إذا كانت المنافع والخيرات مطرزةٌ بحرير السلام على صدر اتفاقية أوسلو، فيكفيها دنساً أنها جعلت سكان قطاع غزة والضفة الغربية منغمسين في همومهم المعيشية على حساب قضاياهم الرئيسية، حتى صار فتح الحاجز الإسرائيلي، وتصريح العمل في المستوطنات الإسرائيلية، هو الأمنية لسكان الضفة الغربية، وصار وصول الكهرباء وفتح معبر رفح المصري هو الأمنية لسكان قطاع غزة.
لقد نجحت إسرائيل في سياسة الإشغال والحصار حتى جعلت من إغلاق معبر رفح المصري نكبة فلسطينية أشد فتكاً في القرن الواحد والعشرين من نكبة 1948، بل أضحى معبر رفح المصري هو المعادل الموضوعي للإذلال والتنغيص والنكد الذي حط على رأس الفلسطينيين في قطاع غزة، وراح يثير أشجانهم، وينعف القهر من عيونهم، التي تعودت أن تذرف حزنها بصمت، وهي تنتظر فتح المعبر، كي تندلق بمصالحها بعيداً عن قطاع غزة المحاصر.
قبل أيام طار الناس فرحاً في قطاع غزة، وأوشكت النسوة على الزغاريد، فبعد ثلاثة أشهر من الإغلاق المتواصل أعلنت مصر أنها ستفتح معبر رفح لذوي الاحتياجات الإنسانية، ولمدة يومين، وبشكل استثنائي، فانتفض الجريح، وتململ المريض، وتحرك العاجز، واستعد للسفر الطالب والموظف، وقفز من مكانه التاجر، وانفتحت شهية الجميع للسفر، وسال لعابهم في صالات الانتظار، وهم يبرزون الوثائق والشهادات التي تؤكد حالاتهم الإنسانية، لقد انتظر كل أولئك موعد فتح المعبر بشوق وقلق وأمل وخوف وتنافس، وظلوا مصلوبين على حبل الرجاء طوال يومين، أغلق بعدها المعبر المصري أبوابه دون سفر معظمهم، بما في ذلك ذوي الاحتياجات الإنسانية الذين تحدث عنهم وزير الخارجية المصري سامح شكري.
لقد تم استغلال يومي فتح المعبر المصري للتحريض على الأوضاع في غزة، يومان من شحن مشاعر الناس بالكراهية ضد حركة حماس، المتهمة بإعاقة فتح المعبر، رغم استجابة حماس لطلب مصر بتسهيل سفر الحافلات التي تضم 180 اسماً، طلبتهم مصر، بعد أن دفع معظمهم مبلغ 3000 دولار رشوة، كان الطلب المصري بتسهيل سفر هؤلاء الذين تم التنسيق لهم كمقدمة لضمان تسهيل سفر بقية حافلات ذوي الاحتياجات الإنسانية، ولكن بلا جدوى، لقد دخلت حافلات التنسيقات، وسافر ركابها، وأغلق المعبر دون بقية الحافلات.
إغلاق معبر رفح وفتحه على هذه الصورة يضر بالناس ولا ينفعهم، يقهر الناس ولا يخفف من معاناتهم، وبقاء هذا الحال لا يخدم إلا سياسة تضييق الحاصر على غزة، والتشنيع على المقاومة، وهي سياسة مدروسة جيداً، ومنسقة على أعلى المستويات في المنطقة، وتهدف هذه السياسة إلى تضخيم غابات الضجر والملل التي ترويها الشائعات والأكاذيب والخدع الإعلامية، وكل هذا يفرض على حركة حماس أن تفكر جدياً في تطبيق المبادرة التي عرضتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قبل عدة أشهر، المبادرة التي يقول عنها أصحابها بأنها تضمن حلاً جذرياً لمشكلة الإشراف المباشر على المعبر، وحلاً لأزمة موظفي المعبر الذين عينتهم حكومة غزة السابقة، وتشمل المبادرة حلاً للأموال التي تُجبى على المعبر.
ولما كانت حركة حماس هي حركة مقاومة وعطاء، ولما كانت مصلحة الشعب الفلسطيني تتطلب من حركة حماس التضحية بأشياء كثير، فإن واجبها الديني والوطني يقضي بما يلي:
1- الموافقة على مبادرة الفصائل الفلسطينية حول معبر رفح المصري، ووضع الجميع أمام مسئولياتهم السياسية والتنظيمية والإنسانية.
2- تسليم ملف شركة كهرباء غزة بالكامل إلى الفصائل الفلسطينية.
3- الموافقة على قرار مجلس الوزراء الذي دعا إلى إجراء انتخابات مجالس محلية في الضفة الغربية غزة في شهر أكتوبر من هذا العام.
إن الانتخابات المحلية فرصة رائعة لحركة حماس كي تنأى بمكانتها المعنوية وقيمتها الاستراتيجية عن الانغماس بحياة الناس ومشاكلهم، ومطالبهم اليومية التي أثقلت كاهل الاحتلال الإسرائيلي ذات انتفاضة، يجب أن تتوجه سهامها إلى صدر الأعداء وأعوانهم.
د. فايز أبو شمالة