المصالحة الفلسطينية من جديد تعود الى رصيف الحدث الفلسطيني والعربي بالتزامن مع الحراك الدولي لعقد مؤتمر دولي للسلام وكأن هناك تزامن اجرائي تكاملي ظاهر بين الحدث العربي والحدث الدولي وهما يسيران بموائمة دقيقة, تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل فترة عن افكار هامة في اطار الحل السلمي وتطبيق حل الدولتين وتحدث عن السلام الدافئ واكد ان مصر يمكن ان تلعب دورا هاما في المصالحة بين الفلسطينيين ودفع مسيرة السلام للأمام , ولا يبدو ان المصالحة الفلسطينية طريقها سالك دون القرار العربي والاغراءات المالية والسياسية لكل طرف وخاصة لحماس التي تريد ساحة عربية لها قد تتحقق من خلال بوابة احتضان العرب للمصالحة, ولعل الرسائل التي وصلت من اكثر من مستوي عربي فاعل باتت مفهومة لقيادة حماس في الداخل والخارج بان عودة حماس الى الحضن العربي وحصولها على اعتراف عربي واسع لن يتم الا بعودتها عن الانقسام والشروع في قبول حكومة وحدة وطنية فلسطينية وبالتالي دخول حماس منظمة التحرير الفلسطينية والعمل من خلال المنظومة الفلسطينية الواحدة , لتكون الطريق اكثر تهيئتا لانطلاق النظام الاقليمي الجديد .
السلطة الفلسطينية تعمل بتنسيق كامل مع العرب وفي حاجة لكل دعم عربي مالي وسياسي و امنى واقتصادي لذا فهي تقبل بالقرار العربي لتكون عضوا في النظام الاقليمي الجديد الذي سيتشكل قريبا وبالتالي تكون قادرة على لعب دور هام لفرض مزيد من الامن والاستقرار في فلسطين حتي لا تتوتر العلاقات بين اعضاء النظام الاقليمي الجديد , ولن يتم ذلك الا اذا انتهي الانقسام والاحتلال واقيمت الدولة الفلسطينية المستقلة واصبحت القدس عاصمة هذه الدولة , ولا يمكن للدولة الفلسطينية الاستمرار دون ان تتقوي بالعرب ماليا وسياسيا وخاصة ان السلطة الفلسطينية نواة هذه الدولة الان غارقة في الديون بسبب رفضها كثير من الإملاءات الامريكية والاسرائيلية, اليوم هناك تغيرات بالإقليم وهذه التغيرات تحتاج الى استراتيجية اقليمية لمواجهة تلك التحديات القادمة من ايران من ناحية , والارباك الداخلي في دول الاقليم بسبب التوترات التي خلقتها الأيدولوجيات الوليدة من ناحية اخري , قد تحقق هذه الاستراتيجية مواجهة موحدة لكل مشاريع الارهاب والتطرف في الاقليم التي بات خطرها يقف على حدود دول الخليج والسعودية ومصر والاردن بل ودخل بعض اطرافها , وهنا بدا واضحا ان العالم اصبح يرغب في نظام اقليمي جديد بمشاركة اسرائيل وقبولها كطرف يحارب الارهاب بالعالم وكطرف هام في هذا النظام . ولا يتأتى تحقيق هذه الرغبة طالما الصراع على حاله وطالما اسرائيل مازالت تمارس الارهاب كدولة احتلال تقتل وتسرق الارض وتستوطن وتهود وتدمر وتحاصر وتعدم المدنيين الفلسطينيين , لذلك بدأت خيوط الحل الدولي للصراع تتشابك وتخرج على شكل مؤتمر دولي تقوده فرنسا وبدا الجهد العربي كميسر لذلك .
الجهد العربي ينصب اليوم في اتجاهين الاول العمل ضمن المنظومة الدولية لإنهاء الصراع على اساس القرارات الشرعية والمبادرات السابقة وبالتالي تيسير الجهد الفرنسي ,والاتجاه الثاني البحث عن طريق يعيد الفلسطينيين لوحدتهم وتُحييد كل تلك الاجندات والمخططات التي تغري اطراف الانقسام بالبقاء في مربع الانقسام واستخدام المال العربي لذلك ,هذا ما يفسر لنا وصول رسائل لكل من فتح وحماس بضرورة انجاز المصالحة كشرط هام للحصول على المال العربي وحل مشكلاتهم المتراكمة وسد مديونياتهم , ولعل اهتمام العرب اليوم في البحث عن اطار يرضي الطرفين لم يأتي انتصارا للحق الفلسطيني بل حبا في عدم ترك اي من فتح وحماس تتفرد بالعمل السياسي وتشوش على مخطط استكمال تشكيل النظام الإقليمي الجديد وبالتالي فان الهدف الذي يسعي العرب الى تحقيقه هو عدم ابقاء اي من حماس وفتح يغرد خارج السرب ويشوش على المسعي الجديد ,ولا يمكن ان يتم ذلك الا بتوحيد النظام السياسي الفلسطيني ومن ثم ادخال فلسطين في هذا النظام الجديد...! .
لم يبقي امام السلطة وحماس الكثير من الخيارات فقد ضاقت عليهما الطرق واصبح امامها السير مع الرغبة العربية والا فان القادم اكثر خطورة , فلن يوقف العرب مشروع تشكيل النظام الاقليمي الجديد اذا ما فشلت المصالحة بل انهم سيمضون في طريقهم ويفرضوا عقوباتهم المالية والسياسية على السلطة ويعملوا في ذات الوقت على عزل حماس عن اي تأثير على هذا النظام وابقائها محصورة ومحاصرة حيث هي الى ان تستجيب لمتطلبات النظام الجديد , والاخطر ان نجاح المؤتمر الدولي في تشريع حلول دولية للصراع يعني ذلك ان الحل سيفرض على الفلسطينيين كانوا موحدين او منقسمين , وهنا قد تجد حماس نفسها امام خيار الاعتراف بإسرائيل ليعترف بها العالم والعرب ويتعاملوا معها كقوة سياسية فلسطينية , وبالطبع سترتفع مع ذلك الاصوات الدولية التي تضغط على حماس للقبول بإجراء الانتخابات الفلسطينية العامة لتحديث التمثيل الفلسطيني السياسي وهذا شكل اخر من اشكال الضغط الذي لن تستطيع حماس مواجهته لوحدها , من هنا فان المصالحة الفلسطينية اليوم اصبحت ضرورة اقليمية قبل ان تكون فلسطينية ومتطلب اساسي لسلامة النظام الاقليمي الجديد.
د. هاني العقاد
[email protected]