في الثالث من يونيو حزيران القادم, تنجذب انظار العالم الى انطلاق اعمال مؤتمر باريس الدولي للسلام في اول محطة له وهو الاجتماع التشاوري لمجموعة الدعم والضغط الدولي التي قد تشمل اكثر من ثلاثين دولة بمشاركة اغلب الكتل المركزية في العالم وبمشاركة اربع دول عربية مؤثرة بالصراع مصر والسعودية والاردن والمغرب العربي وبالطبع فان المؤتمر سوف ترأسه باريس الدولة المحركة الرئيسية للمساعي الدولية في مهمة شاقة و عسيرة و اول خطوة في هذه المهمة حشد دعم دولي فاعل لاستعادة الثقة في الحل السلمي للصراع على اساس حل الدولتين وثانيا استعادة التركيز الدولي لهذا الاطار والضغط على اسرائيل بأهمية القبول بهذا حتى لا ينزلق الصراع الى ديني يكون مدخل لحالة تطرف كبيرة تصيب المجتمعات الرئيسية في الصراع الفلسطيني والاسرائيلي بما يؤهل لتحالفات عصابية اكثر تطرفا , امام هذه المهمة هناك مهمة اخري لواشنطن واسرائيل فهم يحاولان منذ فترة التشويش على كل خطوة في اتجاه تمكين فرنسا من التحالف مع العالم لإعاقة منزلقات ملف الصراع الى المربع رقم صفر والثى تنذر بخطر شديد على المنطقة لن تنجو منها لعشرات السنوات, واشنطن واسرائيل لم يرق لهما هذا الحراك لانهما تعتقدان ان ما يجري في المنطقة من تطرف مفيد جدا ويصب في مصلحة المشروع اليهودي الكبير وبالتالي تحاولان حرف المؤتمر باتجاه المفاوضات المباشرة طويلة الامد بين الإسرائيليين والفلسطينيين لتحقق لإسرائيل مسارات للهروب من الاشراف الدولي على المفاوضات وبالتالي تتفادي اي ضغط دولي قادم للالتزام بالمواعيد التي قد تعلن لحل قضايا الصراع و استحقاقات ذلك الحل وهذا بالفعل ما تخشاه اسرائيل حتى اللحظة.
موقف واشنطن غير مشجع حتى الان وهذا يوحي بانها قد لا تبذل دورا فاعلا في مجموعة الضغط الدولي لأنها تؤيد نظرية اسرائيل في المفاوضات المباشرة والتي تصر على ان تكون الراعية الوحيدة لهذه المفاوضات , لهذا فأنها قررت وعلى لسان وزير خارجيتها جون كيري حضور الاجتماع التشاوري لتشكيل مجموعة الضغط الدولي والتي سيتم خلال اجتماعها تحديد الخطوط الرسمية لعقد المؤتمر الدولي للسلام , ويخش في هذا الاجتماع ان تحاول واشنطن الحشد مع حلفائها لترويج لاتجاه عام يؤثر على مخرجات المؤتمر الدولي العام باتجاه مفاوضات مباشرة في باريس بعيدة عن التدخل والرعاية الدولية وهذا ما لا يساعد اطلاقا على استعادة الثقة في المنطقة ولا يؤدى لإمكانية الحل السياسي الواقعي , واخشي انه في هذا الاطار قد يخطط لاقتراح لجنة مصغرة من مجموعة الضغط والدعم الدولي لمراقبة سير المفاوضات , وما يجعلنا نخشي ان تمرر تلك الخطة على باريس و تسرق مهمة باريس الحقيقية ان رئيس الوزراء الفرنسي (مانويل فالس ) صرح اثناء زيارته الاخيرة لإسرائيل ان فرنسا سوف تستضيف مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يقرها المؤتمر الدولي للسلام , وقد شعرنا من ذلك ان لغة باريس التي جاء بها فالس ليست كاللغة التي تحدث بها فرانسوا هولاند قبل فترة و ليست كلغة (بير فيموند ) المنسق الخاص لعملية السلام الفرنسي.
اسرائيل اخذت تستعد لمرحلة المؤتمر وحشدت ما يلزمها من تطرف تحسبا لفشل موجات التشويش الخارجي والداخلي الموجه من قبل واشنطن وحلفاءها وبالتالي تستعد لمواجهة اي ضغوط دولية , وهنا ابعد نتنياهو خصومة البرغماتين في الحكومة وتقرب من العدو الصديق ليبرمان وجاء به كبديل للبرغماتين وبالتالي فان اسرائيل تعتبر نفسها الان على وشك الدخول في معركة سياسية مع العالم وتستعد لاستخدام حيل دفاع قومية تلجأ فيها اسرائيل الى خطة هروب معروفة ومعهودة في تاريخها بإحداث ازمة اما سياسية داخلية تحل على اثرها الحكومة ويتم الدعوة لانتخابات مبكرة او الهرولة لاستدراج الفصائل الفلسطينية لجولة جديدة من القتال وبالتالي سيحاول العالم فك الاشتباك المسلح والصراع الدموي قبل ان يحاول ارساء اسس السلام الحقيقي القائم على انهاء الاحتلال وتطبيق ما جاء في القرارات الشرعية والمبادرة العربية التي نأمل الا يتم تعديلها لاسترضاء اسرائيل .
الرئيس ابو مازن انهي زيارة ناجحة للقاهرة واكد على مجمل مرتكزات العمل الفلسطيني العربي المشترك في كلمة له امام الاجتماع التشاوري العربي لوزراء الخارجية العرب بمجلس الجامعة العربية بغرض توحيد الجهد العربي نحو تثبيت مرجعيات عملية السلام كثوابت لا يقبل العرب بغيرها وبالتالي تحديد الدور الذي يجب ان تقوم به المجموعة العربية في لجنة الضغط والمساندة الدولية القادمة للحفاظ على هذه المرجعيات والعمل في ذات الوقت على تحييد التأثير الامريكي الإسرائيلي على اعضاء مجموعة الدعم والمساندة الدولية التي ستتشكل في الاجتماع التشاوري بباريس, ولعل الرئيس هناك في مصر اكد على ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية لخطورة بقاء الانقسام كورقة تعيق اي حل سلمي في المستقبل .رغم كل ذلك يبقي هنا سؤال كبير ,هل تستطيع باريس تشكيل مجموعة ضغط و مساندة دولية تمضي بالمؤتمر الدولي للسلام لينهي الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومعه تقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بعيدا عن التأثيرات الامريكية الاسرائيلية وبالتالي تتمكن من اغلاق الطريق امام كل القوي التي تحاول الدفع باتجاه دخول الصراع في مسارات متطرفة يسقط معها الالاف الضحايا وتعاد فيها رسم خارطة الاقليم تبقي معها حالة الامن والاستقرار لشعوب المنطقة في حالة توتر مستمر لتبقي السيادة وحدها في المنطقة للمعسكر الاسرائيلي الامريكي .
بقلم/ د.هاني العقاد