"كلما اقتربت القوانين من الواقع أصبحت غير ثابتة، وكلما اقتربت من الثبات أصبحت غير واقعية"
(البرت أينشتاين)
نظراً لاهمية تعريف القانون الدولي, فإننا نورد فيما يلي عدة تعريفات للقانون الدولي, بعضها لفقهاء أجانب وبعضها الاخر لفقهاء عرب, مع ملاحظاتنا على كل تعريف:-
ý اولاً:
الفقيه شتروب, يعرف القانون الدولي بانه ( مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن حقول الدول وواجباتها وحقوق وواجبات غيرها من اشخاص القانون الدولي) وميزة هذا التعريف الرابط بين الحقوق التي يمنحها القانون الدولي العام للدول والالتزامات التي يلقيها على عاتقها.
ý ثانياً:
الفقيه شوارز نبرغر, يعرف القانون الدولي بأنه (مجموعة القواعد القانونية التي تطبق بين الدول من الوحدات التي تتمتع بالشخصية الدولية) وميزة هذا التعريف هو التأكيد على وجود وحدات دولية تتمتع الى جانب الدول بالشخصية الدولية ويخاطبها القانون الدولي باحكامه.
ý ثالثا:
الفقيه جيرهارد فان جلاهن, يعرفه بأنه (مجموعة من الانظمة والمبادئ التي تلتزم بها الدول المتحضرة في علاقاتها مع بعضها البعض) وهذا التعريف يحمل في طياته سيئة مزدوجة, فهو يقتصر مهمة القانون الدولي على تنظيم العلاقات بين الدول دون غيرها من اشخاص المجتمع الدولي من جهة, وهو يركز على وجوب كون الدولة متحضرة من جهة ثانية, لان المقصود بالدول المتحضرة – في مفهوم صاحب التعريف – هو الدول الغربية حصراً, اي الدول الاوروبية والامريكية فقط.
ý رابعا:
ويعطي الفقيه الامريكي فيليب جيسوب تعريفاً خاصاً للقانون الدولي فيقول (انه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الاعمال والوقائع التي تتخطى الحدود الوطنية) والملاحظ هنا تركيز التعريف على الطابع فوق الوطني للقانون الدولي.
ý خامساً:
أما الفقيه الروسي كاروفين, يعرف القانون الدولي بأنه (مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول, والتي تنشأ من خلال تعاون هذه الدول وصراعها, معبرة عن ارادة الطبقات الحاكمة فيها, وهادفة للمحافظة على تعايشها السلمي) والذي يؤخذ على هذا التعريف أنه يحاول ادخال مفاهيم سياسية مثل (الصراع الذي كان سائد سابقاً بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي) (وطبيعة الدول كأداة قمع) وكذلك الهدف من القانون او الغاية منه ضمن التعريف.
ý سادساً:
يعرف الدكتور علي صادق ابو هيف كما يلي: (هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها) وهذا التعريف قريب من الكمال الا انه يقصر اشخاص القانون الدولي على الدول فقط.
ý سابعاً:
يعرضه الدكتور علي علي منصور القانون الدولي (هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول, وتحدد حقوق وواجبات كل منها, في حالتي السلم والحرب) وهذا التعريف له نفس خصائص التعريف السابق ولكنه يمتاز بالاشارة الى ان القانون الدولي ينظم هذه العلاقات في حالتي السلم والحرب معاً.
ý ثامناً:
يعرفه المرحوم الدكتور صلاح الطرزي بقوله (القانون الدولي يتألف من مجموع القواعد الفقهية ذات المصدر الدولي والمستقلة عن القوانين الداخلية, وهذه القواعد تحدد حقوق شخصيات المجتمع الدولي واختصاصاتها والالتزامات المترتبة عليها) والملاحظ على هذا التعريف انه يتبنى نظرية (ازدواجية القانون) بنصه على الانفصال بين القانون الدولي والقوانين الدخلية.
ý تاسعاً:
يعرف الاستاذ الدكتور فؤاد شباط بقوله (ان الحقوق الدولية العامة هي مجموعة القواعد التي تهيمن على الدولة من حيث وضعها الدولي ومن حيث علاقاتها مع دولة اخرى او مع جماعة دولية في سبيل الخير المشترك) وملاحظتنا على هذا التعريف ان كلمة (تهيمن) تعطي انطباعاً كأن صاحب التعريف يتبنى النظرية الموضوعية, لان الهيمنة لا يمكن ان توجد الا في حال وجود (نظام عام دولي) يفرض اوامره ونواياه على الدول.
ý عاشراً:
يعرفه الاستاذ الدكتور محمد سامي عبد الحميد بالقول (ان اصطلاح القانون الدولي العام انما ينصرف على وجه العموم الى مجموعة القواعد الوضعية الملزمة المنظمة للمجتمع الدولي) والملاحظه على هذا التعريف انه يتبنى النظرية الوضعية صراحه.
واذا أردنا الان بعدما تقدم من التعريفات أعلاه, اعطاء تعريف مقبول للقانون الدولي العام, فاننا نقترح التعريف التالي:
(القانون الدولي هو مجموعة القواعد القانونية الوضعية التي تحكم العلاقات بين اشخاص المجتمع الدولي, في حالتي السلم والحرب التي تبين حقوق وواجبات كل منها اتجاه الاخر) ومن تحليل هذا التعريف يتبين لذا عدة نقاط هامة:
1. كلمة (قانونية) هنا غايتها ابراز صفة الإلتزام في هذه القواعد.
2. كلمة (الوضعية) هنا غايتها تمييز القانون الدولي العام كما يسمى (القانون الطبيعي).
3. ان كلمة (تحكم) تبين خصوصية قواعد القانون الدولي, فهذه الكلمة تضفي عنصر الالتزام على هذه القواعد.
4. ان تعبير اشخاص المجتمع الدولي, يأخذ في الاعتبار التطور الجديد الذي عرفه القانون الدولي المعاصر.
5. ان تعبير (في حالتي السلم والحرب) يؤكد على ان حالة الحرب تحكمها ايضاً قواعد قانونية.
6. وان العبارة الاخيرة (والتي تبين حقوق وواجبات كل منها تجاه الاخر) غايتها التأكيد على ان القانون الدولي لا يشمل فقط القواعد العامة التي تحكم العلاقات بين اشخاص المجتمع الدولي, وانما يشمل ايضاً علاقات الالتزام الدولي بعنصرية الايجابي (الحقوق) والسلبي (الواجبات) ..
ومن المفيد هنا التركيز بأنه غالباً ما يشكل ( حق) كل دولة (واجبات) على عاتق الدول الاخرى وبالعكس.
والملاحظة الاخيرة التي يجب ذكرها هنا, هي ان (القانون الدولي العام) هو احد العلوم الاجتماعية, وفي العلوم الاجتماعية يصعب اعطاء تعاريف موضوعية, (ان التعاريف لابد ان يتأثر بشخصية صاحبه, وبعقيدته الفقهية وارائه السياسية, وكذلك يختلف التعريف بحسب ما اذا كان صاحبه من اصحاب (النظرية الارادية) او (الموضوعية) او غير ذلك من النظريات الفقهية ... اذ له تعبير (القانون الدولي العام) يدل على مفهوم نظري مجرد, وتعريف المفاهيم المجردة اصعب بكثير من تعريف الاشياء الحساسة.
"القوانين الجيدة تؤدي لخلق قوانين أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى قوانين أسوأ"
(جان جاك روسو)
بقلم/ د. حنا عيسى