التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ووزير الجيش "أفيغدور ليبرمان"، عشية اتفاقهما على إجراء تعديل وزاري، بالتأكيد على التزامهما بإحلال السلام مع الفلسطينيين، واعتبارهما مبادرة السلام العربية بأنها تتضمن عوامل حيوية تساعد في مسيرة مفاوضات إيجابية مع الفلسطينيين، واستعدادهما لإجراء مفاوضات سلام مع الدول العربية مع إجراء تعديلات على مبادرة السلام العربية، وتأييدهما لحل الدولتين، هي تصريحات تندرج في العلاقات العامة، لخداع الرأي العام الدولي، في أعقاب ردود الفعل الدولية على هذا التعديل الوزاري وتعيين "أفيغدور ليبرمان" -من إسرائيل بيتنا- وزيراً للجيش، مع أن لا فرق يذكر بين عنصرية وتطرف الاثنين، بل أن جميع وزراء حكومة "نتنياهو" من العنصريين المتطرفين الذين ينتمون إلى اليمين المتشدد، وينادون بأرض فلسطين الكاملة ملك للشعب اليهودي بلا منازع، ولو كان لهما ذرة من المصداقية، لأعلنا عن آفاق الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وأوقفا البناء الاستيطاني، وتشريع المستوطنات غير القانونية حتى بنظر القانون الإسرائيلي، وامتنعا عن مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتوقفا عن هدم بيوت الفلسطينيين، وجميع الإجراءات للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية.
"ليبرمان" أعلن قبل تنصيبه لمنصب وزير الجيش حسب جريدة "هآرتس 30-5-2016"قائلا: لو كنت وزيراً للجيش، لمنحت "إسماعيل هنية" (48) ساعة وأقول له: "إما أن تعيد جثث الجنود والمدنيين اليهود المحتجزين لديكم أو تموت"، فهل مثل هذه التهديدات تدل على أنه تغيير نحو السلام؟وهل هناك من يصدق أقواله وأقوال نتنياهو أنهما يجنحان إلى السلام؟ فتهديدات "ليبرمان" هذه – حتى قبل استلامه مسؤولية الجيش- تدل عن نواياه لحرب جديدة ضد قطاع غزة، فقد سبق وأن هدد باحتلالها من جديد، والقضاء على تنظيم حماس.
"عمير بيرتس"، أحد أقطاب حزب العمل، قال في خطابه أمام الكنيست: قلت لـ "هيرتسوغ"- زعيم الحزب الذي كان يتفاوض مع "نتنياهو" للانضمام لحكومته-لا تصدق "نتنياهو"، فهو معروف بعدم مصداقيته، وسبق أن قال "ليبرمان" عنه، بأنه كذاب، مخادع، محتال، ربما يكون "هيرتسوغ" أخطأ عندما تفاوض مع "نتنياهو"، فإن تصريحات "نتنياهو" وتصريحات "ليبرمان" بالتزامهما بحل الدولتين هو كذب وخداع، وجاءت لإرضاء المجتمع الدولي، ولذر الرماد في العيون، فإسرائيل تعيش في عزلة كبيرة، ووضعها في العالم متدهور، والشراكة بين "نتنياهو" و"ليبرمان" هي شراكة مصالح ليس إلا.
لقد كانت ردود الفعل الإسرائيلية على التعديل الوزاري، وإسناد وزارة الجيش لـ "ليبرمان"، أقوى من ردود الفعل العربية، فالنائب "بني بيغن"-ابن رئيس الوزراء السابق "مناحيم بيغن"- قال:"اليمين الذي يستبدل "يعلون" بـ"ليبرمان" هو يمين غبي، وأقوال "ليبرمان" بأن وحدة الشعب خير من وحدة الأرض، لدى تصادم هاتين الوحدتين، هو كلام للاستهلاك، والنائبة "شيلي يحيموفيتش" من حزب العمل قالت: ما قاله "نتنياهو" و"ليبرمان" عن حل الدولتين مجرد كلام بكلام، والنائب "عمير بيرتس" من حزب العمل أكد: أقول للشعب ما قلته يوم استقلت من حكومة "نتنياهو"، فهو ليس جزءاً من الحل، وإنما جزء من المشكلة، وعلى الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم من يصدقون، اليد اليسرى لـ "نتنياهو"، أما اليد اليمنى، أما "ليبرمان"، فإنه شخص عنصري عنيف، أدين بالتنكيل، وعديم المسؤولية، متناقض في مواقفه، ليس لديه صلة بين وعوده وأعماله، شخص فاسد، فكيف وصلت ملايين الدولارات إلى جيوبه وجيوب عائلته؟ فتعيين "ليبرمان" أسوأ قرار اتخذته الحكومة الحالية- والقول لـ "بيرتس"- أما النائب "د. أحمد ألطيبي"، فكان تعليقه على تعيين "ليبرمان"، أن هناك أخطر منه، مثل رئيس الحكومة "نتنياهو".
ولكي نفهم أكثر أن وعودهما بحل الدولتين، كذب وخداع، فماذا تقول وزيرة العدل من حزب البيت اليهودي:"ما دام حزبنا شريكاً في الحكومة، لن تقوم دولة فلسطينية، ولن يتم إخلاء تجمعات سكنية، ولن يتم نقل أي مساحة من الأرض إلى العدو"، ونائب آخر من حزب البيت اليهودي قال:"إذا خطت الحكومة ولو خطوة واحدة باتجاه حل الدولتين، سننسحب من الحكومة ونسقطها، و"نتنياهو" نأى بنفسه عن هذه الفكرة قبل الانتخابات الأخيرة، ولو لم يقم بذلك لخسر الانتخابات، أما الوزير "أوري أرئيل" من نفس الحزب، فقد وصف تصريحات "ليبرمان" -حول حل الدولتين- بحديث لفظي، مؤكداً أنه ليس هناك ما يدعو للقلق من تصريحات "ليبرمان"، أما زعيم حزب البيت اليهودي الوزير "نفتالي بينت"فقال:"ألاعيب "نتنياهو" لا تنطلي علينا، ولا تصون أرواح البشر"، ولمعرفة موقف حزب الليكود الحاكم، فقد أعلن أحد أقطابه الوزير "زئيف الكين"، المقرب من "نتنياهو"، بأن موقف الحكومة ثابت، بعدم تقسيم القدس، وعدم العودة إلى حدود عام 1967، وعدم إخلاء المستوطنات، فتعيين "ليبرمان" الذي نجح بابتزاز "نتنياهو" لمعرفته مدى الحاجة إليه، يندرج في محاولة "نتنياهو" البقاء في الحكم، فالحكومة ما قبل التعديل كانت تعتمد على أغلبية (61) نائباً من أصل (120) نائباً، أي أنها قابلة للسقوط في أي لحظة، بينما بعد مصادقة الكنيست على التعديل، أصبحت تعتمد على (66) نائباً من أصل (120)، فالأقوال التي أوردناها، تكشف الكذب والإدعاء بالسلام.
لقد كانت ولادة الحكومة المعدلة عسيرة، فقد كان لـ "ليبرمان" مطالب كثيرة، إضافة إلى تسلمه وزارة الجيش، منها إنزال عقوبة الإعدام بالمقاومين الفلسطينيين، وكانت الاستجابة له، بأن لا تحتاج المحاكم العسكرية إلى إجماع من القضاة، بل يكتفي القرار بأغلبية القضاة، وبذلك لا تسري عقوبة الإعدام على اليهود، لأنهم لا يقدمون إلى المحاكم العسكرية، كما حقق "ليبرمان" لحزبه الذي له خمس نواب في الكنيست فقط، منصباً وزارياً آخر وهي وزارة الهجرة والاستيعاب، ولم يكتف "ليبرمان" بذلك، فقد حصل، ضمن الاتفاق، على رواتب تقاعدية للمهاجرين الروس، مع أنه يضع أعباء كبيرة على خزينة الدولة، وهذا سيعزز قوة "ليبرمان" وشعبيته بين المهاجرين الروس، الذي يعتمد بالأساس على أصواتهم في الانتخابات، لكن مع هذه الموافقة، ظهرت مشكلة جديدة، لماذا رواتب تقاعد فقط للروس، وليس لجميع المهاجرين، ومع كل ذلك صوت إلى جانب التعديل الوزاري (55) نائباً، وعارضه (43) وامتنع واحد فقط عن التصويت هو "بيني بيغن".
لكن وقبل التوصل إلى الاتفاق، بقيت قضية عالقة كانت ستنسف الاتفاق حيث نشبت خلافات بين "نتنياهو" والوزير "بينت" من البيت اليهودي الذي طلب تعيين سكرتير عسكري، لمجلس الوزراء المصغر للشؤون الأمنية، وذلك في أعقاب تقرير مراقب الدولة، الذي كشف أن "نتنياهو"، أخفى معلومات عن المجلس الوزاري، أثناء الحرب الأخيرة على غزة والمعروفة بـ "الصخرة الصلبة"، قبل عامين، وأعلن أنه دون ذلك فإن حزبه سيصوت ضد التعديل، فتدخل العديد من الوسطاء لحل الإشكال، حتى تم التوصل إلى حل مؤقت، من أجل تمرير التعديل الوزاري، وهذا الحل يقضي بتكليف رئيس مجلس الأمن الوطني، بإبلاغ الوزراء بكافة التطورات العسكرية ذات الصلة بشؤون المجلس، حتى يصار إلى الاستجابة لطلب "بينت" بتعيين سكرتير عسكري خلال بضعة أسابيع.
وخلاصة القول، فإن هذا التعديل الوزاري، وتعيين "ليبرمان" جرى ضمن انتقادات كثيرة، داخل إسرائيل وخارجها، كما أن الإشكالات في صفوف هذه الحكومة كثيرة، والتي يجمع بينها التطرف وإدامة الاحتلال، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وسيكون عمرها قصيراً، وسط توقع بإجراء انتخابات مبكرة، سيظهر من خلالها لاعبون جدد، منهم الوزير السابق "موشيه يعلون"، قد تعيد رسم الخارطة الحزبية-السياسية الإسرائيلية من جديد، وقد هدد الوزير "بينت" رئيس البيت اليهودي سلفاً بأن حزبه سينسحب من الائتلاف الوزاري، بمجرد التفاوض على إقامة دولة فلسطينية، و"نتنياهو" يكرر الدعوة للمفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، معارضاً مؤتمر باريس للسلام، بذريعة أن هذا المؤتمر يعرقل المفاوضات المباشرة، لكنه يتجاهل أن المفاوضات المباشرة جرت لمدة تسعة أشهر دون نتائج، حتى أن "نتنياهو" رفض مقترحات وزير الخارجية الأميركية "جون كيري"الذي قال آن نتنياهو يريد مفاوضات دون نهاية من أجل المفاوضات، وليس من أجل السلام، والحكومة الإسرائيلية في تعقيبها على مؤتمر باريس قالت:"أنه سيعيق احتمالات تحقيق السلام، وكأنها أبقت احتمالات للسلام أصلاً.
بقلم/ غازي السعدي