أعراس الشهداء تهزم الإحتلال

بقلم: جبريل عودة

لأنهم الشهداء , أنقى وأطهر القيم الوطنية , وأكثرها تفاعلاً في الوجدان الشعبي , لأنهم الشهداء منارة الوطن ورصيده القومي , لأنهم الشهداء دمائهم بوصلة المسار الوطني , أشلائهم سياج الحماية للوطن ومقدساته , لأنهم الشهداء تضحياتهم مانعة للإنكسار والهزيمة , لأنهم الشهداء حكاية فلسطينية تتوالد فصولها مع الأجيال , لأن جنازاتهم أعراس كرامة , ونعوشهم عروش عزة وكبرياء , لأنهم الشهداء يسير خلفهم طوابير من الشهداء , وتتزاحم على حمل أجسادهم الطاهرة أكتاف الفدائيين , لأنهم الشهداء جيشاً لكنس الإحتلال وإزالته , من أجل ذلك يخشاهم أردان وزير الأمن الداخلي الصهيوني ومن خلفه حكومة الإحتلال , لذا حرص قادة الإحتلال على ترتيب مراسم دفن خاصة بشهداء إنتفاضة القدس في عتمة الليل , وبحضور عدد قليل من ذويهم , في محاولة بائسة لإطفاء نور الشهداء , وجذوة جهادهم وثمرة تضحياتهم , فالشهيد كان قبل إرتقائه ثائر مقاوم , وبعد إستشهاده قدوة وصورة مشرقة للفداء , في جنازات الشهداء تشرق شمس إبائهم على جموع المشيعين , ويفوح عبقهم وينتشر مسكهم عبر مساحات الوطن , وتتوق الأجيال لتكرار بطولاتهم وإعتلاء منصتهم حيث التضحية بالدماء والأشلاء في معركة الشعب المقدسة .

ما يحدث مع شهداء إنتفاضة القدس يذكرني بما كان يحدث مع شهداء إنتفاضة الحجارة , حيث كانت قوات الإحتلال تطارد جثامين الشهداء , وتحتجزهم وتجبر ذويهم على دفنهم ليلاً بمشاركة عدد قليل من أقاربهم , للحد من تأثير جنازات الشهداء على رفع الروح الوطنية والتعبئة للقتال والشهادة في مواجهة الإحتلال , فكانت فعاليات الإنتفاضة آنذاك إلى جانب ذوي الشهداء يحرصون على عدم إحتجاز الإحتلال لجثمان الشهيد عبر سحبهم من أماكن المواجهات , أو إخراجه من ثلاجات المستشفى قبل وصول دوريات الإحتلال التي كانت تطارد الشهداء , وبالرغم من كل هذه الإجراءات التعسفية الإجرامية , كانت جنازات الشهداء تخرج رغم أنف الإحتلال كزفة عريس , موشحة بالإعلام والرايات الوطنية يرافقها الهتافات والأناشيد الثورية التي تعزز الإنتماء للوطن وتنادي بالمقاومة والثورة .

وليعلم الإحتلال أن هذه الإجراءات العدوانية , لن تمنع إعتزازنا وفخرنا بشهدائنا الأبطال , ولن تقتل فينا ثقافة الشهادة عبر حبس الجثامين وتجميدها , وإن كان في ثقافتنا إكرام الميت دفنه , فإن من إكرام الشهيد التغني ببطولاته , والهتاف بإسمه لتشهد كل الدنيا على صنيع أبطالنا , وليسطر تاريخنا أمجادهم بصفحات من نور , ومهما طال زمن إحتلالكم فأن الأرض للشهداء , وأنتم وإحتلالكم إلى زوال , ستلفظكم أرضنا فهي لا تقبل الا طينتها , لقد أغاض الإحتلال وإرتعب كيانه من إحتفاء الشبان بشهيدهم وفارسهم المقدسي علاء أبوجمل , فلما العجب من هذا الإستقبال للشهيد , هكذا هي الشعوب الحية لا تنسى اللحظات المفصلية للتأكيد على هويتها الوطنية , ومواكب الشهداء كانت دوماً إعلان للإنتماء لهذا الأرض , فلقد حرص الشباب المشاركين في الجنازة على التأكيد إتجاه بوصلة الشهيد حتى لا تنحرف المسارات عن المسجد الأقصى المهدد بغول التطرف والتهويد الصهيوني , وهتفوا في زفة الشهيد لتجديد العهد مع إنتفاضة القدس فهي طوق النجاة الوطني , وحائط الصد لكافة المؤامرات والإستهدافات لقضيتنا الوطنية .

ما يمكن إستخلاصه أن كيان الإحتلال عبر قرار إحتجاز جثامين الشهداء والتوقف عن تسليمهم لذويهم , يعترف بالهزيمة أمام الشهداء , حتى بعد أن فاضت أرواحهم إلى بارئها , فهم مشاريع قتال وإن كانوا في الأكفان , هم صوت الغضب الفلسطيني القادم بنداء زحف الشهداء نحو القدس , لقد إنتصر الشهداء مرات ومرات على هذا الكيان الإحتلالي الزائل بإذن الله , إنتصروا يوم أن أمنوا بأحقيتهم في هذه الأرض المباركة , إنتصروا يوم أن تحركوا من أجل قتال محتليها الأغراب , إنتصروا يوم إرتقوا شهداء في ميادين الشرف والبطولة , إنتصروا وهم محمولين على أعناق الشباب الثائر في جنازات مهيبة تموج بآلاف الثوار , فالشهادة ميلاد أمة ونهضة شعب , فلن تموت أمة يتسابق شبابها نحو الموت حفاظاً على كرامتها وردعاً لعدوها وصوناً لعرضها وحماية لمقدساتها , وهم كذلك شهداء إنتفاضة القدس , خرجوا من أجل طهر الأقصى وحرمته أن تمس تدنيساً من عصابات وقطعان المستوطنين الأوباش , فلن يضيع الله دمائهم الطاهرة وسيكتب لها نصيباً في إنتصار قضيتنا العادلة على باطل الإحتلال .

بقلم/ جبريل عوده