قبل حلول شهر رمضان المبارك , تفاءلنا خيرا بزوال الظلام الحالك , بعد أن سمعنا , والذمة على الراوي , أن هناك تحسنا سيطرأ على جدول توزيع الكهرباء , والخروج من هذا العناء , غير أن ما تمخض عنه مسؤولو شركة الكهرباء , هو التأكيد على برنامج الثماني ساعات قطعا ووصلا , مع الإزاحة ساعة , والناس سمعا وطاعة.
في هذا الرمضان " كلاكيت" للمرة العاشرة منذ الانقسام , تعزف مولدات الكهرباء نشازاً كل مساء , مع آذان المغرب عند الفطور , بأصوات تصم الآذان , وتقلق الأهل والجيران , وتوقظ كل نائم ونعسان مع موعد السحور, في حر شهر حزيران الحزين, دون مروحة أو تكييف , لطفل يصرخ من حر هذه الأيام , وشيخ بات لا يحتمل هذا الحرمان , في زمن الخير والأمن والرغد والأمان .. حيث أبدأ على بركة الله كتابة هذه المقالة , على ضوء شمعة أو فانوس , بعد أن نأخر الراتب هذا الشهر ونفدت الفلوس , في ظل حكومة لا تحكم إلا من بعيد , وحكومة أمر واقع تحكم بالنار والحديد.
وعلى رائحة السولار والبنزين المنبعث من عوادم المولدات , والذي يرسل وينفث دخانه الأسود في كل مكان , فيجلب لنا الأمراض من كل نوع , من الربو والدفتيريا , إلى السل والسرطان , أكتب مقالتي "الهمذانية ", إلى شركة كهرباء غزة الفلسطينية , وإلى كل صاحب مسؤولية أو شأن , سواء في قطاع غزة الذي يعيش " بحبوحة " العيش " الرغيدة " بتوفر الماء والكهرباء بــ " أبخس الأثمان", أو في رام الله المنتعشة بالمرح والسهر حتى الصباح بالنور والكهرباء, على وقع أنغام العود الرنان وغناء يشدو بأحلى الألحان , وكأننا نعيش في سويسرا أو اليابان .. فإلى متى هذه المأساة والمهزلة , التي نعيشها منذ عشرة أعوام , ولماذا هذا التعذيب لشعب الصمود والحرمان , المعرض كل يوم لانفجار مولد , أو احتراق طفل بشمعة منسية , أو " تنكة " بنزين أو خزان , تشعل البيت نارا , تحرق كل نائم أو نعسان.
قلتم في السابق إن سبب انقطاع الكهرباء هو الحصار الجائر الذي يفرضه العدو , ونقص مادة السولار الصناعي الذي يشغل المولدات في محطة كهرباء " النصيرات " , فها هو الوقود يصل دون ضريبة " البلو " ليشغل أكبر التوربينات , وبات المواطن الغلبان والمحروم من النور والضياء في ليل الظلمات , يحلم بيوم وليلة لا تغيب فيها الكهرباء , دون انقطاع لثماني ساعات .. وقلتم إن المواطن لا يدفع فاتورة الكهرباء , من أجل تسديد فاتورة الوقود , ورواتب الموظفين والمهندسين والسكرتيرات في شركة الكهرباء , فأسرعت الحكومة للخصم المباشر من رواتب الموظفين , وقامت شركة الكهرباء بتركيب المسبق الدفع من العدادات , لإنهاء هذه الملهاة والمأساة , وقلنا هلت بشائر الفرح تجتاح البيوت والشوارع والحارات , غير أننا لم ننعم بأي بركات , حتى في شهر الخير والطاعات والبركات.
هذه صرخة المواطن الغلبان , بصوت وقلم "الغزاوي الهمذاني" , على وقع مقامات أبو الفرج الأصفهاني , في كتابه " الأغاني " , لعلها تجد من يسمع الصرخة المكتومة , في غزة المكلومة والمهمومة , فلعل سامع الصوت في الدوحة وأنقرة واسطنبول وطهران , أن يمدنا بخط للكهرباء دون امتنان, ودون أن يسمعنا الشجب والاستنكار والإدانة , ويلعن الحصار ليل نهار.
أما نحن فسنعلنها ثورة شعبية ضد الخلاف والانقسام , وسنرفع نفس الشعار الذي طالما رددناه من عشرة أعوام " الشعب يريد إنهاء الانقسام " , من أجل وحدة الوطن , وإنهاء الاستيطان والاحتلال , وعودة النور والكهرباء دون حاجة لشكوى وبكاء , في زمن فقدنا فيه الأشقاء قبل الأصدقاء , بفعل شقاقنا وخلافنا وانقسامنا , وبتنا بفضل ذلك في هذا الشقاء .
بقلم / د. عبد القادر فارس