عندما تتجول بمدينة غزة.... ولمن يعرفها بزمانها الجميل ...وبواقعها المرير.... سيصاب بحالة غريبة ..واندهاشا يصل به الي حد الغضب ....وسيصاب بغربة شديدة ....لتجد نفسك بحالة اغتراب ..مما يزيد من قسوة الحال ...وكأنك لست مولودا علي هذه الارض ....ولم تعش بشوارعها ...ولم تلعب بأزقتها ...ولم تتعرف علي منازلها وعائلاتها ...كبارها وصغارها .
غزة الغريبة عن اهلها ...بما طرا عليها ...وبما تداخل بتفاصيلها ...هي ذاتها غزة التي لا زالت علي عهدها ...ووفائها وانتمائها...غزة الجريحة المتألمة.... التي لازالت تنزف بما اصابها من انقسام ...اصاب مجتمعها بالكثير من الامراض الخبيثة ...والسلوكيات الشاذة والمنحرفة ..والتي لا زالت بحالة انتشار ..كالنار بالهشيم ...تحرق اجساد اطفالنا ..كما وتقتل كبارنا ..وتهجر شبابنا ..وتعصف بأحوالنا ....لتزيد من همومنا ومصاعب حياتنا .
غزة ....برمالها الصفراء التي لا تعرفها الاجيال الحالية ...وبأشجارها الخضراء التي لم تعد تري بالأعين ..وببرتقالها الاصفر الذي لم يعد بأسواقها ...غزة بكل زيتها وزيتونها ...اصبحت معلبات اسمنتية ...لا روح ولا هواء فيها... وتفتقد علي مدار لحظتها اجمل ما فيها ...واعظم ما يميزها .
غزة المخنوقة بحصارها ...والخانقة لأهلها ...بكافة تفاصيل حياتهم المليئة بالحرمان والالام ....لا زالت علي عهدها ...ووفائها...وانتمائها ....لا زالت علي كبريائها وعزتها .
غزة باهلها الطيبين المخلصين... الاوفياء لوطنهم المتمسكين بحقوقهم ...وثوابت قضيتهم ....عاشوا ...ولا زالوا يعيشون سنوات عمرهم ...بما مرت عليهم من احداث متلاحقة ...ربما يعرفها البعض وربما لا يعرفها الكثير من الاجيال .
غزة ....منجبه الرجال ...والامهات الماجدات ...صانعة عزتهم ...تجد نفسها بعزلة ...وبحالة قهرية ...بما يدخل علي اهلها من عادات وسلوكيات لا علاقة لها بتكوينهم ....وتربيتهم وجذور علاقاتهم وثقافتهم ....وحتي لملامح وجوههم ومحبتهم لبعضهم ...وابتسامتهم التي لا تفارقهم .
ما نشهده ...فيه الكثير مما ليس فينا ..وليس بيننا ..غزة القديمة ....بكل جمالها ...عمرانها وازقتها ..شوارعها واهلها ...عائلاتها وكبار ها ...فيها الكثير من الاصالة والتاريخ ....والجذور التي نعشقها ...ونحب رؤيتها ...ونشتاق اليها والي معالمها ...عناوينها ورموزها .
غزة فيها حداثة مصنعة ...اضاعت جمالها ...حتي اصبحت بلا طعم ...وبلا هواء وبلا اشجار خضراء ...حتي اصبحنا نجد فيها من لا نعرفهم ..ولا نعرف هويتهم ..ولا جذور تاريخهم ...بحكم عوامل ديموغرافية وامتدادات جغرافية ....وتداخلات مناطقية .
غزة باهلها ....بجذورها وعائلاتها ..واحيائها المعروفة والممتدة مع بعضها البعض ....وبكل سكانها الذين تنقلوا ما بين الاحياء.... وحتي من اقتحموا مناطق الرمال الصفراء ...والاشجار الخضراء ...ليعيشوا فيها ....بفعل عوامل الزيادة السكانية ..لا زالوا علي عاداتهم وسلوكياتهم واخلاقياتهم .
لمن لا يعرف غزة.... وعبر عشرات السنوات ومنذ عهد الادارة المصرية بالقطاع لم يرتكب فيها الا جريمة واحدة ...ربما يذكرها البعض ...ولا يذكرها الكثيرين.... كما كان يحكم غزة ويعمل علي امنها ونظامها فرقة شرطية مكونة من بضعة عشرات .
غزة الامنة باهلها واخلاقياتهم ....عاداتهم وتقاليدهم ...تربيتهم وتعاليم دينهم ...وبما توفر لهم من ظروف معيشية كان الجميع يقبل بها ..ولا يعمل عل زيادتها بطرق وسلوكيات غير لائقة ....لان هناك من الضوابط والاحكام واحترام الكبار ...ما يجعل الصغار اكثر التزاما وانضباطا .
غزة لمن لا يعرفها ...وبذاكرة اجيالها عشرات النماذج الوطنية والاجتماعية والثقافية والاعلامية ....عشرات النماذج من الشخصيات القيادية المحلية التي كانت تحظي بالاحترام والتقدير ..هناك العشرات ممن تولوا المناصب ....وهناك العشرات ممن صنعوا مناصبهم ومكانتهم بفعل جهودهم ...وكرمهم وسخائهم .
لا اعرف... من اين ابدا اسجل اسماء هؤلاء الذين سيبقون بذاكرة غزة واهلها ....كما سيبقون بذاكرة فلسطين وشعبها ...واذ نستذكر البعض منهم اليوم ...ليس لشئ ....وانما كم نحن بحاجة الي توثيق عهود اجيال متعددة ...حتي لا يصابها النسيان ...وحتي تبقي بذاكرة الاجيال.... وحتي تشكل نموذجا يقتدي به الابناء والاحفاد ...وان لا نشعر للحظة واحدة ان غزة بكل بطولاتها وصبرها ...شجاعتها واقدامها ..صبرها علي حالها ..و ليد ظرف طارئ.... بقدر ما يعبر عن جذور تاريخ قديم لا زال يتراكم عبر الاجيال ...ولا زال يشكل وعيا وطنيا وموروثا ثقافيا... نستمد منه وعبره ومن خلال ذاكرتنا بعض النماذج القيادية لشخصيات اعتبارية ..ستبقي محفورة بذاكرة غزة واهلها وعبر الاجيال.... ومنهم علي سبيل المثال وليس الحصر فهمي الحسيني ..منير الريس ..حيدر عبد الشافي ...رشاد الشوا ...زهير الريس ..راغب العلمي ...ابراهيم ابو ستة ..مجدي ابو رمضان ..فايز ابو رحمة ...حامد ابو ستة ..موسي الصوراني ..الشيخ هاشم الخزندار ..زهير الصوراني ...جمال الصوراني والعشرات من الشخصيات التي تبوات العديد من المناصب داخل القطاع ...كما لازالت الذاكرة تسجل العديد من الاسماء ومنهم محمود نجم .
غزة صانعة مجد الرجال والاحرار والتي انجبت الشاعر معين بسيسو ...وهارون هاشم رشيد ..غزة التي خرج من ارضها المجموعات الاولي من الفدائين الذي كان يقودهم الشهيد مصطفي حاظ ..كما خرج من ارضها الصفوف الاولي من ضباط جيش التحرير الفلسطيني والذين اسسوا قوات التحرير الشعبية ومن ثم شكلوا قيادات عسكرية وتنظيمية داخل حركة فتح .
غزة صانعة الرجال والزعماء وعلي راسهم الشهيد الرمز ياسر عرفات وخليل الوزير وكمال عدوان وابو يوسف النجار وابو صبري صيدم ..وماجد ابو شرار ... وعاطف بسيسو ...وفضل الضاني ..وغيرهم العشرات بل الالاف من شهداء ورموز حركة فتح ...كما كان لغزة هاشم صانعة الرجال شرف ان يكون علي ارضها ويستشهد من اجلها ....ولاجل فلسطين ومقدساتها الاستاذ الفاضل والشيخ الجليل الشهيد المجاهد احمد ياسين والشهيد القائد مؤسس حركة الجهاد الاسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي والعشرات بل المئات من الشهداء والجرحي والاسري ...والذين يؤكدون ان غزة ....والذي استشهد علي ارضها اللواء موسي عرفات ....واطال عمره اللواء مصباح صقر هم من خيرة ضباط جيش التحرير والذين تولوا مناصب بالسلطة الوطنيىة ...هذا الجزء الجنوبي من محافظات الوطن ...وبما تربوا وعاشوا عليه.... لن يكون الا جزءا اصيلا واساسيا من دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية ..وان تكون علي الدوام تحت مظلة الشرعية الوطنية الفلسطينية ..ولن تحيد عن اهدافها وبرنامجها ....كما تاسست منظمة التحرير الفلسطينية علي ارضها.... وكما تاسس جيش التحرير الفلسطيني علي ارضها سيبقون علي عهدهم ....ولن ينسون رجالهم .....والتي ستبقي بذاكرة الاجيال .
بقلم/ وفيق زنداح