برزت إلى الواجهة التنظيمية مجددا قضية تقديم الهيئة القيادية العليا لحركة فتح في قطاع غزة إستقالتها للأخ الرئيس محمود عباس وللإخوة أعضاء اللجنة المركزية للحركة، وبما أن هذه الهيئة الحالية أو الهيئات التي شكلت سابقا، وبما لهم من حسنات وعليهم من مثالب، وربما تكون هذه المثالب والأخطاء من أهم الأسباب التي تدفع كوادر وجماهير حركة فتح إلى التردد والحيرة والتفكير بجدوى هذه التكليفات من عدمه.
نعلم جيداً أن القيادة فن وقدرة وفعالية وبراعة وهذه الصفات تلتصق بالكثير من قيادات حركة فتح و كوادرها وأبناءها المخلصين، ولكن الحمل الثقيل وضيق الوقت والأوضاع والأزمات المعقدة في فتح تحتاج إلى تفعيل " لجنه النخبة " وكل من لهم باع طويل في ذلك، من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف المنشودة التي تنادي وتتبناها حركة فتح بالنمو والتطور والازدهار لديمومتها ولخدمة أبنائها، حيث أن من أهم واجبات هذه اللجنة إضافة إلى عملها بالتخطيط والتنفيذ، هو إيصال أفكار وبرامج قيادة فتح العليا وأهداف وإستراتيجيات الحركة بكل بوضوح وشجاعة إلى الجماهير من أبناء وعناصر وكوادر فتح، من اجل إن يساهم الكل في تعميق الأفكار وتحويلها إلى منجزات تتحقق بها الأهداف، وذلك من خلال العمل وكأنهم في (بوتقة واحدة) أو فريق واحد، لأن أسوأ مرحلة تمر بها الحركة الآن هي حالة الصراعات والتجاذبات وحالات الشك المزمنة وعمليات الإسقاط المتبادلة وتراشق التهم بين هذا الفريق أو ذاك، كما في العديد من الحالات كحالات التراشق الإعلامي والاتهامات بين أعضاء مجلس ثوري وأعضاء لجنة مركزية وأعضاء هيئات قيادية سابقة، علاوه على مشاكل ملف تعينات 2005 والإخوة المقطوعه رواتبهم، وملف الموظفين وإستحقاقات العسكريين في المحافظات الجنوبية والحالة المتأزمة التي تمر بها حركة فتح في أي تشكيلة للهيئة القيادية العليا لإدارة أمورها في قطاع غزة وما يتلوها من ردود أفعال من الفتحاويين، فهذه الأمور كلها تأتي في الوقت الذي تجد الحيرة والدهشة في فكر ونفوس الجماهير التي تحب فتح والتي كانت وما زالت تتوسم في قيادتهم الخير والأمل لبداية مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار والنمو لحركتهم بعد الطوفان الجماهيري المليوني على أرض سرايا غزة بذكرى الانطلاقة المجيدة الثامنة والأربعون.
ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد على أن القادة الذين لا تقدِر قيم الإخاء والتعاون والمحبة على أساس العدالة وتقدير العقول المبدعة مع الآخرين، وعلى أسس من الوطنية التنظيمية الصالحة فإنها بطبيعة الحال ستولّد حالة من العداء والاستعداء في صفوفهم، وبين منظوماتهم التنظيمية، لذلك على القادة والمسئولين في فتح أن يعوا خطورة المرحلة ويتركوا هذه الصراعات والمهاترات والمناكفات والانقسامات من أجل مصلحة فتح والفتحاويين.
هناك حقيقة لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها أو القفز عليها، إذا أريد لهذا الكيان الفتحاوي أن ينمو ويزدهر وينهض مجددا من كبواته وإخفاقاته، وإذا أريدت لجماهيرها أن تعيش بعزة وكرامة وأمن وأمان واستقرار وازدهار في ظلها، بعيدا عن الصراعات العقيمة والسياسات الضيقة الهوجاء، وهذه هي الحقيقة التي طالما تحدثنا عنها وأكدنا عليها في عدة مقالات سابقة، وهي أن تقدم المصالح الوطنية الفتحاوية العامة على المصالح الفئوية والعنصرية الضيقة.
فما تشهده حركة فتح في الوقت الراهن من مماحكات ومناكفات وتقاطعات واتهامات تنظيمية حادة وفي هذا الوقت بالذات، يبعث على الكثير من الأسف والأسى والإحباط والاستياء من أحرار وشرفاء فتح، صحيح أن واحدا من أبرز مظاهر الديمقراطية هو اختلاف الرؤى والمواقف والتوجهات تحت قبة المجالس والهيئات والدوائر الحركية المنتخبة " فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية "ولكن لابد أن يكون لذلك الاختلاف في حدود وسقوف، إذ من غير المنطقي ولا المقبول أن يكون مفتوح على كل الاتجاهات والمستويات وعبر وسائل الإعلام والملتقيات والمجالس والدواوين من هذا وذاك، لأن ذلك من شأنه أن يفضي إلى الفوضى والتشكيك وعدم الاستقرار في الحركة ونشر غسيلها للقاصي والداني، وهذا يعني الذهاب إلى أسوأ الخيارات، وكل ذلك ينعكس على عموم الجماهير الفتحاوية وعلى معنوياتهم ونفسياتهم التي أعيدت لها اعتبارها بعد مهرجان الانطلاقة، وبعد أن تتحول مؤسسات فتح بدوائرها وهيئاتها واتحاداتها، منابر وميادين للصراعات وتصفية الحسابات فيما بينهم، وبدلا من أن تكون أدوات لتقديم ولتطوير العمل الفتحاوي ولخدمة جماهيرها ومستقبلهم، وإصلاح الواقع السيئ والتقدم إلى الأمام.
الآن على أحرار وشرفاء فتح وقادة ومسئولين وأصحاب قرار تنظيمي إضافة إلى الجماهير الفتحاوية سوى أن يرفعوا أصواتهم الجهورية وتشنيج عضلات وجوههم وأيديهم لإصلاح الواقع التنظيمي في فتح، فكفانا شعارات وتبريرات ومهاترات وتنطنات وعنطزات وشلليات وبلديات وعنصريات ومكابرات وفشخرات، و..و..و..!! فإنها متاجرة أثبتت خسارتها بحق حركتنا الرائدة فتح، وكفانا وكفانا فقد ملأت خزعبلات البعض منا رؤوسنا بل وأوجعتها وصدعتها وأصبحت كل الأدوية المسكنة لا تنفع معنا، وأوصلتنا الى معدلات مخيفة من التخمة الشعاراتية، وأية زيادة ثقوا تماماً سوف تؤدي إلى تقيؤنا بوجوه كل من يسيء لحركة فتح، فاحذروا على الملابس المترفة مخافة أن تتعكر، وتكونوا مضطرّين لعدم مواصلة المشوار.
لقد استطال صبر أبناء حركة فتح وصبر حركة فتح نفسها علي المسيئين لها، وحلمها بهم وانتظارها لهم، عليهم أن يدركوا قليلاً، ويعودوا إلى رشدهم، فيقطعوا مسلسل الاستنزاف الرهيب لكينونتها ودمعها وعرقها ونضالها وتضحياتها وشهداءها وجرحاها وأسراها، والطعن الأخوي المستتر فيها، وأن يقلعوا عن عادة المتاجرة بالآهات الساخنة أو الباردة أو الدافئة، وحذلقة بيع الوعود الطازجة أو المجمدة أو التالفة، فما زالت فتح هي فتح وستبقى فتح هي فتح، لا يوقف جلدها غلواء المحنة، أجل ما زالت شاسعة كالأفق، ورحبة كالمدى، وفسيحة كالسديم، ما زالت بسخائها المعهود تهب، وتعفو، وتمنح، وتعطي، وتحب وتتجاوز، كما الشجرة المثمرة، بل المثقلة بالخير التي لا تزيد الراجمين إلا ثمراً، مهما تمادوا في الرجم، فاتحة ذراعيها لاحتضان الجميع، تحنو وتترفع عن الذاتية، ولا تجيد سوى مواصلة العطاء والعطاء بلا حدود، إلا إن البعض فيها رغم ذلك ما زالوا يواصلون الطعن في قلبها الكبير، فكفانا استغفالاً لأنفسنا ولحركتنا الغلابه فتح، كفانا انغلاقاً وإعجاباً بفسيفساء أطروحاتنا الشخصية، كفانا تعليقاً لأخطائنا على شماعة غيرنا، ونستثني دائماً أنفسنا، كأننا معصومون عن الخطأ، وإن لم نجد فعلى شماعة الظروف المبيحة أذرعها لحمل كافة أنواع الأخطاء، طاعة وبكل رحابة صدر..!! ولكن مـن يصنع مـن؟! فالذي لا يقدر منا فليتنحّى جانباً، وليفسح المجال لغيره، فما خلقت لنا الرئاسة والمسؤولية، ولم ينزل بها من السماء صك بأسمائنا وعناويننا وعائلاتنا ومناطقنا وأقاربنا ومعارفنا، بل خلقنا لها، والزمن لا يحتمل المزيد من التأجيل، ليخلق قائداً للضرورة جديد، فالفرصة ما زالت ملك إرادتنا.
يا شرفاء وأحرار فتح أخاطبكم بلغة العقل عليكم باستفاقة ضمير واستفاقة غيرة وحمية وانتم تدعون حب فتح، وان صراعكم من اجل إنقاذها، وان كنتم كما تدعون فلنعمل جميعا ويداً بيد من اجل إنقاذ فتح من هاوية تنحدر إليها واقترح في هذا حل أراه مناسباً لإنقاذها وأبناءها وكوادرها وجماهيرها ومحبيها على أن:
1- نعتبر أننا أمام بناء جديد يعتمد على ما أنجز خلال المرحلة الماضية نأخذ منه الجيد ونرمي السلبيات خارجا ووفق هذه النقاط القابلة للنقاش والتنقيح والإضافة والحذف.
2- دعوة الأطراف الفتحاوية الكبيرة من اعضاء لجنة مركزية ومجلس ثوري واستشاري إضافة إلى عدد من الإخوة الأسرى المحررين والأكاديميين والاستشاريين " لجنة النخبه " في فتح إلى اجتماع عاجل يوضع له برنامج قوامه وعنوانه الكبير هو تخليص فتح من أزمتها المتفاقمة.
2- اعتبار المرحلة الماضية مرحلة مخاض طبيعي وكأننا مررنا بزلزال أو أي كارثة، وان يتقبل الجميع خسائرها ومآسيها على أن يكون القادم إرادة قوية تتجاوز المحنة وان يكون العمل لمنع أي خسائر جديدة مهما كان حجمها صغيرا.
3- العمل على تشكيل " لجنة إنقاذ وتقويم " يكلف به عدد من الإخوة الذين لهم في فتح اكثر من ثلاثة عقود ومن الحكماء وذوي الخبرة والكفاءة المشهود لهم دائمة بالنزاهة والعلم، وأن تكون مختارة بعناية فائقة ومتفق عليها من قبل الكل الفتحاوي تكون مهمتهم وضع أسس متينة إصلاحية ترسخ مبدأ اتفاق قوامه أن فتح لكل الفتحاويين وليس عليهم سلطان.
4- العمل الجاد على تحويل الاختلاف إلى تنافس شريف يهدف إلى الارتقاء بالتنظيم الفتحاوي، وإعتبار مؤسسات وهيئات فتح وما تقدمه من خدمات خطا أحمر لا يمكن المزايدة عليها من أية جهة كانت.
5- تكريس قيم الولاء لفتح والثقة بين أبناءها حافزا نحو التطوير والإبداع.
6- تداول ثقافة الرأي والرأي الآخر لإنتخاب الأفضل وإنتقاء الأكمل حيث إن الحكمة ضالة العاقل يأخذها ولو إنطلقت من مجنون.
7- إنتخاب قيادات الهيئات والإتحادات والمجالس والمؤسسات والمكاتب على أساس البرامج والمقترحات الناهضة بفتح.
8 إنضاج الآراء من قبل القادة والمسؤولين بإستشارة أصحاب الرؤى والإختصاص كل حسب إختصاصه وفي جميع الميادين.
حركة فتح يكون جميع القادة والمسؤولين فيها ولاءهم لفتح وديدنهم خدمة أبنائها وجماهيرها، يكون فيها البناء تراكميا يبدأ القائد أو المسؤول الجديد من حيث ينتهي القديم، وهكذا تكون فتح في تطور ونمو مطرد والجماهير الفتحاوية في بحبوحة من العيش يرفل فيه بحرية ويتنعم بعدالتها المعهودة، حب فتح فيها فوق كل الاعتبارات وكرامة ورفاهية جماهيرها خط أحمر لا يمكن تخطيها أو المزايدة عليها، فمسؤولية البناء التنظيمي لفتح مسؤولية تضامنية يتحملها الإخوة في اللجنة المركزية مرورا بالمجلس الثوري والقواعد والمنظمات والمؤسسات والهيئات والدوائر الفتحاوية، وكل من له باع في هذا الشأن، وكل من له تأثير وكلامه مسموع عليه أن يؤسس لهذه الحالة الإيجابية التنظيمية والضرورية في آن واحد.
على القائد أو المسؤول في أي موقع كان في حركة فتح أن يحاول البناء ما دام يعمل في موقعه وأن يكون حريصاً أتم الحرص على هذا البناء، بمعنى أن يكون تفكيره تفكيراً تنظيميا وأن يبني بناء تنظيميا مؤسساتياً، والسبيل إلى بناء فتح التنظيم هو الإرتقاء بدوائرنا ومراكزنا ومؤسساتنا بتقديم الأفضل إزاء كل ما يجذر ثقافة التأسيس لهذا البناء العظيم.
ورغم هذا الوضع الشاذ والتحديات الكبيرة التي تواجه فتح والفتحاويون والتي تستوجب تكاتفهم ووحدتهم , فإن البعض ممن يعتبرون أنفسهم قادة فيها أثروا إلا أن يكونوا أداة طيعة بيد أعداء فتح، خارجيا وداخليا، ممن لا يريدون لفتح ولا لأبناءها خيرا، فيهدفون إلى تخريب وتدمير العملية التنظيمية وإدخال فتح في دوامة حرب شعواء لا تبقي ولا تذر بين هذا وذاك، فلم تترك هذه القيادات التي تنسب نفسها الى فتح، فرصة إلا وسعت من خلالها لأجهاض العملية التنظيمية سواء عبر تعطيل البرامج والقرارات التنظيمية بل وشلها، أو عبر خلق المتاعب للقيادة العليا لفتح وإلى لجنتها المركزية ومجلسها الثوري وإضعافهما بغية إسقاطها وإدخال الحركة في حالة من الفراغ والفوضى التنظيمية.
وفي ظل هذا الوضع الحرج فلا تملك الكوادر الفتحاوية المناضلة التي ضحت وقدمت الكثير في سبيل الحصول على حريتها وكرامتها وديمومة حركتها وبقاءها، لا تملك غير خيار دعم وإسناد وتقوية العملية التنظيمية ولو مؤقتا، من أجل تمتين ديمومتها، ومنع كائن من يكون وتحت أي إسم او مسمى من العبث بالوضع التنظيميي الفتحاوي وإعاد عقارب الساعة إلى الوراء والإطاحة بالمكتسبات التي تحققت وعمدت بالدم.
لقد وضعت تلك القيادات مصالحها الشخصية والفئوية الضيقة, ولقد أن الأوان لوقف هذه القيادات عند حدها, ورسم خطوط حمراء لها لن يسمح لأي كان بتجاوزها، ففتح خط أحمر ولن يسمح لأي كان بتعطيلها أو تدميرها.
وأخيرا وليس بآخر فالبناء التنظيمي لفتح بحاجة إلى ثقة متبادلة بين القادة والمسؤولين وبينهم وبين الكوادر والجماهير، وإذا لم تكن الثقة موجودة سيُتهم كل من يفكر ولو كان تفكيره تفكيراً صحيحاً وسينهار العمل ولو كان سليما!! فالكل الفتحاوي معنيون بالدرجة الأساس بمد جسور الثقة فيما بينهم حبا لفتح الذي يعيشون في كنفها، وولاء للجماهير التي رفعتهم إلى مواقعهم التي هم عليها الآن، فكفانا سنوات وسنوات مضت ونحن نراوح مكاننا، لا نتقدم خطوة إذا لم نتراجع خطوات إلى الخلف، فلابد إذن من وجود ثقة فيما بيننا حتى نستشعر فعلاً إن البناء التنظيمي الفتحاوي بدأ يدخل حيز الواقع والتنفيذ ولو في خطواته الأولى.
آن الأوان، لأن نضع فتح، وليس أنفسنا نصب أعيننا أجل فتح وحدها، لأنها تستحق فعلاً، ونتجرد من كل الألقاب والمسمّيات والانتماءات.. و.. و.. و..!! سوى فتح، لنعيد لها نقاء نضالها، واشراقة جرحاها واسراها، وعذوبة دماء شهدائها، لنعيد كركرات زهراتها وأشبالها، وفرح شيوخها ونساءها، وابتسامات شبابها ومناضلوها، لنعيد لها روحها التي أنهكها الانتظار وجسـدها الذي مزّقه القلق.
آخر الكلام:
يا شرفاء وأحرار فتح، إن الأمل ما زال موجود، والعمل هو المطلوب، ومعاً وسوياً حتى تحقيق الهدف المنشود، بتمتين وترتيب البيت الفتحاوي الكبير.
بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي