية العربية والامة الواحدة وتتفتت الى طوائف دينية وفئات متحاربة تمكنت الحركة الصهيونية ونجحت بتحويل الديانة اليهودية الى قومية، ونجاحها هذا يقودها الى تحقيق مشروعها الرامي الى اقامة دولة "اسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات.
الكيان الصهيوني هو كيان غير شرعي، هو كيان استيطاني قائم على انكار الاخرين، فقرار التقسيم التي اقرته الجمعية العامة بدورتها علم 1947 يبقى قرارا غير شرعيا وغير ملزما للشعب الفلسطيني، حسب ما ينص عليه النظام الداخلي للامم المتحدة، باعتبار ان قرارات الجمعية العامة غير ملزمة للاطراف، فالطرف الفلسطيني عبر عن موقفه ورأيه بقرار التقسيم ورفضه.
النكبة تتجدد ليس بفلسطين وانما بكل الوطن العربي، تتجدد مع كل موقف لسلطة اوسلو يعلن عن استعداده للتنازل والمساومة، تتجدد مع ملاحقة الفلسطيني بكل بقعة بالوطن العربي، تتجدد النكبة باستمرار الانقسام بين الاخوة والاحبة الفلسطينين مرغمين او غير ذلك، تتجدد النكبة مع استمرار معاناة شعبنا بكافة اماكن تواجد سواء بالبرازيل او لبنان او فلسطين، تتجدد النكبة مع مصادرة كل شبرا من ارض فلسطين او وضع حجرا بمستوطنة ومع كل طلقة تطلق باتجاه طفلا فلسطينيا، مع كل حملة اعتقال وهدم بيت واقتحام واعتداء.
تجاوز النكبة ومنع تجديدها، مرهون ببناء المؤسسات الفلسطينية الوطنية وتفعيلها لتكون نواة الدولة، والعودة لن تتحقق برغبة ولكنها مهمة نضالية، يمارسها كل فلسطيني بشكل فردي او جماعي، عدم تجديد النكبة يكون من خلال برنامج وطني فلسطيني يجمع كل اطياف الشعب الفلسطيني، يؤكد على وحدة الارض والشعب، تجاوز النكبة من خلال التحام النضال الوطني الفلسطيني بالنضال القومي العربي، والتأكيد على وحدة الدم، واسقاط حكومات العار والخيانة، وممارسة النضال من كل الحدود العربية ضد الكيان الصهيوني واستنزافه، حتى يتحقق النصر والعودة وهزيمة هذا الكيان.
بقلم/ جادالله صفا