التصريحات التي أدلى بها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، والتي ركز فيها على حل القضية الفلسطينية، ليصبح السلام أكثر دفئاً، فإعطاء الأمل للفلسطينيين بحل قضيتهم، والأمل للإسرائيليين، بفتح صفحة جديدة يمكن أن تزيد عما تم إنجازه في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، واصفاً اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية بالمعجزة، التي أدت إلى كتابة فصل هام في تاريخ المنطقة، مؤكداً أنه لم يكن أي إنسان في تلك الآونة يعتقد أن السلام بين مصر وإسرائيل ممكن، ويضيف الرئيس "السيسي":"يقولون أن السلام بين مصر وإسرائيل بارد، بيد أن بالإمكان تغيير هذا الوضع، لو عملنا في بذل الجهود مع بعضنا البعض، بإرادة وإخلاص حقيقي، لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، حتى نكتب صفحة أخرى وننجز أكثر مما أنجزناه".
جاءت أقوال الرئيس "السيسي" وسط معركة إسرائيلية داخلية، لتوسيع الائتلاف الحكومي برئاسة "بنيامين نتنياهو"، ووسط مفاوضات انضمام حزب المعسكر الصهيوني برئاسة "اسحاق هرتسوغ"، إلى الائتلاف الحكومي لتتمكن الحكومة من دفع مسيرة سلام سياسية إقليمية وصفها "هيرتسوغ" بالنادرة، قد تضيع إن لم تستغل ولن تتكرر، وهو يقول ذلك بعلم ومعرفة، مع اعترافه بأنها فرصة شديدة التعقيد، يمكن أن تحدث حسب "هيرتسوغ" إذا طرأ تغيير على تركيبة الحكومة، وأن هناك شيئاً دراماتيكياً يؤدي إلى تغيير تاريخي باتجاه آخر، لكن الأمور جاءت عكسية وتوسيع الحكومة أكثر يمينياً وتطرفاً، وأن تصريحات "السيسي" لم تلعب دوراً.
إن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بحاجة إلى ثلاثة عوامل: الأول عن طريق القوة العسكرية وهذا غير متوفر، والثاني عن طريق الضغط الأميركي والدولي الحقيقي وهذا غير متوفر أيضاً، أما الثالث فهو العمل على تغيير الرأي العام الإسرائيلي باتجاه السلام، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وليتوصل الإسرائيليون إلى قناعة، أنهم دون الحل والسلام، سيستمرون في أزماتهم الأمنية والعسكرية والحروب حتى إشعار آخر، ويتضح من ما نشرته جريدة "هآرتس 19-5-2016"، أن مسؤولين أوروبيين وأمريكان، بينهم "توني بلير"، رئيس الحكومة البريطانية السابق، كانوا مشاركين في الاتصالات التي جرت بين "نتنياهو" ورئيس حزب العمل "اسحاق هيرتسوغ"، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعملوا على إشراك الرئيس المصري "السيسي"، للمساعدة بالتأثير على الأحزاب والسياسيين والرأي العام الإسرائيلي، بالإدلاء بتصريحه المفاجئ الذي أهاب خلاله بالأحزاب الإسرائيلية، للانضمام للمسيرة السلمية، في حين سارع كل من "نتنياهو"، و"هيرتسوغ" و"أبو مازن"، للترحيب بتصريحات "السيسي"، واعتبارها بمثابة فرصة إقليمية سانحة للسلام في الشرق الأوسط، غير أن "نتنياهو" اليميني المتطرف أصلاً، فضل حكومة أكثر يمينية، بضم "أفيغدور ليبرمان"، الأكثر تطرفاً منه، وإسناد حقيبة الجيش له بدلاً من "موشيه يعلون"، الذي أعلن عن استقالته من الوزارة ومن الكنيست، لكنه لم ينسحب من الحياة السياسية العامة، حيث أصبح يشكل خطراً أكثر على "نتنياهو" وحكومته، فكتاب استقالته يوصي إلى تشكيل جبهة واسعة من الأحزاب والقوى السياسية، لإسقاط حكومة "نتنياهو".
أما أسوأ ما نجم عن استقالة " موشيه يعلون"، دخول "يهودا غليك" الإرهابي المعروف والذي يعمل يومياً على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، والذي يسعى لإعطاء الشرعية لصلاة اليهود فيه.
رئيس حزب العمل "إسحاق هيرتسوغ"، الذي فشل في إدارة مفاوضاته للانضمام لحكومة "نتنياهو"، وهناك في حزبه من يطالبونه بالاستقالة من رئاسة الحزب، وبدلاً من اتهام "نتنياهو" الذي أذله وسخر منه، واستعمله في استقطابه لـ "ليبرمان"، فإنه يتهم ويهاجم قيادات في حزبه بإفشاله، وبخاصة رئيسة حزبه السابقة "شيلي يحيموفيتش"، التي هي وغيرها من قيادة الحزب، حذرون من "نتنياهو"، المخادع، وطالبوه بعدم الانضمام لحكومته، حتى أن قيادات في حزب الليكود تعارض ضم حزب العمل للحكومة، غير أن نائب الكنيست "بيني بيغن"، نجل رئيس الوزراء السابق "مناحيم بيغن"، الذي يوصف بضمير الليكود، وبالنظافة والاستقامة، يعتبر ضم ليبرمان للحكومة بأنه سيكون خطأ كبيراً، ووصف إسناد وزارة الجيش له بالهذيان.
حكومة "نتنياهو" التي مر على إقامتها سنة ونيف، والمشكلة من ائتلاف يضم (61) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، تعتبر حكومة ضعيفة، ومقلقة لرئيس وزرائها، الذي يخضع لابتزاز نواب الائتلاف وضغوطهم، لا يستطيع تمرير القرارات في معظم الأحيان، وبمجرد انسحاب نائب أو أكثر من الائتلاف، أو الامتناع عن تمرير مشاريع القوانين، فإنها قد تتعرض للسقوط، من هنا كان سعي "نتنياهو" لتوسيعها، ليس فقط من أجل انتزاع القرارات، بل أيضاً، وهو الأهم، المحافظة على موقعه وحكمه، وبضم حزب إسرائيل بيتنا للائتلاف الوزاري، يصبح لها (67) نائباً، مما يضمن لـ "نتنياهو" استمرار حكمه.
في أعقاب انتخابات الكنيست التي جرت عام 2015، اشترط "ليبرمان" للانضمام لحكومة "نتنياهو" مجموعة من الاشتراطات، وأهمها: حصوله على حقيبة الجيش، وتشريع عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين، وإعادة احتلال قطاع غزة، والقضاء على حركة حماس، واستئناف اغتيال قادتها وقيادات فلسطينية أخرى، واستئناف البناء الاستيطاني بكل قوة، في القدس الشرقية، وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، إضافة إلى تخصيص رواتب تقاعد للمهاجرين الروس، وأنه سيرد على المقاومة الفلسطينية بمنتهى الشدة، فوزارة الجيش التي ستسند إليه، تخوله المسؤولية الكاملة لإدارة الضفة الغربية على كافة الصعد، فانضمام "ليبرمان"، هو الأمر الطبيعي لحكومة يمينية عنصرية فاشية، يزيد في تعرية إسرائيل في العالم، فقد أفاد استطلاع للرأي العام الإسرائيلي نشرته جريدة "معاريف 11-5-2016"، أن 56% من الإسرائيليين، يعتبرون مواقفهم يمينية، مقابل 28% متوسطة، و16% فقط يسارية.
لكن للعدل فإن "ليبرمان" ليس العنصري والإرهابي والبعبع الإسرائيلي الوحيد في الكنيست، بل أن على شاكلته الكثيرون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو".
من ردود الفعل التي جاءت على لسان النائب "عمير بيرتس" من حزب العمل، أن "نتنياهو" لم يتغير، بل يحاول تغيير القناع الذي يرتديه فقط، وأنه لا يملك الشجاعة اللازمة للقيادة ولتغيير الوضع القائم، فلا يمكن تصديقه والثقة فيه، أما النائب "شيلي يحيموفيتش" من المعسكر الصهيوني المعارض، فكتبت على صفحتها بالفيس بوك: يكفي مؤامرات، ويكفي خيانة بثقة الناخبين، ويكفي زحفاً مخجلاً للانضمام للحكومة، وتقصد في انتقادها لرئيس حزب العمل "هيرتسوغ"، حتى أن "نتنياهو" رفض إعطاء "هيرتسوغ" التزامات خطية حول التفاهمات التي توصل إليها الاثنان، مما يؤكد على سوء نواياه، أما "ليبرمان"، وزير الخارجية السابق، والذي عرض عليه "نتنياهو" الخارجية من جديد، إلا أنه أصر على وزارة الجيش، فحصل عليها، فهو سيسبب المشاكل لـ "نتنياهو"، ويتسبب بزرع بذور انهيار الحكومة، التي سيكون عمرها قصيراً.
لقد أدى تعيين "ليبرمان" وزيراً للجيش، إلى وجود حالة من التوتر بين قيادة الجيش، وفي صفوف الإسرائيليين، الذين أخذوا يتحدثون عن إعداد الملاجئ استعداداً للحرب القادمة التي سيشعلها "ليبرمان"، فحكومة "نتنياهو"، حكومة يمينية متطرفة بطبيعتها، لكن انضمام "ليبرمان" سيجعلها في قمة التطرف وقمة اليمين –وأكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل- حتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، أخذت تذكر بمواقف "ليبرمان" ودعواته السابقة التي هدد فيها بضرب سد أسوان، إضافة إلى ضرب طهران، فلا ضوابط له، لكن من يراجع مضمون استقالة "يعلون"، والإطاحة به، فهو لم يكن على علاقة جيدة أصلاً مع "نتنياهو"، بل كان بينهما إشكالات كثيرة، فكتاب استقالته لائحة اتهام خطيرة ضد "نتنياهو"، والوزراء الإسرائيليين المتنفذين، وأن توقعاتي بأنه سيشكل جبهة سياسية عريضة، تؤدي إلى إسقاط "نتنياهو" وشلته في انتخابات قادمة، وهذا لا يعني بأن "يعلون" أكثر اعتدالاً من "نتنياهو" في الموضوع الفلسطيني، لكن هذه الخلافات الإسرائيلية الداخلية، قد تصب في صالح القضية الفلسطينية محلياً ودولياً على حدٍ سواء.
بقلم/ غازي السعدي