فاشية الكيان.. لعبته الحزبية ووهم "نزعة قادته الأخلاقية"

بقلم: فايز رشيد

لا يختلف اثنان، على التسارع المستمر في تقييم المنحى الفاشي لطبيعة التحولات الداخلية في إسرائيل، نحو شكل جديدة مُطوّر إلى ما بعد ظاهرة الفاشية.
من الطبيعي أن يكون دخول ليبرمان الحكومة الإسرائيلية، سيزيدها يمينية وتطرفا، عدا أن تعيينه وزيراً للدفاع يعني، تطويرا في وسائل القمع التي تنتهجها إسرائيل ضد شعبنا في كل مناطقه.
معروف ان ليبرمان شغل منصب وزير الخارجية بين الأعوام (2009- 2012 ثم 2013- 2015) وهو شخصية كريهة لدى الفلسطينيين والعرب، وغير محبوب لدى الغربيين عموما، بسبب تصريحاته الواضحة جدا، التي تعكس حقيقة العنصرية والفاشية السائدة في الكيان. في عام 2015 اقترح ليبرمان "قطع الرؤوس بالفأس" عقابا لكل من لا يكن الولاء من فلسطينيي منطقة 48 للدولة الصهيونية. وهو من مؤيدي فكرة تبادل الاراضي بسكانها مع الجانب الفلسطيني، للتخلص من أكبر نسبة من فلسطينيي منطقة 48 على قاعدة الشعار الصهيوني المعروف (أرض أكثر وعرب أقلّ).
معروف أن ليبرمان طالب في الحرب الأخيرة على غزة بإسقاط حكم "حماس"، والعمل على انهيار السلطة في رام الله.. ولليبرمان مطالب تتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة، كما أنه يعلنها صراحة، بأنه لا يرى حتى في الرئيس الفلسطيني محمود عباس شريكاً في التسوية. ويطالب بحزم أشد في مواجهة الهبة الشعبية الفلسطينية. وهو سيتقدم إلى الكنيست بمشروع قرار، بإعدام للفلسطينيين المقاومين، واستثناء اليهود الذي يقتلون الأخيرين من هذا القانون. خذوا ما يقوله الخبراء والمعلقون السياسيون الإسرائيليون عن وصول ليبرمان إلى وزارة الحرب:
قال الكاتب جدعون ليفي في مقاله له (22 ايار الحالي) في صحيفة "هآرتس": "يعلون ليس الحل، إنه المشكلة. اسرائيل ستدفع ثمن الواقع الفاشي اليميني المتطرف، ولا يمكن القول عن يعلون أنه عقلاني، لقد ساهم في إنشاء هذا الواقع". أما أوري مسفاف فيقول (في عدد "هآرتس" نفسه) "لقد بدأت نهاية حكم نتنياهو، لكن سيبقى اليمين المتطرف في السلطة، لأنه لا توجد له معارضة حقيقية في إسرائيل". من جانبه، قال المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل في مقاله له: "إن قيادة أركان الجيش تلقت قرارا بتعيين ليبرمان بمفاجأة كاملة، وبتخوفات ليست قليلة. وقال المحلل العسكري في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي أمير بار شالوم: "إن قيادة الجيش ترى في تعيين ليبرمان إشكالية، فليبرمان سياسي يميني متطرف، وانتقد الجيش كثيرا، خاصة خلال العدوان على غزة عام 2014، عندما دعا إلى إعادة احتلال قطاع غزة وتسويته بالأرض".
كما أفاد المحلل العسكري البارز رون بن يشاي، في مقال له في موقع "واينت" الإخباري على الانترنت، بأن نتنياهو يخاطر بالأمن، توجد ظواهر وسياقات تذكر بألمانيا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. كما انتقد النائب والشخصية البارزة في حزب "الليكود" بنيامين بيغين قرار نتنياهو وقال، إن هذا تعيين مهووس. في السياق نفسه جاء تصريح وزير الحرب الأسبق موشيه آرنس، من حزب الليكود، معتبرا أن ما يجري في إسرائيل هو هزّة أرضية. بالتالي، فإن يكون نظام ما.. فاشيا في سلطته ونهجه وممارسته واعتداءاته المستمرة على الآخرين في محيطه.. يعني أنه يرسم طريق اندثاره، ويحفر قبره بيديه. هذا في حالة البلد الذي يعيش نظامه الفاشي على رأس سلطة بلده، فكيف بفاشية بنت دولتها على أرض اغتصبتها عنوة وبالتعاون مع الدول الاستعمارية، لتكون رأس جسر لها في منطقة غريبة عن الطرفين؟ كيف بنظام فاشي يقوم باقتلاع سكان البلد الأصليين وتهجيرهم، واستقدام مهاجريه من شتى آنحاء العالم ليكونوا سكان البلد المحتل، الذي يدّعون الحق فيه زورا وبهتانا؟ كيف بنظام يمارس العنصرية البغيضة في سياساته تجاه الآخرين؟ كيف بنظام سياسي اعتبرت الأمم المتحدة أن مصدره الأساسي والنبع الذي يستقي منه النهج والأساليب الممارسة: الصهيونية، ظاهرة عنصرية وشكلا من أشكال التمييز العنصري؟ الكيان الصهيوني هو كل هذه الصفات مجتمعة، بل أكثر وحشية وعنفا وهمجية. إنه نظام سياسي وصل إلى مرحلة ما بعد الفاشية، ما بعد النازية، وما بعد العنصرية، إنه نظام سوبر عنصري.
إن كانت السمة الرئيسية للبنيان فاشية، فبالضرورة تفاصيله كلها ترتد إلى هذه الظاهرة الأقبح في التاريخ، فمثلا، المناهج الدراسية التعليمية في دولة الأبارتهايد المتطور تتمثل في جملة: عنصرية اليهود و"أسرلة" العرب! لقد كشفت صحيفة "هارتس" وفي تقرير لها حول التعليم في الكيان: أن وزارة التعليم في دولته، توصي طلاب المدارس اليهودية في المرحلة الإعدادية، بمطالعة كتب تتضمن رؤى عنصرية ضد العرب، واستعلائية يهودية في النظرة إليهم، وهذا يعزز نتائج أبحاث صهيونية سابقة تؤكد أن منهاج التعليم في الكيان مليء بالمضامين العنصرية٬ في حين أن منهاج التعليم المخصص للطلبة الفلسطينيين في أراضي 48 مليء بمضامين "الأسرلة" وتشويه الهوية وحقائق التاريخ. كانت الباحثة الإسرائيلية البروفيسورة نوريت بيلد الحنان، قد أصدرت عام 2013 بحثا أكدت فيه، أن الكتب المدرسية التعليمية في جهاز التعليم الإسرائيلي تربّي على العنصرية والحقد ونظام الأبرتهايد٬ وتؤكد على التمييزالعنصري الواضح ضد فلسطينيي 48.
حول اللعبة الحزبية في الكيان، نقول: يحاولون إقناعنا بوجود معسكرين لليمين واليسارفي إسرائيل، خاصة عندما ترفع الأحزاب المحسوبة على اليسار شعاراتها البرّاقة، لكن المدقق في مسلكية وبعض شعارات الأحزاب المسمّاة بـ"المعتدلة" أو اليسارية يجد وبلا أدنى جهد أنها ليست أكثر من لعبة سياسية، لا تعكس حقيقة توجهاتها في كثير من القضايا، خاصة فيما يتعلق بالصراع والتسويات المطروحة، سواء مع الفلسطينيين أو العرب، إن إطلاق وصف اليسار والاعتدال على حزبي العمل وكاديما في الحقيقة هو ظلم كبير، فاليسار ليس كلمة شكلية بسيطة يمكن إطلاقها بسطحية كبيرة على هذا الحزب أو ذاك، بقدر ما هي مضمون أيديولوجي فكري وسياسي وممارسة عملية على أرض الواقع، أي باختصار شديد، مزاوجة بين الإيمان النظري الحقيقي وليس المزيف، وبين سياسات الحزب بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي، وتعامله بعدالة مع الأحزاب والقوى اليسارية والتشكيلات الاجتماعية الشبيهة في الدول الأخرى. اليساريون حقيقةً هم من رفضوا ويرفضون اعتناق الأيديولوجية الصهيونية فكراً وممارسةً، وهم الذين يكافحون ضد السياسات الإسرائيلية، وفي كثير من الأحيان لا يستطيعون العيش في مثل هذا (المجتمع) بل تراهم يغادرونه مثل: إيلان بابيه، والمحامية التقدمية فيليتسيا لانغر، حتى أن القضاء الاسرائيلي تابع لسياسات الدولة، وهو ليس مستقلا ولا نزيها. تذكروا أحكام القضاء الاسرائيلية على مرتكبي المجازر ضد الفلسطينيين، وضد قاتل ريشيل كوري. القضاء الاسرائيلي أيضا تابع لسياسات الدولة.
ليس المقصود مما تقدم، إغماض العينين عن وجود التمايزات بين الأحزاب الإسرائيلية، تجاه هذه القضية السياسية أو تلك، لكن هذه إن وجدت فهي تتخذ مظهر الثانوية. منذ أسبوعين، عزا البعض في تحليلاته، خاصة في معظم الصحف الاجنبية، وبعض الصحف العربية للأسف الشديد، تصريحات نائب رئيس الأركان يائير غولان، إلى وجود "نزعة أخلاقية" في جيش الاحتلال، لقوله "إن كان يوجد شيء يخيفني في ذكرى الكارثة فهو الملاحظة، بان ما مرّت به أوروبا وألمانيا بوجه خاص، من أجواء قبل تسعين عامًا ( يقصد ظاهرتي النازية والفاشية)، توجد له شواهد هنا في أوساطنا في عام 2016. كذلك هي استقالة يعلون، ردها البعض لخلافاته مع نتنياهو حول إصراره على محاكمة الجندي، الذي قتل الجريح عبدالفتاح الشريف. إن هؤلاء العسكريين يخافون الإعلام والفضح أماما الكاميرات! كضباط لا يحافظون على شرفهم العسكري. إنهم كذلك حريصون على مستقبل دولتهم، لأنهم يدركون أن الفاشية هي بداية نهاية دولة إسرائيل.
خلافات نتنياهو ويعالون حزبية بحتة، لن ننسى أن كافة من أشرفوا ويشرفون على المجازر، التي مارسها الكيان بحق شعبنا وأمتنا، هم ضباط هذا الجيش، منذ ما قبل إقامة الكيان حتى هذه اللحظة. ليس من وجود لنزعات أخلاقية في جيش احتلال، يقمع، يقتل، يحمي قطعان المستوطنين ويحرسهم، وهم يعيثون إجراما ضد شعبنا في مناطقه المحتلة.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني