إبراهيم الدقاق – مدرسة فكرية ستتواصل

بقلم: مصطفى البرغوثي

شيعت القدس من المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي علماً من أعلامها، ومهندساً كان له شرف ترميم المسجد الأقصى بعد محاولة احراقه الاجرامية، كما كان له شرف تأسيس وقيادة العديد من المؤسسات الوطنية والمدنية كالملتقى الفكري العربي، ومجلس التعليم العالي، ومستشفى المقاصد الخيرية الاسلامية، ونقابة المهندسين، ومجمع النقابات المهنيـة.
 
غير أن دور المناضل إبراهيم الدقاق كان أوسع وأرحب، اذ لعب على النطاق الوطني دوراً محورياً من خلال مساهمته في تأسيس الجبهة الوطنية الفلسطينية وقيادة لجان التوجيه الوطني الى جانب شخصيات وطنية بارزة مثل حيدر عبد الشافي وبسام الشكعة وكريم خلف وبشير البرغوثي وسميحة خليل واحمد حمزة ووحيد الحمدلله والقائمة تطول.
 
ثم كان له دور ريادي متميز بمشاركته في تأسيس وقيادة حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية التي مثلت جسراً لتواصل أجيال المناضلين العريقين مع الجيل الشاب الصاعد في فلسطين ومحاولة لتجديد روح وأساليب عمل الحركة الوطنية الفلسطينية بعد عثرات أوسلو.
 
هناك جوانب في نضال وعمل ابراهيم الدقاق وأكثر من جيل من المناضلين الفلسطينيين ممن كانوا معه في الأراضي المحتلة، لم تدرس ولم تكتب حتى اليوم.
 
وأولها الدور الحاسم الذي قاموا به في إفشال وإحباط محاولات الاحتلال خلق قيادة عميلة ومتواطئة معه، مثل روابط القرى بهدف الالتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية.
 
وتصديهم لمحاولات الاحتلال استعمال الانتخابات البلدية وسيلة لخلق قيادة بديلة للحركة الوطنية الفلسطينية ، وهي محاولة اسقطتها الحركة الوطنية بل وأفرزت عبر الانتخابات جيلا جديداً من القادة الوطنيين المتميزين تعرض الكثيرين منهم لاحقا للابعاد و محاولات الاغتيال. ولولا ذلك العمل البطولي لمناضلي ومناضلات الأرض المحتلة لتعرضت منظمة التحرير والقضية الفلسطينية لمخاطر قاتلة.
 
وتكرر الأمر بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد عام 1979، وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وإخراج منظمة التحرير الى تونس.
 
وجسد كل ذلك مدرسة فكرية نضالية، ترسخ دورها عبر تأسيس وتطوير منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وأساليب التنمية المقاومة وكلاهما لعب دوراً حاسماً في صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه رغم قمع الاحتلال، فيما يمثل الانجاز الفلسطيني الأكبر حتى الآن بافشال المشروع الصهيوني الهادف الى تفريغ الأرض من أهلها الفلسطينيين وبوضع الحركة الصهيونية أمام أزمتها الديموغرافية الكبرى التي تعجز اليوم عن حلها.
 
ويجب تذكر أن كل ذلك جرى قبل وجود سلطة فلسطينية، وبدون دعم مالي كبير، وبامكانيات محدودة، عوضها العمل التطوعي والايمان العميق بالهدف المشترك وروح الكفاح المتفانية، والتواضع، والنفور بل الاشمئزاز من محاولات التكسب المادي أو البحث عن المناصب، أو استغلال النضال لتحقيق المكاسب الفردية والشخصية.
 
كثيرون من جيل الشباب لم يعيشوا تلك التجربة الناصعة التي ميزت حياة ابراهيم الدقاق، وربما لا يعرفه الكثيرون منهم.
 
غير ان بعث روح الأمل والثقة بالمستقبل، في ظل محاولات بث الاحباط واليأس، يتطلب اطلاع الأجيال الشابة على تلك التجربة النضالية الرائعة التي استمرت منذ اوائل أيام الاحتلال حتى توقيع اتفاق اوسلو، وبلغت ذروتها الكبرى في الانتفاضة الشعبية الاولى التي كان يمكن ان تصنع الاستقلال الحقيقي لو لم تُضيع نتائجهــا.
 
 
ناضل ابراهيم الدقاق بتفان وإتقان، وكافح بشرف ومبدأية لا تلين، وعاش متواضعاً. لم يركض وراء المال، ولم يسع لمناصب أو وجاهة، و لم يكن بحاجة لها.
 
ويكفيه فخراً ما صنعه من مآثر وما بناه من مؤسسات ستبقى مستمرة بعد رحيله.
 
لقد مثل مدرسة فكرية ستستمر لانها قدمت قوة المثال والقدوة لأجيال قادمة.


          بقلم : د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية