حدثني شخص أثق به أن رجلا يعيل أسرة كبيرة ، ويُعلم القران الكريم وعلومه وهو شخصا معروفا في محيطه، بدينه وورعه وتقواه اقسم بالله العظيم له أن اللحم والدجاج لم يدخلا بيته منذ 6 شهور، وأنه يتقاضى 150 دولار بالشهر، ويضيف محدثي أنه وبعد يومين أرسل له طردين غذائيين كل واحد بقيمة 25 دولاراً، وبعد يوم واحد عاد الرجل الصالح ليستأذن "محدثي" بأنه باع أحد الطردين لحاجته للمال وشراء دجاج لأولاده. وطلب من أولاده الصائمين وهم يأكلون الدجاج أن يدعون بالخير والرزق لمن قدم لهم هذه الهدية وأن يحمدا الله على ما بهم من خير وفير .
حوادث يومية نفجع بها، تدخل بيوتنا وتفقدنا القدرة على التركيز، وكأن المطلوب أن تتغلغل فينا حد الصدمة، ونعلم أن مجرد التأثر بالمشاعر واتساعها لن توقف هذا النزيف الذي يجري “ساخنا” تحت أرجلنا وأمام عيوننا، فسيناريوهات الصدمة تختلف مرة تلو الأخرى، ونتحول مع الوقت إلى “متأثرين” وسلاحنا الدموع والكلمات المؤثرة، ويبدو أن كل ذلك جزء من الخطط البعيدة لمن أراد لنا أن نصل إلى هذه المرحلة، خطط قديمة جديدة، يراد بها أن تتعود العيون على المشاهد القاسية حتى تصبح في مرمى “التوقع”، وبالتالي "التقوقع" وانتظار التالي المجهول والذي ربما لا يأتي (#البحث_عن_السراب).
نتساءل فيما بيننا “بفعل الصدمة الناشئة” : ما هو المطلوب وما هي الوسائل التي يمكن أن نقنع بها أطفالنا وشبابنا، وننتقل بهم من مشاهد التدمير النفسي والمعنوي إلى مواجهة الواقع بالإرادة والتسلح بالإقناع والمعطيات والمعلومات السليمة، ما الذي ينتظرنا اليوم أو يوم الغد، وأين هي المؤسسات الفاعلة والمؤثرة على تكوين الوعي الفردي والجماعي والجماهيري، وكيف يمكن أن ندخل الحقائق في عقول الناس، أو على الأقل ننتقل إلى الميدان من النقاش عبر المواقع التي لا يراها أكثر من 5% من الجمهور، أو تلك النقاشات التي تدور في غرف مغلقة بعيدة عن واقع الميدان.
هذا يأخذننا إلى سؤال آخر، حول المؤسسات التي "يخصص" لها الموازنات العملاقة من مؤسسات دولية، والعنوان الكبير هو تنمية مقدرات المجتمع الفلسطيني والنهوض به اقتصاديا ومعالجة مشاكل مجتمعية واقتصادية، وإيجاد فرص عمل تنموية ... الخ، ونجد ان جزء لا يستهان به من هذه الموازنات التي "تسجل على شعبنا" كهبات او دعم أو برامج، لا ينتفع بها إلا القليل، ولا تؤسس لحياة آمنة مستقرة للمستفيدين، وكأنها "لحظات عابرة من الحلم" سرعان ما تنتهي وتنسى بعد أن يجد "المستفيد" نفسه مرة أخرى في "مستنقع" البطالة والبحث عن ما يسد به حاجته للاستقرار واستمرار الحياة الكريمة .
·ما يحدث لا يأتي مصادفة أو يهبط علينا من الأطباق الفضائية الطائرة أو العابرة، أو تحملها وتقذفها الشهب الساخنة، علينا أن نجلس مع أنفسنا ومع صنَّاع القرار في بلادنا، ومع جيش المؤسسات المختلفة الألوان والمسميات، ونتحدث بوضوح وبتواضع وفي أماكن عامة لا نحتاج لأجلها آلالاف الدولار تذهب في ساعات تحت المكيفات الهوائية والصالات الجميلة وكأس العصير "للفرد" أبو دولارين.
· حين تصبح المصلحة الوطنية والأمانة والبرامج السليمة والواقعية والشفافية ورفض الشروط والاملاءات، مقدمة لاستخدام الأموال، سنجد أن مؤشرات البطالة سوف تنخفض سريعا وستنعكس بالإيجاب على المنظومة المجتمعية، ولن نجد رجلاً يشكو بوجع ودموع من أن بيته لم يدخله اللحم من شهور .
بقلم/ د. مازن صافي