بات واضحاً، ان حالة الانقسام الكارثي تزداد على نحو غير مسبوق، في الوقت الذي يتطلع فيه الشعب الفلسطيني الى الوحدة الوطنية ، في ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية التي اصبحت مهددة بالتصفية نتيجة المشاريع والمؤامرات التي تستهدف النيل من الثوابت الفلسطينية ، حيث بات واضحا بعد تشكيل الانئتلاف الصهيوني نتانياهو وليبرمان ان الرؤية الصهيونية المهيمنة تنطلق من تكريس الطابع اليهودي للدولة، هذا يقود إلى التأكيد على ضرورة إعادة البحث في المشروع الصهيوني من حيث طبيعته و علاقته بالرأسمالية العالمية، و بالمسألة اليهودية، و كذلك بوضع العرب في النظام الإمبريالي العالمي، وبالتالي فإن المسألة المركزية تقوم على أن الصراع مع دولة العدو الصهيوني ، باعتباره صراعاً عربياً صهيونياً بالدرجة الأولى، لن يجد حلاً إلا من خلال تفعيل موقف عربي مساند وداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ، وعدم التعويل على التطبيع مع هذا الكيان او اللقاءات الدولية ، الى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو، بالتالي فمهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من اجل السلام وفق الشروط الصهيونية الأمريكية الاستعمارية ، فلن يكون في ذلك سوى تكريسا للهيمنة والسيطرة الأمريكية الاستعمارية الصهيونية باسم أوهام " السلام " أو الحلول المحسومة لدولة قابلة للحياة أو توسيعاً للحكم الذاتي دون أي شكل من أشكال السيادة على الأرض والمعابر والحدود والموارد، ما يعني أن إدارة هذه المعركة من صميم مسؤولية جميع شعوب المنطقة وفي طليعتها شعبنا الفلسطيني.
المسألة هنا تتعلق بالشعب الفلسطيني الذي قدم الآلاف من قوافل الشهداء مستمراً في صموده ونضاله وهو يرفض المس بحقوقه المشروعة وفي مقدمتها حق العودة ، الأمر الذي يفرض على كافة القوى والفصائل الفلسطينية مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين ، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال الذي انطلقت من اجله الثورة الفلسطينية، باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع لا يمكن ان يتوقف الا باسترداد الحقوق الوطنية المشروعة ، بالرغم من كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عمليات الإرهاب والتشريد والتعذيب والقتل والمعاناة على يد الاحتلال الصهيوني .
ان التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم تستدعي من القوى اليسارية والقومية والإسلامية التنويرية أن تقوم بعملية حوار جدي بين أطرافها لمعرفة كيفية مواجهة الخطر الذي يحيق بالمنطقة، ومواجهة الهجمة الامبريالية والاستعمارية والارهابية التي تستهدف تفتيت المنطقة واعاة رسم شرق اوسط جديد وابعاد الشعوب عن البوصلة الحقيقية فلسطين ، مما يتطلب اعادة ربط البعد الوطني بالبعد القومي حتى تستطيع لعب دور على المستوى القومي ،وتوحيد كل الطاقات والاتجاهات الفكرية السياسية لمواجهة الخطر الرئيسي المتجسد بالمشروع الأمريكي الصهيوني.
من هنا اصبح لدينا قناعة تامة أنه لا حل سياسي يحقق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني ، فالعدو الصهيوني وحليفته الادارة الامريكية ترفض اعطاء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا يوجب علينا أن نعيد الاعتبار
للمشروع الوطني الفلسطيني، وعدم الرهان على لقاء باريس الوزاري الدولي ، مما يتطلب استعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ودورها كحركة تحرر وطني موحدة للشعب الفلسطيني وكل قواه الوطنية ، ومتمسكة بالحقوق والثوابت الوطنية ، ورافضة لأي تنازل عن أي من هذه الحقوق، أو المساومة عليها ، وخاصة حق العودة ، الذي سيشكل عقبة في وجه المخططات الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف ضرب الثوابت الوطنية الفلسطينية .
لا أحد ينكر أن الانقسام يوجه ضربة قاصمة للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولوحدة الشعب الفلسطيني نفسه، ويضر بمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يستدعي تقوية منظمة التحرير من خلال إعادة تفعيل مؤسساتها ، وتفعيل حركتها الشعبية، والتحضير لمجلس وطني جديد فاعل ومؤثر من اجل رسم استراتيجية قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ووضع برنامج نضالي ملتزم بالثوابت الوطنية لمواجهة كل التحديات والمؤامرات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية،وإصلاح واقعنا الفلسطيني وتقويته .
وهنا يؤسفني القول ان تمسك البعض بحل عادل ومتفق عليه وفق القرار الدولي 194، يشكل خطورة على حق العودة ، بل المطلوب التمسك بحق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم على ارض فلسطين وفق القرار الاممي 194 والتعويض عما لحق بهم من آذى ، رغم ترحيب الشعب الفلسطيني باغلبيته بأي جهد عربي يرغب بمساعدته بالاتجاه الذي يؤدي إلى تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الاوضاع نؤكد بأنه ليس امام الشعب الفلسطيني من خيار الا الوحدة والمقاومة والانتفاضة ، وهذا يتطلب من الفصائل والقوى رسم رؤية سياسية تقوم على قاعدة التمسك بالثوابت الفلسطينية، ووقف الرهان على حلول بائسة ثبت فشلها، لأن حكومة الاحتلال لا تريد سلاماً، بل تريد أن تفرض استسلاماً على الشعب الفلسطيني، وهذا بكل تأكيد بحاجة الى معالجة الأمور داخل الساحة الفلسطينية وتوفير الإرادة السياسية لدى الأطراف الفلسطينية المختلفة ، وقراءة التجربة الماضية، بكل استخلاصاتها سلبياتها وإيجابياتها، أين أصبنا وأين أخطأنا.
ان القضية الفلسطينية لا يمكن عزلها عن عمقها المحيط، ويجب عم تغليب العلاقات مع الأنظمة العربية على حساب العلاقات مع الحركة الشعبية العربية كان خطأ كبيراً.
ختاما : علينا ألا نفقد البوصلة، فإن تناقضنا الرئيسي مع المشروع الصهيوني وهناك ضرورة أن نتلاحم جميعاً في مواجهة هذا المشروع، وهذا يتطلب دعم المقاومة الشعبية واستمرار الانتفاضة الحالية ورفع وتيرتها بحيث تتحول إلى مقاومة شاملة على كافة الأصعدة، وهذا لا يعني فقط الشعب الفلسطيني بل كل الشعوب العربية المكافحة التي تتصدى لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الامبريالي وما يخلّفه من حروب وتفتيت وإرهاب، لذا لا بدّ من أن تستعيد القضية الفلسطينية دورها المركزي في سلّم النضالات التي تخوضها الشعوب العربية ونحن على يقين شعب الجبارين سينتصر مهما كانت الظروف والتحديات.
بقلم/ عباس الجمعة