حينما كنت اقرأ كتاب الطريق الى العبودية ، للكاتب فريدرش هايك ، شعرت انه يتحدث عن واقع الانسان الفلسطيني المعاش في غزة .
ولم اتخيل وانا ابحر في عالم فرضيات الكتب التي قرأتها وخاصة ونحن في القرن الحادي والعشرين زمن الطفرة في كل كماليات الحياة ، وطفرة القوانين والافكار والمؤسسات الانسانية الدولية ، ان يرضى العالم الظالم للإنسان ان يعيش ويفرض عليه حصار كحصار غزة ، ولا اقصد هنا الحصار الاقتصادي فحسب ، بل حصار الكرامة والانسانية،
فاذا اراد الفلسطيني ان يتجه الى الرئة الثانية من الوطن (الضفة الغربية) وبعد معاناة وطول انتظار وسعى دؤوب ليحصل على التصريح لزيارة بلده ، يتوجب عليه ان يمر بالنقاط التالية :
- اولا : نقطة وحاجز 4-4 التابعة لحكومة غزة ، وقبل السماح لك بالوصول اليها يتوجب عليك ان تذهب الى احد المنشآت الخاصة بحكومة غزة وتحصل على تصريح زيارة لبلدك الضفة الغربية
- ثانيا: نقطة وحاجز 5-5 التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله ، ويتوجب عليك بعد السماح لك من اجتياز حاجز 4-4 ان تركب سيارة وتدفع ثمن ركوبها غير المناسب لحجم المساحة ، لتقطع مساحة 1كجم للوصول الى حاجز 5-5 وبعد التدقيق بالأوراق وختم الاوراق والانتظار مجددا يبدأ المسار الثالث ..
- ثالثا : نقطة وحاجز ايرز :ويتم توفير عربات صغيرة تشبه عربات ملاعب كرة القدم لنقلك الى مدخل معبر ايرز ، وبعد الفحص والتدقيق الشديد وتصوير كل جزيئة بك وبحقائبك ، وخضوعك لرحمة المراقبين من الاحتلال يعطى لك اشارة خضراء وتعنى المرور او الحمراء وتعنى العودة الى نقاطك الانقسامية السابقة وهكذا ..
- نقطة وحاجز قلنديا : وحين يذهب الفلسطيني الحامل بطاقة هوية غزة الى القدس لأداء ركعتين لله لمساعدته على مواجهة ازماته ، ورغب في ان يكمل مسيرته لرام الله ، يتوجب عليه جبرا ان يذهب لحاجز قلنديا ، وهناك ايضا خصص لأهل غزة( حاجز وحلابات غزة ) تحمل رقم (5) وايضا يخضع الغزي لرحمة المجند وان لم يعجبه شكله يحجزه بين حلابات لا تصلح الى للقرود الضالة ..
رحلة الغزاوي الى الاردن والاجراءات الخاصة :
ومن الغريب المفروض على اهل غزة يا سادة حين يرغب في زيارة الاردن ان يقدم تصريح يسمى (اللا ممانعة) وبعد انتظار بين القبول والرفض ، ومروره على الحواجز الست ، ويبدأ بالدخول الى معبر الاردن الشقيق ، وحين يرى الموظف جواز سفر وفيه العنوان من غزة ، يطلب منه وبشكل تلقائي التوجه لشباك رقم 10 المخصص فقط لسكان قطاع غزة ، في حين ان فلسطينيي الضفة الغربية لا تنطبق عليهم هذه الاجراءات وكأن اهل غزة ابناء البطة السوداء والعرجاء ..
رحلة الغزاوي الى مصر وجحيم دولة معبر رفح :
وحينما نتحدث عن المعاناة الإنسانية الحقيقية ، وصور من صور الاضطهاد والعبودية ، وقسوة ومرارة السفر وكأنه قطعة من جهنم ، فلابد التحدث بجرأة عن معبر رفح ، وجحيم السفر منه اما للعلاج او التعليم او المرور منه الى الدول العربية لأنه المتنفس الوحيد لأهل غزة ، دون الوقوع في مصيدة معبر ايرز ، ولكن لانهم اهل غزة فلابد لهم ان يذوقوا المر والحنظل ، ولابد ان يرحلوا الى تخشيبات المطار ، ومعاملتهم كبشر من النوع الثالث لمجرد انهم من قطاع غزة ! ومآسي معبر رفح اكبر من سطوري ، فكم من مريض قتل انتظارا ، وكم من موظف فقد عمله ، وكم من هرم مات اختناقا ، وكم من حامل اجهضت ، وكم من مغترب فقد اقامته في الدول العربية ولازال جحيم معبر رفح يلفظ لهيب نيرانه القاسية على أهل غزة ..
قصتي كمواطن من غزة في مطار زغرب:
قدرت لى الظروف ان اكون ضمن وفد فلسطيني من غزة للسفر الى مدينة زغرب عاصمة كرواتيا ، للتعرف على تجارب الصراع في شبه جزيرة البلقان ، وبعد معاناتي في السفر ، وصلت الى مطار زغرب وحين سلمت جوازي الى موظفة المطار كباقي الزوار من بقية دول العالم ، وما ان رأت الموظفة كلمة فلسطيني ومن غزة حتى اصفر لونها واحمر ، وعلى الفور استدعت الشرطة وس وج وتفتيش حقائبنا ، ولولا موقف رئيس الوفد الذى تصرف بكرامة عالية ، وأجراء اتصالات مع الدعيين لنا ومنظمات حقوق انسان بلقانية ، لكان مصرينا العودة من حيث جئنا ..
مواطن قطاع غزة وتخمة سلال الازمات :
بكل موضوعية لو قسنا مساحة قطاع غزة وعدد سكانها ، وتزاحم ازماتها من حروب وحصار وبطالة وانعدام البنية التحتية والاعمار والكهرباء والماء والوقود ، وحالات الانتحار ، لكانت غزة الرقم الاول فقط لأنها لاتزال تتنفس وتجدد عشقها للبحر متنفسها الوحيد وحامل همومها ، فاليك اشكو يابحر غزة بعدما شكوت لي من اهمالهم لك وتركك فريسه للتلوث البيولوجى ، اعد لي مجدى المغتصب وحضاراتي الدفينة ،في رمالك الحائرة ..
بقلم/ د. ناصر اليافاوي