مهما اعترانا من ضعف واسترخاء وجفاء،وسواء اتفقنا على هذه الرؤية أم اختلفنا فإنني أقول علينا الحفاظ على انتماءنا قومياً ووطنياً ، كما لا بدّ، في الوقت نفسه، من أنْ يستند الانتماء إلى رؤى فكرية، سياسية، نضالية ، اقتصادية، اجتماعية، إنسانية، تاريخية ومستقبلية شمولية وحتى تستند الى وعي قومي وطني ينهض على ثقافة عميقة موصولة بوعي علمي معرفي متقدم ومتطور، وخاصة ان القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للجماهير العربية ، والمقاومة تشكل اساس في الصراع ، لهذا يجب ان تبقى فلسطين والمقاومة في بوصلة النضال الفكري ، وإذا لم يحصل ذلك ، فإن هذا الانتماء، يصبح في مهب الريح .
إن المعطيات السياسية حسب قراءتنا ان الهوية الوطنية القومية ، ولا سيما في حالتنا الراهنة، تتطلب ترجمة حقيقية من خلال ترسيخها حتى نلفظ من القاموس مفردات: العرقية، القطرية، العصبية، القبلية، الفئوية، الطائفية، المذهبية، الانعزالية، التكفيرية، والانغلاق، والتعصّب الأعمى ، من خلال العمل على رسم أفق تقدمي، ديمقراطي، علماني، منفتح، متعدد الألوان، لا يقبل، من حيث المبدأ، الإلغاء والإقصاء والتهميش والإرهاب بكل مظاهره وجنباته، ويرفض العنف بأشكاله المختلفة وتجلياته المتعددة، لأن الحضارة لن تكتسب الصفة الإنسانية بصورة نهائية إلا إذا ألغت بصورة نهائية مبدأ العنف في علاقات الإنسان بالإنسان وبالعالم.
وامام ما تتعرض له القضية الفلسطينية والشعوب العربية وقوى المقاومة نرى انه يجب ان يتبلور استنتاج أساسي هو أن مجرى مسألة التغيير الاجتماعي، والتغيير السياسي مرتبطة بعوامل عديدة لا يمكن لأي حزب سياسي يسعى إلى التغيير، إلا أن يأخذ بعين الاعتبار متطلبات هذا التغيير، ومن أبرزها، على سبيل المثال، ألا اذا استطاع أن يكون على مستوى الإدراك لهذه العوامل التي تتطلب، دراسة عميقة للواقع النضالي والسياسي والفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي أي دراسة مجتمعية كاملة لمعرفة هذه العوامل وهل هي متوفرة لإحداث مثل هذا التغيير.
ان المجرى النضالي التي تمر به القضية الفلسطينية يجب ان يكون بعيدا عن الارتجال بعد ان اتسمت بها سياسات معظم هذه القوى، على تنوعها ، وخاصة ان الشعب الفلسطيني يطمح ان تستمر انتفاضته ، حتى يجني الثمرات من كل ذلك.
من هنا جاءت عملية تل ابيب بمثابة درسا في وضوح الرؤية وجلاء الهدف ،وتأكيداً على حقيقة أن الشعوب وحدها صاحبة الحق في تقرير مصيرها وانها الوحيدة القادرة على استعادة حقوقها المسلوبة واستعادة ارضها ، حيث اكد بطلي عملية تل ابيب ان القضية الفلسطينية هي قضية العصر، وقضية الثورة، وهي معيار النضال العربي، وعندما تتحرر فلسطين لن يبقى استعمار على وجه الارض.
من هذا الموقع نرى ان صعوبة القضية، لكونها قضية انسانية وفضية قومية، ولذلك فان الشعوب الثائرة والمنتصرة للحق والعدل والتقدم عندما تتضامن كلها في دعم القضية الفلسطينية والانتفاضة والمقاومة سيكون ذلك في نفس الوقت تحررا لهذه الشعوب والإنسانية، ومن هنا تستلهم قوى المقاومة العربية بكل أبعادها وأهدافها، حيت تلتف الجماهير الشعبية في الى مستوى من الالتحام بالمقاومة والتفاعل الخلاق معها بمواجهة الهجمة الامبريالية والاستعمارية والارهابية التكفيرية حتى تكون بحجم مكانة الأمة العربية .
ان هذه الامور تدفعنا الى استذكار الجهد النضالي عبر مسيرة النضال من اجل صيانة المبادئ والأهداف التي يجب ان تنمو باستمرار، حتى تشكل تجربة رائدة تحمل كل مواصفات ديمومتها وهي ايضا ثمرة نضال الحزب واقتداره الدائم على مواجهة كل التحديات.
ومع استمرار الانتفاضة ، فمن الواضح ان الشعب الفلسطيني بحاجة الى ضخ دماء جديدة ضمن قيادة الفصائل والقوى بعيدا عن اصحاب المناصب والامتيازات ، فهؤلاء الشباب والشابات الذين يقودون الانتفاضة، لايمانهم بعدالة قضيتهم، يواجهون الاحتلال المدجج بالسلاح، لانهم يؤمنون حقا بانهم اقوى من الاحتلال، وانهم لا يخافون الموت، حيث يتبادلان الأدوار، حيث مثل الشباب معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي امام شعوب العالم ضد الاحتلال والاستعمار، وقدموا صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفروا للقضية الفلسطينية ولأول مرة حضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة. وبرغم من المحاولات الهادفة الى اجهاض الانتفاضة في ظل الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية .
من هنا اكدت شباب فلسطين وشاباتها على استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني من تحت ركام وأنقاض الدمار الذي يخلفه الاحتلال مؤكدين على تمسكهم بخيار الانتفاضة والمقاومة حيث يسطرون أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء في عصر عز فيه الرجال ، حيث يواجهوا بصدورهم العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، ويتصدون للاحتلال متسلحين بحجارتهم وسكاكينهم وبنادقهم وسياراتهم التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراتهم على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفًا واحداً يتلخص في دحر الاحتلال وتحرير فلسطين وعودة حقوقهم التي سلبها الاحتلال منهم ، مقدّمين أرواحهم وأبناءهم قرباناً على مذبح الحرية والفداء.
ختاما : لا بد من القول ، أن الواقع وصيرورته دائماً هو الذي يحدد مسيرة النضال، إذ لا يمكن لأي فكر مهما كان متقدماً أن يغيّر الواقع بصورة جذرية، إذا لم يكن هذا الواقع ناضجاً لعملية التغيير، إن انفصال الفكر عن الواقع يؤدي إلى نكسات، كما يحصل في العديد من الاحزاب والقوى من ازمات فكرية، لهذا يجب أن يعمل الجميع من أجل إعادة ربط الهوية الفكرية بمسيرة التجديد والنضال، وخاصة لدى الشباب باعتبارهم يقومون بالدور التاريخي باعتبارهم الطليعة المؤهلة لان تفهم وتعي قبل غيرها من فئات الشعب ضرورات النضال بأبعاده، وان تتقدم القيادة الصفوف وان ينتقل الفكر الثوري والايمان بالقضية منها الى جماهير الشعب، وبذلك نعطي الشباتب دورهم باعتبارهم الجيل الجديد ، ونحن على ثقة بان جميع القوى بغض النظر عن التباين في الوزن والفاعلية قادرة ان تكون اكثر فاعلية وتأثير من خلال الآفاق الممكنة لتطورها ، وهذا يستدعي من القوى الديمقراطية و اليسارية التي تشكل الأساس والرافعة لوحدة التقدميين الديمقراطيين عموماً هي الحلقة المركزية التي تمكن هذا التيار الذي لا يزال عريضاً في الساحة الفلسطينية من تجاوز أزماته وضعفه الراهن، وهذا عنوان كبير ينبغي أن تفرد له مساحات
واسعة من التفكير والحوار والعمل المشترك تستجيب لضرورات النهوض المطلوب الذي يشكل يقيناً مستقبل هذه الأمة.
بقلم/ عباس الجمعة