دولة وكونفدرالية أم ضم وتقسيم؟

بقلم: علي الصالح

تساؤلات مشروعة في الشارع الفلسطيني حول ما يجري في كواليس رام الله وعمان؟ زيارات بالجملة لمسؤولين أردنيين سياسيين وأمنيين وبرلمانيين حاليين وسابقين.
في المقابل قيادات جماهيرية، خاصة من منطقة الخليل تتدفق بأعداد كبيرة على عمان. وتكثفت الزيارات الرسمية الأردنية خلال الشهر الأخير بشكل لافت، من حيث الحجم وثقل هذه الوفود والشخصيات الزائرة ومنها: وزير الخارجية الأردني ناصر جودة زار رام الله والتقى الرئيس أبو مازن. رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي المقرب من الديوان الملكي زار فلسطين والتقى رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله.
وفد برلماني أردني تقوده فاتن خليفات مساعدة رئيس مجلس النواب الأردني، ويضم ثلاثة عشر نائبا، قام بجولة شملت كافة المدن الفلسطينية ومناطق الاحتكاك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، مثل البلدة القديمة في الخليل ومدينة بيت لحم ورام الله ونابلس وغيرها، وكذلك زيارة ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات، وزار الوفد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
مدير عام الجمارك الأردنية اللواء وضاح الحمود ترأس وفدا إلى رام الله، حيث التقى وزير المالية والتخطيط الفلسطيني شكري بشارة، وبحث معه آليات التعامل بالإجراءات المتبعة الخاصة بالتصدير عبر جسر الملك حسين التجاري، من خلال الحاويات وأجهزة المسح المقدمة من الجهات المانحة، لتسهيل العملية التجارية بين الجانبين وحركة البضائع والحفاظ عليها من التلف. مدير الأمن الأردني قام بزيارة خاطفة لمدينة أريحا والمعابر الفلسطينية.
ولم تقتصر التحركات الاردنية على زيارات الأشخاص فحسب، إذ أقيم معرض للمنتجات الأردنية في مدينة نابس، ويجري الحديث عن خدمات VIP للمسافرين عبر المعابر الفلسطينية والإسرائيلية والأردنية، أفضل من الخدمات القائمة حاليا، والإعلان عن بناء قاعة جديدة للقادمين والمغادرين من وإلى الضفة الغربية في الجانب الأردني من المعبر، بسعة تصل إلى ألفي شخص. وهناك شائعة حول قرب سفر الفلسطينيين بسياراتهم الخاصة إلى الأردن، كما كان عليه الوضع في السنوات الاولى من احتلال الضفة الغربية، حيث اتفقت إسرائيل والأردن على تطبيق سياسة الجسور المفتوحة بينهما، وأخيرا وليس آخرا التسهيلات الاقتصادية في التصدير إلى الأردن وعن طريقها.
هذه التحركات تثير الشكوك في أن المياه تجري من تحت الأقدام، والإشاعات تفيد بأن ثمة علاقة بين هذه التحركات والزيارات، وبين ما يجري تداوله أيضا في الأوساط الفلسطينية الشعبية منها على الأقل، حول إمكانية العودة إلى الخيار الأردني، أو الأصح إلى الخيارين الأردنيين. فما هما هذان الخياران:
الخيار الأول خيار الكونفدرالية وهو المفضل لأنه يعني اتحادا بين دولتين، واحدة في شرق نهر الاردن والثانية في غربه، أي في الضفة الغربية.. وهو خيار ظل مطروحا ويروج له حتى فترة ليست بالبعيدة، إلى أن حسم الأردن الأمر، بالتأكيد على أن الحديث في هذه المسألة مؤجل إلى أن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية، أي كما يقول المثل "لمن ييجي الصبي بنصلي على النبي".
ويعود تداول هذا الخيار إلى ايام الرئيس الراحل ياسر عرفات، وظل يتردد حتى بعد رحيله. وهذا الخيار في هذه الايام السوداء التي تعيشها المنطقة العربية والتحالفات الجديدة على ضوء "انتفاضات الربيع العربي.. ولا تعليق"، يتمناه كل الفلسطينيين، شعبا وسلطة، التي ربما بدأت تفقد الأمل مع انسداد الافق السياسي، في التوصل إلى اتفاق سلام يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية، مع وجود حكومة في تل ابيب تزداد تطرفا وعنفا، خاصة بعد تطعيمها بجرعة جديدة من العنصرية والتطرف، بدخول أفيغور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" وزيرا للأمن. ولهذا يرى الحاجة في إحياء خيار الكونفدرالية الذي سيدفع الاردن إلى لعب دور أكبر للاردن، وربما يضفي شريان دم جديدا وحياة لمشروع الدولة المستقلة.
حاولت الاستفسار من مسؤول فلسطيني، كنت أدردش معه، إن كانت هناك علاقة بين عودة الحديث عن خيار الكونفدرالية وهذه الزيارات المكثفة للمسؤولين الاردنيين وإقامة معرض للمنتجات الأردنية، الذي خصت به مدينة نابلس التي تقدمت قياداتها التقليدية الحملات لتوحيد الضفتين، وتزعمت وفود المبايعة للملك عبد الله بن الحسين ملكا على الضفتين في مؤتمر أريحا لعام 1949.
استخف هذا المسؤول بربط الزيارات بموضوع الكونفدرالية، مؤكدا أن زيارات الوفود الاردنية لم تتوقف يوما.. قد تتكثف في وقت وتتضاءل في وقت آخر. لكنه لم يخف تأييده لكونفدرالية بين دولتين.. وقال، "يا ريت.. أمنيتنا ان نقيم كونفدرالية مع الاردن.. وهذا يتطلب اولا قيام دولة فلسطينية، فالاتحاد الكونفدرالي هو اتحاد بين دولتين مستقلتين". وعاد المسؤول لينفي ما يشاع بالقول إنه كلام فاضي لا أساس له من الصحة. واعتقد ان هذه الفكرة غير مقبولة أردنيا، وكانت قد رفضت في السابق. وقال ساخرا اعتقد أن الأكثر معارضة للفكرة في الاردن هم اليساريون والقوميون السابقون و"المناضلون" السابقون في منظمة التحرير الفلسطينية.
وهنا يأتي الخيار الثاني، وهو خيار الضم وهو في الحقيقة خياران في واحد. و يرى البعض في الحديث عن الكونفدرالية ربما للرد او التغطية على هذا الخيار الخطير الذي يقضي على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة. والجزء الاول من هذا الخيار هو ضم الضفة الغربية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل حرب يونيو 1967. وهذا يتطلب من الأردن أن يلعب دورا نشيطا وجديا في عملية السلام باستغلاله أوراق الضغط العديدة المتوفرة لديه، على إسرائيل. وهذا الخيار على الاقل يضمن تحرير الضفة الغربية أو غالبيتها العظمى.
أما الجزء الثاني من هذا الخيار فهو تفاهم بين إسرائيل والاردن على تقاسم "الكعكة" في ما بينهما. وبموجب هذا التقاسم تبقي اسرائيل على مناطق "ج" وهي المناطق التي تضم المستوطنات والمعسكرات وتمثل حوالي 60٪ من أراضي الضفة، أو لنقل على جزء كبير منها، بينما يضم الاردن ما تبقى مع تفاهم بشأن المقدسات في القدس الشرقية..
يذكر ان للأردن الولاية الدينية على الحرم القدسي، بما فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وتعترف إسرائيل ممثلة بحكوماتها المتعاقبة حتى حكومة بنيامين نتنياهو بذلك ولا تمانعه.. ويمكن التوصل لتفاهمات بشأن زيارات اليهود للحرم… والحقيقة ان الاردن توصل إلى مثل هذه التفاهمات، وإن كانت غير مقبولة من الجانب الفلسطيني على الأقل الشعبي.
وسواء كان الحل في الخيار الاول أو الثاني أو الثالث، فإن قطاع غزة سيكون على ما يبدو خارج المعادلة. والاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة الاردنية وترفض بموجبها، أو تتشدد في منح من يحصل من اهالي قطاع غزة على تصريح خروج من سلطات الاحتلال، تأشيرة عدم ممانعة" للمرور (ترانزيت) عبر الاردن، تؤكد أن قطاع غزة خارح الحسابات الاردنية.
والترتيبات لقطاع غزة قد تدخل في إطار منحه الاستقلال التام عن الضفة ومصر وربما الحديث عن مخرج بحري ومطار والقبول الاسرائيلي لهذه الفكرة التي تطالب بها تركيا في إطار مفاوضات تطبيع العلاقات مع اسرائيل، التي لم تعد إلى سابق عهدها منذ العدوان الاسرائيلي على "الفلوتيلا" الاسطول البحري التركي لرفع الحصار عن غزة، الذي قتلت فيه اسرائيل عشرة اتراك في31 مايو 2010.
وهذا يقودنا إلى طرح عدد من التساؤلات:
هل تجري هذه التحركات بعلم السلطة وبرضاها، أو التنسيق معها.. أم رغم انفها؟
هل هذا يعني إعادة أوراق التفاوض إلى الاردن باعتبارها الطرف الذي كان مسؤولا قانونيا عن الضفة عند ضياعها في ما يسمى بحرب يونيو 1967؟ يذكر ان الاردن كان مسؤولا قانونيا عن الضفة الغربية إلى أن أعلن الراحل الملك حسين فك الارتباط الإداري والقانوني بين الضفتين (وحدة الضفتين) في عام 1988 بعد أشهر من إعلان دولة فلسطين في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر. وجاء فك الارتباط بعد 14 عاما من قرار القمة العربية في عام 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
هل هذا يعني وصول الفلسطيني الرسمي إلى حالة اليأس وفقدان الأمل في انتزاع الحق الفلسطيني.. والاعتراف الصريح بفشل المفاوضات، أو بالاحرى إضاعة حوالي ربع قرن من حياة الشعب الفلسطيني في مفاوضات عبثية، لم يجن منها سوى مزيد من الاستيطان والتهويد والقتل والدمار؟
هل في هذه التحركات إحياء لروابط القرى التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي بدعم اسرائيلي، كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية؟
ما تقدم ليس إلا سيناريوهات.. قد تكون وهمية أو قد تكون قريبة من الواقع، وهناك من يطمح إلى تحويلها لواقع ملموس… لكن أيا كانت المخططات، يبقى القول الفصل للشعب الفلسطيني.. وهو صاحب الكلمة الاخيرة في ما سيكون وفي ما لا يكون.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"