من اقسي الاحداث التي مرت على الشعب الفلسطيني في التاريخ هي النكبة التي افضت الى تهجير اكثر من مليون فلسطيني قسرا عن ارضهم وحقولهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم وما اعقبها من قيام دولة الكيان الاسرائيلي كان الأقسى , هذه النكبة التي نحي ألامها اليوم يعتبرها الكثيرون النكبة الاكبر بالرغم من عشرات النكبات التي عاشها الشعب الفلسطيني, اليوم ونحن ونستذكر قرانا ومدننا التي سلبها الاحتلال وحولها لمواطن لمن لفظتهم عواصم العالم الاسرائيليون والصهاينة واطلقوا عليها اسماء عبرية تناسب كيانهم الدخيل و تناسب انتماءاتهم العنصرية , في ارضنا سرقوا البرتقال والتين وغيروا وجهة الارض لعلها تقبل وجودهم , حرقوا حقول القمح والشعير وسحقوا كل مطاحن الزيت واعدموا الالاف اشجار الزيتون , ردموا السواقي وجرفوا البيادر ونكثوا الجبال وغيروا الحارات والقري و الكفور ..!, خافوا ان تبقي الارض بلونها فتنقلب عليهم يوما ما ..؟ لم يحترموا انسان ولا حيوان ولا طفل ولا امرأة ولا حتى الاجنة في بطون امهاتها , نفذوا المذابح تلو المذابح ,قتلوا النساء بقروا بطونهم ذبحوا الرجال بالمئات واستباحوا حرمات الدين والدنيا , حرقوا المزارع والحقول وهدموا البيوت , فعلوا كل هذا والعالم لم يحاسب منهم احد بل صمت صمتة الشريك ,لم يتبقى لنا الان سوي ان نحيي ذكري مرور اعوام على تلك الكارثة , تلك الجريمة التي كان العالم شريك فيها مع سبق الاصرار والترصد و لم يحاول اليوم وبعد ثمانية وستين عاما لتصحيح تلك الخطية و الخطأ التاريخي الكبير .هنا باتت النكبة شيئا من الامر الواقع واي حديث عنها كجريمة في هيئات المجتمع الدولي او حتى اعادة المطالبة الدولية بإنفاذ قرار 194 في حق العودة و التعويض تعتبره اسرائيل عملا معاديا للسامية.
اليوم هناك نكبة من نوع اخر ,نكبة صنعها الفلسطينيين بأيديهم ولجهلهم لم يقتنعوا بعد ان هذه النكبة , تمكن اليهود من ارضنا وقضيتنا وتقضي على حقنا الكامل في السيادة على هذه الارض انها نكبة الانقسام الذي عزل اكثر من مليون ونصف فلسطينيي سياسيا وجغرافيا عن باقي الارض والديموغرافيا في وطن طالما سعت البرامج الصهيونية على تقسيمة وتفتيته , هذه النكبة صادرت الارادة الفلسطينية و شوهت مسيرة نضال هذا الشعب واعطت اليهود حلول مجانية للصراع على اساس التجزيئي وتحويل المدن و القري الفلسطينية الى كانتونات محاصرة من بينها غزة كانتون معزول عن العالم كليا , يمضي هذا الانقسام اليوم لتسع سنوات ولا بارقة امل في ان ينتهي يوما من الايام حتى بعد عشر سنوات قادمة بسبب غياب البرنامج الوطني الواحد وغياب ارادة الفلسطينيين في التوحد و رص الصفوف وشحذ الهمم للدفاع عن ما تبقي من ارض تحاول اسرائيل سرقتها ومصادرتها ,الانقسام صادرة لأكثر من تسع سنوات حتى الان الارادة الحقيقية للشعب في تجديد شرعية ممثليه وانتهك حق الشعب في قدرته على توحيد الجبهة السياسية الفلسطينية التي تقوي امام كل ممارسات اسرائيل الاحتلالية العنصرية المجرمة , وتحدد شكل ونوع المواجهة المطلوبة في كل وقت وحين بل وتستطيع ان تبني الاستراتيجية الوطنية الحقيقية التي تحمي القضية من تلك المؤامرات التي تتكاثر لتصفية كافة الحقوق الفلسطينية واولها حقه في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وحق اللاجئين في العودة الى ديارهم و قراهم وحق الفلسطينيين في مقدساتهم وحمايتها و الوصول اليها لأداء صلواتهم فيها دون تهديد اسرائيلي .
نكبة اليوم ايها الساسة الفلسطينيين يا اصحاب نظريات المقاومة والتحرير ويا اصحاب المشاريع الوطنية نكبة تشتيت جديدة ونكبة حصار دائم لأنفسنا اولا وللشعب المسحوق الذي اضناه المحتل ولم يستطيع حتى الان ان يوفر لنفسه عوامل الصمود والبقاء على الارض في وجه الممارسات الاحتلالية العنصرية , نكبة اليوم ايها الساسة سيعرفها التاريخ بانها شبيهة لنكبة الاحتلال الاسرائيلي التي مازالت مستمرة , نكبة في تركيبتها وعمقها صناعة فلسطينية غبية كانت تنتظرها اسرائيل منذ زمن لتجزئ الصراع وتكرس الحلول الاسرائيلية العنصرية كسبيل وحيد لأنهاء النزاع الطويل بل ووفر لإسرائيل الذرائع لكى تتعامل مع الصراع على ان حله يأتي فقط بتوقير التسهيلات الاقتصادية لنا كشعب للعيش بحدود اقل ما يمكن ان يعيشه الانسان العادي في هذا العالم دون اي طموح سياسي في وطن مستقل وحر يمكن أبنائه من رسم مستقبل الاجيال القادمة , الم تكن كل تلك التفسيرات و الدلائل الواضحة كافية امام هؤلاء الساسة ليكتشفوا الحقيقة ويعودوا عن انقسامهم وينهوا نكبتهم الحقيقية ويعيدوا لوجوههم لونها الوطني ويحموها من الكلحة امام عواصم العالم وشعوبها ويستروا عوراتهم امام شعبهم الذي بات يعرف ما في رؤوسهم وما تخفيه ضمائرهم .
د. هاني العقاد
[email protected]