مرت عقود على نكبة فلسطين ،حيث تستوقفنا الذكرى ، ويستوقفنا تعاظم التحديات التي تحيق بقضيتنا ، ويسجل التاريخ الراهن لحظات مواجهة عصيبة في الكفاح والمقاومة ، للشعب الفلسطيني العظيم منذ انطلاقة ثورته المعاصرة , ليشق الصخر بعزيمة المناضلين الأحرار ، ويعلم يقينا , إنه يجتاز في نضاله مخاضات صعبة , وقاسية ولكنها ليست عقيمة,حيث توالدت من داخل الرّحم الفلسطيني المعطاء بوارق الانتصار القادم لا محالة على الرغم من اندفاع بعض الحكام العرب إلى سياقات التساوق للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت مسميات عدة، الا إن انتفاضة فلسطين ترسم بالدم خريطة الوطن وتؤكد على أمثولة كفاحية لتغير وقائع الأمس ، لأن الشعب الفلسطيني طال الزمن أم قصر قادر على تحقيق حلم الانتصار والعودة .
إن الشعب الفلسطيني سيكون هذا العام اكثرا تصميما على مواصلة نضاله بإرادته وتضحياته وصموده لانه قادراً على قطع الطريق على كل محاولات الإجهاض والطمس والتجاوز لأهدافه الوطنية وصولاً لتجسيد الدولةالمستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948.
إن ذكرى النكبة وتطورات ما يحدث في الوطن العربي ..وما يعصف في العالم من أحداث تلقي بمزيد من الأعباء الجسام على شعبنا ..وعلى كل الديمقراطيين ..والتقدميين في الوطن العربي والعالم قاطبة , فالإمبريالية المتوحشة والتي تطبق أبشع صور العولمة في سلب وغزو وقهر حرية وإرادة الشعوب في كل من دول المنطقة وما تفعله حكومة الاحتلال في فلسطين , تجعل إرادة الشعوب وقواها الحية إرادة صلبة وعزيمة لا تلين وهي بذلك تطلق صرخة مدوية لأحلام الحرية والعدالة , والديمقراطية في وجه ظلام العصر , وإمبرياليي العالم وأعوانهم .
ومن هنا نؤكد في الذكرى الثامنة والستون للنكبة إن مشاعل الحرية والتي انطلقت من أجل استعادة الحقوق الوطنية المشروعة لن تنطفئ ولن تتوقف إلا بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وبعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها .
إن مظاهر الأزمة الفلسطينية تستدعي تقييم التجارب النضاليه التي مرت في مرحلة الكفاح الوطني الفلسطيني ، وفي ظل الرياح التي تعصف في الساحة الفلسطينية في هذه الأيام, وبكل ما ترتب عليها من الأسئلة وإشكالات, ليست عفوية,حيث ان البعض يساهم بشكل مباشر باستمرار سياسة الانقسام ، الا انه يجب العمل على تطوير وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنيه تتلاءم مع متطلبات النضال الوطني .
لاشك بأن هذا الموقف الذي نتحدث عنه ليس سهلاً لتقيم تجربة نضال الشعب الفلسطيني بعد سبع عقود ,ولكن سيرتب عليه تضحيات ونضال طويل,ولكنه بدون شك أيضاً سيوفر على شعبنا آلام وعذابات من اجل العودة الى جذور النضال ,ومواجهة المشاريع الهادفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية التي تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وان
الحل المطروح ان كان من خلال المبادرة الفرنسية ايضا يحمل مخاطر ، لهذا المطلوب مجابهة الأخطار السياسية التصفوية,المتمثلة بالمشروع الأمريكي – الصهيوني , وكذلك مجابهة الأزمات والصعوبات التي تعاني منها الحركة الوطنية الفلسطينية على أكثر من مستوى وصعيد تكون عبر إطلاق العملية الديمقراطية بعمقها وشموليتها ورفع الديمقراطية كشعار وهدف تلتف حوله الجماهير, وتغذية الطلائع السياسية , والثقافية , والاجتماعية بمبادراتها , وجهودها باستمرار وخاصة ان مسيرة الشعب الفلسطيني بما تحمل من هموم وآمال وآلام , وطموحات, وتضحيات لن تذهب أدراج الرياح بدون شك ، فهذا الشعب المكافح الصابر الصامد الذي لا ينحني أمام قسوة الظروف.
ان الجماهير الفلسطينية التي وقفت من وراء قيادته الشرعية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، تقدم لها من ثقتها وتأييدها ودماء ابنائها ، بهدف الاستمرار في المسيرة ، ولكن تطالب أن تبقى راية النضال مشرعة وهي تمنحكم الصلابة والاصرار والصمود ، حتى يرتفع في يوم لا بد انه آت علم فلسطين واعلام العزة والحرية والكرامة فوق كل شبر من الارض الفلسطينية.
من هنا نؤكد في ذكرى النكبة بأن التجربة النضاليه الفلسطينية هي تجربة تاريخ مجيد للشعب الفلسطيني على مر السنين، ومنذ بدأت المؤامرة الاستعمارية الصهيونية لسلب الارض وتشريد شعبنا، ونتذكر ثورات شعبنا حيث اعطوا دروسا في التضحية والجرأة والوطنية وصولا الى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عشرات الالاف من الشهداء وفي مقدمتهم عمالقة النضال الوطني الفلسطيني الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات ورفاقه عمالقة هذه الثورة وفي مقدمتهم الحكيم جورج حبش وابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وابو علي مصطفى وابو جهاد الوزير وابو عدنان قيس وسمير غوشه وسعيد اليوسف والشيخ احمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد الرحيم احمد ومحمود درويش وزهير محسن وقادة الثورات الفلسطينيه قبل النكبة المعلم الثوري الشيخ عز الدين القسام وعبد الرحيم الحاج محمد وعبد القادر الحسيني وغيرهم الكثير من حملة المشاعل الاولى لنضال شعبنا وكافة الشهداء الذين رووا بدمائهم ارض فلسطين التي طالما اشتاقت لدماء ابنائها ، لتنبت فوقها زهرة الحرية ، كما اسرى واسيرات الحرية في سجون الاحتلال ، سواء في سجنهم الكبير، او في المعتقلات والزنازين، يصمدون في وجه كل محاولات الارهاب والاذلال، ويتطلعون الى جميع الفصائل والقوى ان تبقى شعلة نضال مستمرة .
وفي ظل الظروف الراهنة نرى ان واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يعيش في ازمات حادة على اكثر من مستوى وخاصة بعد تقليصات إدارة الأونروا خدماتها تحت حجة العجز وهي تحاول افتعال أزمة جاري توظيفها سياسياً لابتزاز أبناء شعبنا والضغط عليه من أجل قبوله بتنازلات وحلول سياسية هدفها الأساسي إنهاء مهمة الوكالة بشكل تدريجي، وتصفية قضية اللاجئين مما يتطلب التحرك على كافة المستويات الدولية من اجل التراجع عن قراراتها الظالمة التي تخص تقليص الخدمات المقدمة للاجئين وخاصة الخدمات الأساسية للاجئين في مقدمتها الصحة والتعليم وخلق فرص العمل للشباب الفلسطيني.
ختاما لا بد من القول : اذن نحن نقف امام الواقع الفلسطيني بجوانبه المختلفة يضع القوى السياسية أمام أسئلة وتحديات جدية ، بعيدا عن بعض المظاهر الاحتفالية، غير المقصودة بطبيعة الحال، ولكنها ضرورية من اجل إحياء هذه المناسبة حتى توفر مناخاً لوحدة الشعب ووحدة قواه السياسية والاجتماعية، وتمسكه بحقه في العودة إلى ارضه ودياره التي هجر وشرد منها عام 1948، وأن هذا الحق، لا يغيب مع الأجيال التي عاصرت النكبة، ولا تغيّبه أية اتفاقيات، أو تسويات، أو حلول، وهذا يستدعي من جميع القوى والفصائل التمسك بحق العودة باعتباره جوهر البرنامج الوطني التحرري الفلسطيني. وحماية ودعم صمود اللاجئين واجباً وطنياً وقومياً وإنسانياً.
بقلم/ عباس الجمعة